ابتكارات بالذكاء الاصطناعي لتوفير غذاء مستدام

ترويض الصحراء بـ «تكنولوجيا الزراعة»

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تعاني دول الخليج ومنها الإمارات من عقبات مشتركة في قطاع الزراعة، مثل الندرة الشديدة لموارد المياه العذبة المتجددة، والمناخ القاسي، ومحدودية الأراضي الطبيعية الخصبة، وهي تحديات تعوق إنتاج كميات كافية من الغذاء لسداد حاجة السكان، إلا أن الأنظار اتجهت نحو ما يسمى بـ«تكنولوجيا الزراعة» لموازنة المعادلة الطبيعية، وترويض الصحراء، لإيجاد حلول مستدامة لتنمية الزراعة، وتوفير ملاذ آمن لتمكين جميع المواطنين والمقيمين من الحصول على غذاء صحي آمن وكاف وبأسعار مقبولة في جميع الأوقات، بما في ذلك حالات الطوارئ والأزمات في ظل العديد من التحديات التي يشهدها العالم.

وقد تنوعت الابتكارات الزراعية في الدولة لتعزيز استدامة القطاع الزراعي وتحقيق الأمن الغذائي، كما أعلنت الإمارات مؤخراً عن سلسلة من الحزم التحفيزية في قطاع التكنولوجيا الزراعية، بغية تعزيز الأعمال والمساعدة على تحفيز الزراعة، وشجعت الدولة أيضاً على إقامة المزارع والمشاريع الزراعية البناءة بأحدث الطرق والأساليب وقدمت في سبيل ذلك الكثير من الدعم ووفرت الأراضي الصالحة والمعدات والمياه والبذور والأسمدة لإنجاح هذه العملية وتحسين استغلال كافة الموارد المتاحة، ودعمت التقنيات الزراعية والبحوث الداعمة للأمن الغذائي بهدف تطويعها كمشاريع واسعة النطاق، لتكون دولة الإمارات الأفضل عالمياً في مؤشر الأمن الغذائي العالمي بحلول 2051.

ويعتبر إعلان أبوظبي مؤخراً عن منصة الابتكار لتنمية الزراعة الصحراوية، فرصة عظيمة لتسريع تبني التقنيات المتكيفة مع المناخ والابتكارات الرائدة والمعرفة لتحقيق الاستدامة في الزراعة الصحراوية، وستصل الابتكارات إلى المجتمعات الزراعية، من خلال منصة «IDFS» والتي ستوفر ابتكارات وتقنيات مدفوعة بالطلب لتعزيز الاقتصادات الزراعية في البلدان الشريكة.

إدارة المزارع

ولكي لا تكون التقنيات الزراعية حصراً على المزارع التجارية، عملت بعض الجهات والشركات الخاصة في إمارة أبوظبي على إدارة مزارع المواطنين بالتقنيات الزراعية الحديثة مثل هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية التي عملت على إنشاء المزارع الإرشادية والنموذجية لإطلاع المزارعين على أفضل التقنيات والممارسات الزراعية، كما لعبت الشركات الوطنية دوراً هاماً في دعم نشر التقنيات الزراعية.

وأوضح الدكتور عبدالمنعم المرزوقي، العضو المنتدب وعضو مجلس إدارة «إيليت أجرو»، الشركة الإماراتية المتخصصة بالإنشاءات الزراعية، أن هناك أربع طرق تعمل بها «إيليت أجرو» لدعم الأمن الغذائي في أبوظبي، تتمثل في تحسين كفاءة عملياتها، واستهداف الأسواق المناسبة، وتحقيق وفورات الحجم، والاستثمار في البحث والتطوير.

وقال: فيما يتعلق باستهداف السوق المناسب، يعمل فريق المبيعات في الشركة لفتح أسواق جديدة وإدارة 19 مزرعة من مزارع المواطنين في إمارة أبوظبي حتى الآن، هذا بالإضافة إلى تسويق منتجاتها والمبيعات الخاصة.

دعم

ولأن مساحة الأراضي المزروعة بنخيل التمر تشغل في الوقت الحالي حوالي ثلثي مساحة الأراضي الزراعية في الدولة في حين تصل قيمتها الإنتاجية إلى نحو 60% من إجمالي قيمة المنتجات الزراعية، اهتمت دولة الإمارات بتطوير التقنيات الزراعية المتطورة لدعم هذا الركن الأساسي للأمن الغذائي، فاستحوذت أشجار النخيل على اهتمام الباحثين لتطوير زراعتها والحد من الآفات التي تصيبها.

وأكد الدكتور عبدالوهاب زايد، الأمين العام لجائزة خليفة لنخيل التمر والابتكار الزراعي، أنه في إطار دعم المساعي الوطنية للجائزة للتوسع في استدامة أشجار النخيل خلال خمسة عشر عاماً، وبالنظر إلى الأهمية العلمية للتطبيقات التقنية في حياتنا المهنية، سواء في مجال الذكاء الاصطناعي أو انترنت الأشياء، تنافس على فئة الابتكارات الزراعية في الجائزة أكثر من 332 مشاركاً من مختلف دول العالم، قدموا الكثير من الابتكارات التي تخدم القطاع الزراعي بشكل عام وقطاع زراعة النخيل وإنتاج التمور من عام 2017، ومنها تصميم مكائن وأجهزة النخيل والتمور، وتصميم وبناء آلة الكترونية ذكية لتلقيح النخيل باستخدام انترنت الأشياء، وإنتاج مصائد الكترونية لمكافحة سوسة النخيل الحمراء، وتقنية الكشف المبكر عن وجود سوسة النخيل الحمراء بتطبيق الذكاء الاصطناعي وانترنت الأشياء، وابتكار نظام الري المسامي تحت سطح الأرض لري النخيل وصنع الورق من سعف النخيل وغيرها الكثير.

الأنسجة النباتية

ويعد «مختبر زراعة الأنسجة النباتية» في منطقة الفوعة بمدينة العين والتابع لجامعة الإمارات العربية المتحدة من أكبر المختبرات إقليمياً وعالمياً لإكثار النخيل تجارياً وذلك بهدف تحقيق التنمية الزراعية بشكل عام ورعاية النخيل بشكل خاص، لما له من قيمة غذائية عالية وقيمة حضارية في دولة الإمارات. وينتج المختبر ما بين 40 و50 ألف شتلة سنوياً يتم تسويقها من خلال قسم التسويق وعن طريق موقع الجامعة والمعارض الدولية والمحلية ويتم تصدير هذه الفسائل إلى جهات خارج الدولة مثل مصر، والأردن، والعراق، وتايلاند والهند والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان.

ويعمل المختبر على إنتاج فسائل نخيل نسيجية متطورة عالية الجودة عبر استخدام تقنية «التكاثر العضوي- Organogenesis» وهي من أفضل التقنيات العلمية لإنتاج فسائل النخيل النسيجية إضافة إلى أن المختبر يعمل بالتعاون مع «مركز خليفة للتقنيات الحيوية والهندسة الوراثية» على إجراء مجموعة من الأبحاث العلمية تخدم مجتمع الإمارات في مجال زراعة النخيل من خلال إنتاج فسائل نخيل نسيجية جديدة مقاومة لسوسة النخيل وإنتاج فسائل نخيل نسيجية تتحمل الملوحة العالية والجفاف.

الري المسامي

وتنوعت الابتكارات التي نالت جائزة خليفة لنخيل التمر والابتكار الزراعي خلال دوراتها، ومن أهم هذه الابتكارات نظام الري المسامي، حيث قدم الباحثان خليل الرحمن محمد، ومحمد خليفة بن ثالث، دراسة حول استخدام نظام الري المسامي تحت الأرض على زراعة النخيل في دبي، في مؤسسة النخيل، والذي يأخذ المياه عبر مسام، عندما يكون ضغط الماء داخل الأنبوب كافياً لدفعه للخارج، وهو نظام قائم على مبدأ بسيط جداً، نظام أيكولوجي ويحقق تدفقاً مستمراً وموحداً بطول الأنبوب بواسطة المسام الموجودة على سطحه، وعليه تم اختبار نظام أنبوب مسامي للري تحت الأرض لخفض استهلاك المياه، وأيضاً لتوفير كمية المياه المناسبة لري أشجار النخيل، ومع الري المباشر لجذور أشجار النخيل ساعد على نموها في عمق غير محدود داخل التربة، وأيضاً تطورها وزيادة حجم الجذور، وأدت الاختبارات على أشجار النخيل إلى تقليل نسبة مياه الري بنسبة 45% إلى 50%، وتم تحقيق عائد أعلى بنسبة 5 - 7 % تقريباً من إجمالي الإنتاج، وعليه فإن هذا النظام وفر المتطلبات الأساسية لنمو أشجار النخيل وانخفاض نسبة التبخر.

ومن الابتكارات الرائدة في تقليل هدر المياه في الزراعة، التقنية التي طرحتها الشركة الهولندية Groasis الرائدة، حيث وفرت هذه التقنية فائدة ثلاثية تمثلت في خفض كلفة إعادة تأهيل الأراضي المتدهورة مرة أخرى بنسبة 90%، وتقليل استخدام المياه بنسبة أكثر من 90%، هذا بالإضافة إلى زيادة معدل بقاء النبات بنسبة 90%.

وتستخدم هذه التقنية البيئية الموفرة للمياه في 42 دولة على مستوى العالم منها الإمارات، وقد حققت نجاحاً كبيراً فيها، وتتكون هذه التقنية من خمس خطوات، وهي زيادة تغلغل المياه بالتربة، ثم توفير حفر للنباتات مع الحفاظ على سلامة النظام الشعري للجذور، واستخدام الفطور الجذرية لدعم النظام الجذري والاستعاضة بها عن الأسمدة، ثم استخدام وعاء ذكي لتوفير مناخ دقيق صحي وتوفير المياه لزراعة الأشجار والخضار دون ري، ثم حمايتها من الحيوانات الآكلة للعشب.

سوسة النخيل الحمراء

ومنذ أن تم تسجيل ظهور سوسة النخيل الحمراء عام 1986 في دولة الإمارات، كحال أغلب الدول الخليجية، حيث أصبحت هذه الآفة الغازية عابرة للحدود والدول، وتهدد الأمن الغذائي والمزارع واستدامة نمو أشجار النخيل، حتى غزت بحلول منتصف التسعينات أكثر من 10 آلاف شجرة في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية، وبعد عقود من النتائج المخيبة للآمال، لم تحقق مصائد الفيرمون التوقعات المرجوة، حتى بات الابتكار الزراعي وجهة يعتد بها، وتتجه نحوها بوصلة الاستدامة في جائزة خليفة لنخيل التمر والابتكار الزراعي في فئة «الابتكارات الرائدة والمتطورة»، ومن أهم الابتكارات التي ساهمت في العمل على تقليص هذا الخطر إلى حد كبير: حارس النخيل، حيث تمكن الدكتور الإماراتي عبدالله الجنيبي من ابتكار أول نظام رصد وإنذار مبكر مزدوج بالاستشعار عن يرقات سوسة النخيل الحمراء «اعتباراً من عمر عامين»، عن طريق رائحة الجزء المصاب داخل النخلة، وصوت اليرقة أثناء المضغ والنخر بتقنية الذكاء الاصطناعي.

ويعتمد «حارس النخيل» الحاصل على براءة اختراع، على نظام الرصد الشبكي اللاسلكي الفوري لمليون شجرة نخيل في خادم واحد، ليضمن تخليص المزرعة من هذه الآفة المستشرية، لما لها من تبعات اقتصادية وبيئية سلبية على قطاع نخيل التمر. وقال الجنيبي الحاصل على جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي في الدورة الرابعة عشرة لعام 2022، إن من المميزات الأخرى لحارس النخيل، أن الجهاز يعمل بمفرده أو ضمن شبكة لاسلكية، ورصد وإنذار لاسلكي مبكر بالرسائل الفورية، هذا بالإضافة إلى كونه جهازاً عملياً خفيف الوزن ومنخفض التكلفة، ويعمل بفعل الطاقة المستدامة، كما أنه ملائم لجميع أنواع النخيل وبقية الأشجار المصابة بالآفة «بما فيها الأشجار المنتجة للزيوت وجوز الهند وأشجار الزينة وغيرها».

«نخيل» هو حل إماراتي متقدم طورته شركة بلاتفورم، الشركة الناشئة التي طورها مجموعة من الشباب المهندسين العرب ذوي الخبرة، للكشف المبكر عن وجود سوسة النخيل الحمراء في نخيل التمر باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، حيث يتم تسخير تكنولوجيا إنترنت الأشياء قليلة استهلاك الطاقة لنقل بيانات النخيل بعد استقبالها عبر مجسات مطورة خصيصاً جاءت بعد أبحاث متطورة ودراسات بالتعاون مع متخصصين من جامعات بحثية زراعية وعدد من الخبراء في عدة مجالات، بالإضافة إلى إجراء اختبارات في مزارع النخيل في ليوا ورأس الخيمة.

ومن ثم قامت الشركة بتطويع الذكاء الاصطناعي لجعله قادراً على التنبؤ بوجود سوسة النخيل الحمراء في أشجار النخيل في مرحلة مبكرة، ويتبع ذلك إرسال تنبيهات للمزارع عبر تطبيق مخصص على الهاتف، حيث ترشد هذه التنبيهات المزارع بالأماكن المحددة والاحداثيات الجغرافية لأشجار النخيل المصابة في المزرعة، وكذلك تزوده بتاريخ أول ظهور للإصابة في كل نخلة، وبهذه الطريقة يكون المزارع على اطلاع كامل وبشكل اوتوماتيكي ودائم بأنشطة وأماكن إصابات النخيل فور حدوثها.

الانبعاث الضوئي

وشهدت أبوظبي تجربة زراعية نوعية باستخدام تقنية الانبعاث الضوئي، والتي تعتمد على أسلوب الزراعة الرأسية من دون تربة أو استخدام مبيدات زراعية، وتختصر الفترة الزمنية لجني المحصول بنسبة كبيرة، إلى جانب نوعيته العالية من دون تغيير في خصائصه الغذائية، وفي الوقت ذاته تعد هذه التقنية صديقة للبيئة لحجم التوفير في الطاقة المستخدمة، وإعادة تدوير حتى الكمية القليلة من الماء، والهدف من ذلك هو إدخال مفهوم الزراعة المحمية كثيفة الإنتاج وعالية الكفاءة إلى نظام الزراعة التقليدي الحالي، الأمر الذي سيساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال زيادة الخضار، بما يوازي الاستهلاك المحلي في الوقت الراهن والتصدير مستقبلاً.

Email