12 ألف شعلة تزيد هطول الأمطار 20% سنوياً

تلقيح السحب تعظيم الحصاد المائي

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

شكّل الاستمطار حلاً مستداماً وصحياً وآمناً لتحديات المناخ في الدولة من خلال «مصنع الإمارات لتحسين الطقس» الذي ينتج 1000 شعلة ملحية شهرياً، أو ما يعادل 12 ألفاً سنوياً، فقد تمكنت عمليات تلقيح السحب من زيادة نسبة هطول الأمطار 20%، محققة زيادة بالحصاد السنوي المطري ودعم الوضع المائي وتحقيق الاستدامة وتعزيز المخزون الجوفي وزيادة كميّات ومعدلات الجريان السطحي للأودية واستمرارية الوصول إلى المياه خلال الظروف الطبيعية وغير الطبيعية.

تتصدر الدولة مكانة رائدة عالمياً لالتزامها بتوفير الحلول المناسبة للتحديات المتعلقة بالحفاظ على المياه وإدارتها وتحقيق الأمن المائي، على الرغم من أنها تعتبر واحدة من الدول الأكثر جفافاً وافتقاراً للمياه على مستوى العالم، حيث لا يتعدى معدل الهطول المطري فيها 100 ملليمتر سنوياً، وتأتي في المرتبة الثانية عالمياً بمجال تحلية المياه، حيث تنتج 14% من كمية المياه المحلاة في العالم، الأمر الذي يتطلب طاقة تزيد بنحو عشر مرات ما يتطلبه إنتاج المياه السطحية العذبة.

برنامج

وقال الدكتور عبد الله المندوس مدير عام المركز الوطني للأرصاد، رئيس الاتحاد الآسيوي للأرصاد الجوية: إن برنامج الإمارات لعلوم الاستمطار نجح خلال العقدين الماضيين في استقطاب أعداد كبيرة من العلماء والخبراء الذين أثروا البرنامج بدراسات وأبحاث جديدة ومبتكرة في مجال تلقيح السحب، وكان من بين أبرز تلك الأبحاث مشروع البروفيسورة ليندا زو، التي حصلت على منحة في الدورة الأولى، حيث استهدفت دراستها تحسين فعالية تقنيات تلقيح السحب في زيادة هطول الأمطار من خلال هندسة الخصائص النانوية لمواد التلقيح من أجل تسريع وإطالة عملية تكثيف بخار الماء داخل السحاب وإحداث عملية التجاذب بين قطيرات السحابة الصغيرة، ونجح المشروع في تطوير مواد استمطار عبارة عن مركّب يحتوي على مواد ملحية مغطاة بطبقة خارجية نانوية الحجم من ثاني أكسيد التيتانيوم، وتم الحصول على براءة اختراع لهذه المواد بعد أن أثبتت كفاءتها في تعزيز هطول الأمطار أثناء دراسات النمذجة العددية والتجارب المخبرية، كما توصل المشروع إلى التقنيات والإجراءات اللازمة لإنتاج هذه المواد بتكلفة معقولة لتلبية الكميات المطلوبة لاستخدامها في العمليات الجوية لتلقيح السحب.

وأضاف الدكتور المندوس أن دولة الإمارات أنشأت في عام 2018 أول مصنع لإنتاج الشعلات المحلية صديقة للبيئة أطلق عليه «مصنع الإمارات لتحسين الطقس»، ويعد الأول في المنطقة لإنتاج «الشعلات الملحية» التي تحوي كلوريد البوتاسيوم وكلوريد الصوديوم الخاصة لعمليات الاستمطار، ويقوم حالياً بإنتاج نوعين من الشعلات المستخدمة في عمليات تلقيح السحب، وتصل طاقته الإنتاجية إلى نحو 1000 شعلة شهرياً أو ما يعادل 12 ألف شعلة سنوياً.

وأكد الدكتور عبد الله المندوس أن المصنع قام بتنفيذ عدة نماذج لعبوات خاصة تم تصميمها بطريقة فريدة لحمل المواد النانوية المبتكرة الخاصة بمشروع الدكتورة ليندا زو، ويتم توصيل محتويات هذه العبوات من المواد النانوية إلى داخل السحب دون المساس بصفاتها الفيزيائية أو الكيميائية، وكما هو معروف من تميز هذه المواد في قدرتها في بدء عملية التكثيف مبكراً وعلى مستويات منخفضة من الرطوبة النسبية مقارنة بالمواد الأخرى، إذ تم الحرص في تصميم هذه العبوات بطريقة لا تسمح بتجلط هذه المواد داخلها نظراً لحساسيتها العالية للرطوبة، وقد جرى العمل على هذه العبوات بالتعاون مع إدارة الأبحاث والتطوير التابعة للمركز الوطني للأرصاد، ليتم نثرها باستخدام طائرات الاستمطار الخاصة بالمركز.

يشار إلى أن مواد الاستمطار النانوية تعمل على تنشيط عمليات التكثيف وتجميع القطرات المائية الصغيرة داخل السحب لتصبح أعداد القطرات الكبيرة الحجم تعادل ثلاثة أضعافها عند استخدام المواد العادية، وذلك بحسب ما أثبتته التجارب المخبرية وغرفة محاكاة السحب، إضافة إلى الدراسات الأولية التي أجريت في سماء دولة الإمارات وولاية تكساس في أمريكا، والتي أشارت إلى النتائج الواعدة التي نتطلع إليها.

كما تم سابقاً إجراء عدة اختبارات ميدانية على العبوات في المكان المخصص داخل «مصنع الإمارات لتحسين الطقس» قبل تحميلها على طائرات أبحاث المركز الوطني للأرصاد، لمعرفة أكفأ التصاميم المناسبة لها.

إجراءات

من جانبه، أشار عمر اليزيدي مدير إدارة البحوث وتحسين الطقس بالمركز الوطني للأرصاد، إلى أنه على الرغم من أن برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار يهدف إلى زيادة هطول الأمطار وتعزيز إمدادات المياه العذبة داخل الدولة، فإنه يسعى في نفس الوقت إلى تحقيق نتائج يمكن تطبيقها بشكل أوسع في البلدان الأخرى، وخاصة المناطق التي تعاني شح المياه، مما أتاح المجال للاستفادة من هذا التقدم العلمي في علوم وتكنولوجيا الاستمطار الذي أحرزته دولة الإمارات.

وأوضح اليزيدي أن عملية الاستمطار تتم ضمن سلسلة من الإجراءات الدقيقة يقوم بتنفيذها خبراء المركز الوطني للأرصاد، وتستغرق عملية الاحتراق الكامل للشعلة الملحية حوالي 4 دقائق، ثم تبدأ عملية تفاعل هذه الأملاح مع المكونات المختلفة للسحابة من خلال العمليات الكيميائية والفيزيائية الدقيقة، والتي تظهر نتائجها خلال 15 دقيقة تقريباً من بدء عملية التلقيح اعتماداً على تركيز القطرات المائية داخل السحب في المتر المكعب، حيث تبدأ هذه المواد الاسترطابية بتجميع قطيرات الماء لتصبح كبيرة الحجم وذات ثقل كبير ليصبح الهواء غير قادر على حملها لتسقط في صورة أمطار.

وتعتمد عملية تلقيح السحب على استخدام شبكة رادارات جوية متطورة تقوم برصد أجواء الدولة على مدار الساعة، تتم من خلالها مراقبة بدء تكون السحب، والتي تعتبر الخطوة الأساسية في عملية التلقيح، حيث تتم عملية الاستمطار عن طريق حرق الشعلات الملحية المحملة على جناحي الطائرة، وهي عبارة عن شعلات ملحية يتم حرقها أسفل السحابة وتحمل المواد المتناثرة من الشعلات عبر التيارات العمودية لتصل إلى المناطق المستهدفة داخل السحاب لتفعيل عملية التكثيف وتجميع قطرات السحاب لإتمام عملية التصادم والتلاحم فيما بينهما ليكبر حجم ووزن القطرات، ثم تسقط على شكل أمطار.

ويمتلك المركز الوطني للأرصاد اليوم شبكة رصد سطحية متطورة عددها 91 محطة تنتشر على كامل مساحة الدولة وتغطي مناطق مختلفة ذات طابع مناخي متنوع، حيث تعمل على رصد كافة العوامل الجوية، ومنها كميات الأمطار ودرجات الحرارة وسرعة واتجاه الرياح والرطوبة، وغيرها من المؤشرات التي تسهم قراءتها وتحليلها في إعداد نشرات الطقس المتكاملة عن الأحوال الجوية في الدولة. ونظراً لأهمية رصد وتتبع الأمطار الساقطة على الدولة تم تعزيز شبكة الرصد الجوي التابعة للمركز بإضافة شبكة مختصة لرصد الأمطار، عددها 17 محطة، وذلك من أجل تحسين الدراسات المتعلقة بتوزيع الأمطار، بالإضافة إلى وجود 7 محطات رصد جوي تعمل يدوياً في مطارات الدولة.

ويستخدم المركز عدداً من الطائرات المجهزة بأحدث التقنيات التي يتم من خلالها تلقيح السحب وإجراء بحوث الاستمطار، كما يقوم المركز على تبادل المعلومات مع المنظمات الدولية والإقليمية للاطلاع على أحدث التطورات الجديدة الخاصة بالأبحاث العلمية المعنية بالاستمطار.

ووفق المركز الوطني للأرصاد الجوية والزلازل فقد تمكنت عمليات الاستمطار الحالية من زيادة نسبة هطول الأمطار بنسبة 20%.

وأسهمت المشاريع الحاصلة على منحة البرنامج في تطوير تقنيات جديدة في هذا المجال من ضمنها استخدام المواد النانوية، والطائرات بدون طيار، وتصميم غرفة محاكاة السحب، ونظام المحرك النفاث لتكوين التيارات الصاعدة الضرورية لتكون السحب وغيرها من التقنيات المبتكرة.

ويسعى برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار إلى ترسيخ المكانة الريادية لدولة الإمارات كمركز عالمي في مجال أمن المياه والاستمطار عبر تعزيز الابتكار والتعاون البحثي والشراكات الدولية، ويعمل على إيجاد حلول مبتكرة ومتطورة في مجال علوم الاستمطار للمساهمة في ضمان أمن المياه عالمياً بالاستناد إلى الأبحاث المتقدمة. كما يسعى البرنامج إلى لعب دور محوري في تنفيذ استراتيجية الأمن المائي لدولة الإمارات 2036، الرامية إلى ضمان استدامة واستمرارية الوصول إلى المياه خلال الظروف الطبيعية وظروف الطوارئ القصوى.

خطوات الاستمطار

تبدأ خطوات الاستمطار الصناعي برصد السحب الركامية القابلة للتلقيح في سماء الدولة من خلال أجهزة الرادارات الأرضية والخرائط العديدة وأجهزة جمع المعلومات التي تقوم بتحديد خواصها ومحتواها المائي، ومن ثم يتم إطلاق طائرة أو أكثر مجهزة بالمواد الأساسية المحفزة لاستمطار السحب، وهي عبارة عن مركبات صديقة للبيئة وتوضع بأجهزة شبيهة بمطلقات الألعاب النارية، ثم تقوم الطائرات باختراق السحب وإطلاق قذائفها من تلك المركبات نحو السحب الركامية الحاملة لكميات كبيرة من البخار، وأحياناً إذا كانت السحب الركامية ذات تيارات صاعدة فإنها تطلق قذائفها تحت السحابة وتقوم الرياح بحمل تلك المواد ونشرها في جميع أجزاء السحابة، ثم تقوم الرياح بنثر تلك المركبات الملحية على معظم أجزاء السحابة وتقوم مقام ذرات التراب، حيث تتكاثف بلورات ثلجية، ومع انخفاض درجات الحرارة تبدأ الأمطار في الهطول.

Email