تعود مأساة حوادث الدهس من قبل الحافلات المدرسية وغيرها، إلى الواجهة مجدداً بعد الحادثة المؤسفة التي راحت ضحيتها طالبة في الثانية عشرة من عمرها تحت عجلات الحافلة التي أقلتها إلى منزلها، فأين يكمن الخلل؟ وعلى من تقع المسؤولية في هذه الحوادث؟

وما هو رأي القانون، والإدارات المدرسية والتربويين وأولياء الأمور والجهات القانونية والحقوقية؟ فهي صرخة من أجل أبنائنا الطلبة، الذين هم فلذات أكبادنا، ولتعزيز التوعية كصمام أمان لحمايتهم.

«البيان» طرقت هذه القضية المتشعبة في أعقاب الحادث الذي تعرضت له طالبة من مدرسة أم عمار التأسيسية في منطقة الحميدية بعجمان، وهذه القضية أكدت ضرورة المراجعة المستمرة لشروط ووسائل الأمان المعتمدة للحفاظ على سلامة الطلاب، وأبرزها تلك المتعلقة بمشرفي ومشرفات الحافلات المدرسية وأهمية وجودهم برفقة الطلاب في الحافلات والتأكد من وصول الطالب إلى منطقة آمنة.

وكانت مؤسسة الإمارات للتعليم المدرسي أعلنت عن أسفها لوقوع الحادث الأليم الذي أودى بحياة الطالبة شيخة حسن، من مدرسة أم عمار التأسيسية حلقة ثانية في عجمان، مؤكدة أنها تعمل مع الجهات المختصة للنظر في حيثيات الحادث وكافة تفاصيله، كما نعت معالي جميلة المهيري وزيرة دولة لشؤون التعليم العام رئيس مجلس إدارة مؤسسة الإمارات للتعليم المدرسي، الطالبة التي وافتها المنية إثر الحادث الأليم.

دورات ومجسات

وتبرز أهمية إخضاع المشرفين والمشرفات لدورات تدريبية سريعة ومكثفة على كيفية التعامل مع الطلاب في الصعود والهبوط من الحافلة المدرسية وتوصيلهم إلى المنطقة الآمنة، لافتين إلى أهمية وجود مجسات حركية ترصد ما لا تراه عين السائق من حركة مشاة قريبة من الحافلة.

فيما أوضح عدد من أفراد الجمهور أن مسؤولية سلامة الطالب مشتركة، فهي لا تقع على عاتق المدرسة والمؤسسة التعليمية وحدها بل يشترك فيها أولياء الأمور الذين يتوجب عليهم التنسيق مع إدارات المدارس حول موعد وصول الحافلة المدرسية لاستقبالهم وتأمينهم وتحقيق ما يمكن تسميته بالاستلام والتسليم الآمن من المشرفة إلى ولي أمر الطالب.

من جانبه، طالب المقدم سيف عبد الله الفلاسي، مدير إدارة المرور والدوريات في القيادة العامة لشرطة عجمان، بضرورة توفير مشرفات لطلبة الحلقة الثانية للصفوف من (5 إلى 8)، لتعزيز السلامة وحماية أرواحهم من مخاطر حوادث الدهس القاتلة.

وأوضح لـ «البيان»، أن السبب الرئيسي وراء حادثة دهس الطالبة شيخة حسن في منطقة الحميدية البالغة من العمر 12 عاماً من قبل سائق حافلة مدرسية من الجنسية الآسيوية بمنطقة الحميدية بعجمان ظهر أول من أمس هو الإهمال من السائق، متسائلاً عن غياب المشرفات خلال نقل الطلبة لوحدهم من قبل السائق فقط ودون وجود مشرفة تراقب حركة صعود ونزول الطلبة والتأكد من سلامتهم خلال رحلتي الذهاب والإياب.

وأشار إلى أن القيادة العامة لشرطة عجمان تعمل جاهدة في سبيل تعزيز أمن وسلامة الجميع، حيث نفذت من سنوات طويلة برامج تثقيف وتوعية لسائقي الحافلات المدرسية، إضافة إلى برامج توعية بصورة مستمرة في مدارس منطقة عجمان التعليمية.

وأفاد بأنه تقرر تكثيف برنامج المحاضرات الخاصة بالتوعية المرورية للطلبة ولسائقي الحافلات من أجل تحقيق النقل الآمن، لافتاً إلى أهمية اليقظة والانتباه والتزام سائقي الحافلات المدرسية بإجراءات السلامة المرورية.

تفاصيل

وحول تفاصيل الحادث، قال مدير إدارة المرور والدوريات بشرطة عجمان إنه فور تلقي غرفة العمليات للبلاغ في الساعة 3:48 مساء أول من أمس، والذي يفيد بوقوع حادث دهس طالبة من مدرسة أم عمار الحلقة الثانية، توجهت على الفور سيارات الشرطة والإسعاف إلى الموقع وتبين أن الطالبة تعرضت لإصابة بليغة في الرأس وفارقت الحياة متأثرة بإصابتها، كما تبين أن الحافلة من دون مشرفة.

وأشار إلى أن الطالبة بعد انتهاء الدوام المدرسي استقلت حافلة المدرسة وعند توقف الحافلة بجانب منزلها ونزولها من الحافلة تحركت من أمام الحافلة من اليمين إلى اليسار فقام سائق الحافلة بالتحرك من دون انتباه إلى الأمام مما أدى إلى دهسها ووفاتها إثر تعرضها لجروح بليغة في الرأس، وأكد أن سائق الحافلة تم توقيفه لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.

وعبر مدير إدارة المرور والدوريات عن أسفه البالغ لوفاة الطالبة مقدماً تعازي القيادة العامة لشرطة عجمان إلى أسرتها وذويها، داعين المولى عز وجل أن يلهمهم الصبر والسلوان.

مسؤولية

من جهته، أكد المهندس سامي علي الجلاف المدير التنفيذي لمؤسسة المواصلات العامة في هيئة النقل في عجمان، أن من مسؤوليات الهيئة الإشراف على المواصلات المدرسية في المدارس الخاصة، أما حافلات النقل في المدارس الحكومية فهي من مسؤولية مواصلات الإمارات.

وشدد على أهمية التزام المدارس الخاصة بمعايير أمن وسلامة النقل المدرسي منها وجود مشرفات ومشرفين خلال عملية النقل، ووضع كاميرات مراقبة داخل الحافلات المدرسية لجميع المراحل لمراقبة الطلاب بشكل كامل.

وأشار لـ «البيان» أن المؤسسة حددت شروطاً لسائق الحافلة منها الالتزام بأحكام نقل الطلاب، واستخدام الذراع الإلكترونية أثناء توقف الحافلة لتحميل وتنزيل الطلاب، والالتزام بالزي الرسمي ونظافة المظهر العام للسائق، وعدم التدخين أو الأكل والشرب أثناء القيادة.

رقابة

بدوره، دعا المستشار فيصل محمد الشمري رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات لحماية الطفل، الجهات التعليمية المعنية حكومية أو خاصة إلى إحكام الرقابة الدائمة لضمان الالتزام وتضمين شروط واضحة ومشددة في عقود النقل المدرسي ومراقبتها ومنها توفير مشرفي الحافلات لجميع المراحل ليس فقط لحماية الطلبة أثناء النزول وركوب الحافلات بل وأيضاً لضبط السلوك ومراقبة الالتزام والحماية من التنمر والإساءة والاعتداء والسلوك القويم وحماية الممتلكات من التخريب.

وأكد أهمية توعية الطلبة بالتعاون مع الجهات المرورية على السلوكيات اللازمة لحمايتهم، معتبراً إلقاء اللوم على السائق غير صحيح وغير كاف، مطالباً في هذا السياق بالالتفات لخلل في توعية الطلبة على إجراءات الانتقال الآمن، وكذلك عدم توفر مشرفة حافلة أو مجسات حركية ترصد ما لا تراه عين السائق من حركة مشاة قريبة من الحافلة.

وتطرق المستشار الشمري إلى قانون 3 لسنة 2016 بشأن قانون حقوق الطفل «وديمة» المادة 56، والتي تتضمن أن تقوم السلطات المختصة والجهات المعنية بالتنسيق مع الوزارة لتحديد المعايير والمواصفات الهندسية الخاصة وقوانين البناء واشتراطات السلامة والأمان التي تحمي الطفل من أي نوع من أنواع الأذى.

استطلاعات

من جانبها، دعت المستشارة التربوية الدكتورة بدرية الظنحاني والمتخصصة في الصحة النفسية للأطفال والمراهقين، إلى تنفيذ سلسلة من الاستطلاعات لغايات تحديد مواطن الخلل أو التقصير، ليسهل وضع العلاج الناجح والجذري لها، وذلك بإشراك الجهات المعنية، وطالبت بمتخصصين في الشأن المروري من أجل توفير وسائل السلامة والأمان في الحافلات المدرسية، إلى جانب وجود مشرفات في الحافلات للطالبات في الصفوف الخامس إلى التاسع معتبرة المسألة «ضرورية».

وقالت المحامية نادية عبد الرزاق: إن حادثة وفاة شيخة حسن نتيجة دهسها من قبل سائق الحافلة المدرسية أمر يترتب عليه قيام المسؤولية الجنائية للسائق نتيجة لخطئه الذي ترتب عليه وفاة الطالبة بسبب عدم انتباهه وعدم احتياطه.

وأوضحت أن قانون العقوبات الاتحادي رقم 31 لسنة 2021 في المادة رقم 383 منه نص على المعاقبة بالحبس والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين من تسبب بخطئه في موت شخص، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة والغرامة إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته، مع عدم الإخلال بالحق في الدية.

وطالب ولي الأمر أحمد محمد الياسي بتوفير مشرفات ومشرفين في الحافلات المدرسية لتجنب حوادث الدهس التي تقع أحياناً ويذهب ضحيتها طلبة في عمر الورود، مؤكداً أن الحفاظ على أرواح فلذات الأكباد مسؤولية تشاركية ولا تقع على عاتق جهة دون أخرى.

وتقدم محمود إبراهيم البلوشي بالتعزية والمواساة إلى ذوي الطالبة التي توفيت، مؤكداً: من الضرورة بمكان تواجد المشرفة في الحافلة لأن مهمتها هو ضمان إيصال الطالب سالماً ولا تتحرك الحافلة من مكانها قبل ذلك.

درجة الأمان

ورأى حسين عيسى الدرمكي أن درجة الأمان الأعلى تكون بوجود مشرفة في ظل وجود عدد كبير من الطلبة، والسائق بمفرده لا يستطيع السيطرة إلى جانب صغر جسم الطفل، وقال:

وجود المشرفة أساسي والمجسات التي تظهر الأجسام المتحركة في محيط الحافلة، وأضاف نأمل أن يصدر قرار يشمل الفئات العمرية الصغيرة من الصف الخامس وحتى التاسع أسوة بزملائهم من رياض الأطفال وحتى الصف الرابع.