لا يؤمنون بهامش الخطأ ويفخرون بإنجازاتهم المحلية والدولية

غواصو الإنقاذ في شرطة دبي...لحظات حاسمة تفصلنا عن الموت

ت + ت - الحجم الطبيعي

بضع ثوان كفيلة لتصنع فرقاً وتنقذ أرواحا وتلم شمل الأحباء، لذلك فهم لا يؤمنون بهامش الخطأ، ويعملون وفق إجراءات سلامة وقائية صارمة، والتزام دقيق بالتعليمات والقواعد، يهرعون لتلبية نداء الواجب الإنساني والوطني، رغم إدراكهم بأن حياتهم على المحك مع كل مهمة إنقاذ وبلاغ نجدة، لكن عشقهم للبحر وأعماقه دفعهم لامتهان وظيفة يعدها الكثيرون خطرا ومصدر إرهاق جسدي ونفسي وذهني. غواصو الإنقاذ البحري في القيادة العامة لشرطة دبي، أو كما يطلق عليهم البعض "الضفادع البشرية"، رجال أخذوا على عاتقهم مهمة تنفيذ عمليات الإنقاذ البحري والتعامل مع الحوادث البحرية بكل شجاعة وإقدام، مخلفين وراءهم المئات من القصص الإنسانية التي مازال أصحابها يسردونها ويمجدون أبطالها.

أكد العقيد الدكتور حسن سهيل السويدي، مدير مركز شرطة الموانئ، أن قسم الإنقاذ البحري واحد من أقسام عدة في المركز تتكاتف جهودها وتتكامل مهماتها بالتنسيق والعمل المشترك، بما يضمن تحقيق أهداف المركز في الحفاظ على الأمن البحري العام لإمارة دبي، ومراقبة وضبط حركة الملاحة الساحلية، وبالتالي تحقيق التوجهات الاستراتيجية لشرطة دبي في توفير بيئة آمنة مرنة وإسعاد المجتمع، مع ضمان الاستجابة للأزمات والكوارث.

وأضاف العقيد السويدي، أن القسم يضم 70 غواصاً و35 سائق زورق و18 معاون منقذ، بالإضافة إلى خبير إنقاذ بحري وسائق مركبات ثقيلة. ونحرص على تحفيز الأفراد وفق آلية عمل محددة، ونلحقهم في دورات تدريبية متخصصة على أيدي مدربين مهرة، ونواكب أحدث المستجدات التقنية المستخدمة في المهنة، وتنفيذ اختبارات دورية، ما يضمن استمرارية تقديم أداء ممتاز لرجال الإنقاذ البحري والمحافظة على قدرة جسدية وذهنية عالية تمكنهم من أداء مهامهم بكفاءة.

 

قوانين مُلزمة
من جانبه، قال المقدم علي عبد الله النقبي، رئيس قسم الإنقاذ البحري في المركز، والذي أكمل 30 عاما بنفس التخصص منذ الالتحاق بمسمى غواص منقذ، أن مهنة الإنقاذ البحري، وإلى جانب اتسامها بالمخاطر والأحداث المفاجئة، فإنها تستلزم دقة في اتباع التعليمات ودقة بتنفيذ المهمات "هنالك قوانين يستوجب على رجل الإنقاذ اتباعها، منها عدم الغوص إلا بوجود زميل آخر، ففريق الدورية البحرية يجب أن يتألف، مع كل مهمة انتقال، من سائق زورق ومعاونه وغواصي إنقاذ بحري."

وأضاف المقدم النقبي "يلعب القسم دورا محوريا في إنقاذ الأرواح والممتلكات، باستجابة غواصيه لنداءات الاستغاثة البحرية في حالات الغرق وجنوح السفن والزوارق، والحرص على سلامة مرتادي الشواطئ في الإمارة، والبحث عن المفقودين إلى جانب مشاركتهم في تأمين وتنظيم الفعاليات والسباقات البحرية المحلية والدولية، والاستجابة لنداء الاستغاثة خلال الأربع والعشرون ساعة في الإمارة أو خارجها، لذلك فهم بلا شك مصدر فخر بما يحققونه من إنجازات كفريق ميداني تخصصي مذ تأسس القسم قبل أكثر من أربعين عاما، حريصين على نقل المعرفة بين المؤسسين وذوي الخبرة إلى الشباب."

وبيّن أن قسم الإنقاذ البحري لبى نداء النجدة وتعاون مع قيادات شرطية على مستوى الدولة، كما نفذ مهمات خارجها أيضا " شارك غواصو شرطة دبي في عمليات الإنقاذ ضمن فريق الإمارات للإنقاذ، في كل من منطقة "بلاكوت" الباكستانية التي ضربها الزلزال عام 2005، منقذا أربعة أشخاص، وكنا متفردين حينها من بين الفرق الدولية المشاركة. كما شاركنا خلال كارثة تسونامي التي ضربت أندونيسيا، إلى جانب مشاركتنا في كارثة زلزال بم الذي وقع في إيران، إضافة إلى التعامل مع كوارث السيول والوديان الجارفة."

جاهزية تامة
قال الرقيب أول حميد المطروشي الذي يعمل منذ أكثر من 10 سنوات في الإنقاذ البحري، إن قدرة رجل الإنقاذ على الاستمرار رهان لياقته البدنية والتزامه بقواعد الصحة الجسمانية والذهنية، خاصة وأن مهنتنا تعني المجازفة مع كل مهمة إنقاذ، وتزداد خطورتها إذا ما اقترنت بظروف جوية سيئة، وهو ما يتطلب المواظبة على التمارين والتدريبات القاسية على أيدي متخصصين في المجال واتباع اشتراطات السلامة الشخصية.

وأشار إلى أن رجل الإنقاذ يستأنف عمله يوميا بالتأكد من جاهزية كافة آلياته من زورق أو مركبة أو دراجة مائية ودراجة هوائية وتجهيز معداته، كأسطوانة الهواء، وجهاز منظم الطفو ومنظم الهواء وحقيبة الإسعافات الأولية، والزعانف وسكين الغطس والبكرة مع الأوزان، وطوق النجاة والسترة الخضراء وحبل الاتصال تحت الماء وبالونات الانتشال وغيرها من المعدات الضرورية لتأدية مهام الإنقاذ.

سرعة بديهة
ويروي الرقيب أول المطروشي حادثة وقعت عند شاطئ برج العرب كاد يفقد مجموعة من الأشخاص حياتهم فيها "ارتاد خمسة أشخاص البحر، ولتقلب الأحوال الجوية فجأة وشدة التيارات البحرية جرفتهم الأمواج، وبدؤوا يتشبثون ببعضهم في محاولة للنجاة، فهرعت وزميلي لإنقاذهم مستعينين بلوح السباحة لإنقاذهم في وقت واحد".

وأعرب عن شعوره بالفخر والسعادة لمساهمته في إنقاذ حياة الآخرين "تقع حوادث غرق خارج إمارة دبي، ويصدف وجودي على الشاطئ مع الأصدقاء، فأهب للمساعدة وإنقاذ حياة الغريق، وتنتابني السعادة لرؤية مشاعر الفرح والاطمئنان في عيون الأسر، ومنهم من يبقى على تواصل معي بين الحين والآخر لشعورهم بالامتنان."

مخاطر المهنة
تجاوزت خبرة العريف أول زياد محمد محسن اليافعي الـ 16 عاما في مهام الإنقاذ البحري، عشقه للبحر وحبه لمساعدة الناس دفعاه للعمل في مهنة خطرة، مواظبا على التدريبات والدورات التأهيلية قرابة العامين. " يهب رجل الإنقاذ البحري لتأدية مهامه وإنقاذ حياة الآخرين من غير تردد، وفي مختلف الظروف الجوية، في الظلمة الحالكة، والتيارات القوية، والرياح الشديدة، والأمواج العاتية، ورغم اتباعنا لكافة إجراءات السلامة العالمية، لكنها تبقى مهنة في غاية الخطورة نسعد بممارستها لإنسانية العمل، والأهمية النابعة من الحفاظ على الأرواح."


وأوضح العريف أول زياد أن المهام التدريبية لرجل الإنقاذ البحري، تتطلب منه التدريب المستمر والانخراط في دورات شاملة، مثل السباحة والغوص المتقدم والقفز من الطائرة ومداهمة السفن والغوص في التيارات البحرية والغوص الليلي والنهاري.

جنوح مركب حديدي
وروى العريف اليافعي حادثة جنوح مركب حديدي ضخم، واصطدامه بصخور كاسر الأمواج مقابل الواجهة البحرية في جزيرة ديرة، وذلك بسبب ارتفاع الموج الناجم عن شدة الرياح، إضافة إلى تعطل محرك المركب، وعدم قدرة طاقمه من السيطرة عليه، لكننا نجحنا في إخلاء المركب وإنقاذ البحارة بنجاح مستعينين بفكرة استخدام حبال الإنقاذ ومدها كجسر متصل بين المركب والكاسر البحري بسبب صعوبة وصول زوارق الشرطة إلى الموقع، ونجحنا في إنقاذ البحارة فرادى وبزمن قياسي، ومن ثم عدنا لإنقاذ بضاعتهم من التلف قبل غرق المركب.

أبحر بأمان
من جانبه، أكد عريف أول محمد علي المنصوري الذي يعمل منذ أكثر من 16 عاما في الإنقاذ البحري، ضرورة التأكد من الظروف الجوية قبل الإبحار، والتسجيل في خدمة "أبحر بأمان" ضمن التطبيقات الالكترونية لشرطة دبي، ضمانا لمعرفة جهات الإنقاذ لكافة المعلومات حال وقوع حالة طارئة، وتحقيق سرعة الاستجابة إلى موقع الاستغاثة البحري، ومعرفة نوع الحادث.

وأوضح عريف أول المنصوري، أن بعض الحوادث تقع بسبب مجازفة بعض الأفراد بالسباحة لمسافات أعمق وهم لا يتقنون السباحة، داعيا إلى الالتزام بإرشادات السلامة على الشواطئ وفي البحر، سواء للمرتادين أو للبحارة، إلى جانب ضرورة مراقبة الأهل جيدا لأبنائهم أثناء السباحة في البحر أو في أحواض السباحة أيضا، مشيرا إلى إحدى مهمات الإنقاذ التي شارك فيها، وقعت أثناء انشغال الأهل عن طفلهم البالغ من العمر 7 سنوات، حيث تمكن من إزالة غطاء أنبوب تصريف المياه في قاع حوض سباحة بأحد الأبراج السكنية ، فحشرت ذراعه في الأنبوب، واستغرق الأمر وقتا طويلا لنتمكن من استخراجها وادخال الفرحة لوالديه.

بعد إنساني
وأكد الرقيب رضوان محمد عبده، الذي يعمل في مجال الإنقاذ البحري منذ أكثر من 21 عاما، على حديث زميله في ضرورة مراعاة إجراءات السلامة حفاظاً على سلامتهم وسلامة عائلاتهم، خاصة الأطفال الذين يحتاجون إلى مراقبة دائمة " شهدنا على مدار سنوات طويلة من عملنا على حوادث غرق نتيجة التهور أو الإهمال أو الاستهانة بالتيارات البحرية، لذلك لابد من الالتزام بأماكن السباحة المسموح بها والابتعاد عن الصخور والتوغل في العمق."

وأضاف الرقيب رضوان " طبيعة عمل المنقذ البحري قائمة على المخاطر، وتحمل في ذات الوقت بعدا إنسانيا كبيرا، ليس لطبيعة العمل وحسب، وإنما بسبب أيضا ما نعايشه من مشاعر فرح أو حزن مع الأسر حين تقع الحوادث."

أدلة تحت الماء
الرقيب يحيى عبد الكريم، إلى جانب عمله في الإنقاذ البحري، فقد تدرب للعمل مع زملائه ضمن فريق مسرح الجريمة تحت الماء التابع للإدارة العامة للأدلة الجنائية وعلم الجريمة، للمساعدة في حرز الأدلة واستخراجها مع الحفاظ على وضعها وتوثيقها وفقاً للمعايير الدولية المعتمدة. " ليس من السهل على الخبراء حرز الأدلة الجنائية لمسرح الجريمة تحت الماء، تبعا لتأثير العوامل الجوية والبحرية المختلفة على تلك الأدلة، ومساهمتها في تغيير خواصها، لذلك فإن هذا العمل تحديداً يتطلب مهارات ومعارف للتعامل معه."

وأضاف "نظراً لخبرتنا الطويلة في الغوص والتعامل مع الظروف المختلفة تحت الماء، فقد تم تأهيلنا من قبل الإدارة العامة للأدلة الجنائية وعلم الجريمة للمساهمة أيضا مع زملائنا إذا ما استدعت الحاجة لجمع الأدلة وحرزها تحت الماء، وهو ما أضاف خبرة نوعية لعملنا في مجال مختلف تماماً."

الملازم طارق المنصوري، تأهل أسوة بزميله للعمل في مسرح الجريمة تحت الماء إلى جانب عمله الأساسي كمنقذ بحري، مؤكدا أن كلا التخصصين يستلزمان الدقة "طبيعة المهنة الخطيرة تستوجب أخذ كافة التفاصيل بعين الاعتبار ومراعاتها بدقة، وإضافة إلى عملي في الإنقاذ البحري، فقد تأهلت مع زملاء آخرين لاستخراج الأدلة وحرزها وفقا للأساليب الدولية المعتمدة في مسارح الجريمة تحت الماء."

وأضاف "في مجال الإنقاذ البحري، نشهد على حوادث تقع في ظروف خطرة ومفاجأة، منها محاصرة الأمواج العاتية لسفينة خشبية تضم 6 أشخاص جنحت إلى منطقة ضحلة، وتكسر قاربهم بالقرب من نخلة ديرة، وبسبب الرياح القوية والظلمة الشديدة وسوء الأحوال الجوية، استغرقنا قرابة الساعة للوصول إليهم رغم قصر المسافة الذي لا يتعدى في الوضع الطبيعي 10 دقائق، وتمكنا من إنقاذهم ونقلهم جميعا إلى بر الأمان مع مطلع الفجر."

 

واجب وطني


31عاما منذ تسلم وكيل دحان مسعد أحمد عمله في الإنقاذ البحري، والذي يعده عملا إنسانيا في المقام الأول وواجبا وطنيا يحافظ من خلاله على الأرواح " نتذكر أبناءنا وأحباءنا خاصة مع عمليات الإنقاذ الخطرة والتي تعد نسب النجاة فيها قليلة، لكنها تبقى برأيي من أكثر المهن إنسانية وخطورة بما تتطلبه من دقة ومهارة في التنفيذ، والتحلي بالصبر إزاء مشاق المهنة ومتاعبها."

وأكد الوكيل دحان أنه لو خُير ثانية لاختيار مهنة، فلن يتردد بالانضمام إلى رجال الإنقاذ البحري، لإيمانه بنبل المهنة وشعوره بالسعادة بعد كل عملية إنقاذ يشارك فيها.

 

وانضم العريف أول أبو بكر علي منصر، مدرب لياقة بدنية ومنقذ بحري، إلى القسم منذ أكثر من 20 عاماً، وتخصص لاحقاً في التدريب، ليعمل مدرب سباحة وفن إنقاذ.  

وأكد العريف أول منصر أن اللياقة البدنية أهم ما يجب أن يتحلى به المنقذ، نظراً لتأثيرها الكبير على صحته البدنية والذهنية والنفسية والمواظبة على التدريب تُكسب المُنقذ قوة تحمل وهو ما يستوجب من المنقذ الالتحاق بكافة الدورات والاطلاع الدائم على المستجدات ».

 


أبو الغواصين

 42 عاماً، والوكيل ناجي محسن، رجل الإنقاذ البحري، يواظب على نظام صارم للحفاظ على صحته ولياقته البدنية، سواء في أيام العمل أو العطل الرسمية دون كلل أو ملل «وضعت لنفسي برنامجاً صارماً منذ التحاقي للعمل في الإنقاذ البحري، لم أنقطع عنه يوماً، يتمثل في التريض لمسافة 6 كيلومترات يومياً، والسباحة لمسافة الـ 500 والـ 1000 متر متواصل، وبقيت ملتزماً حتى اليوم، مع الحفاظ على نظام غذائي صحي».

 

بطولات الوالد

للوكيل أول خالد سبيل الماس حكاية أخرى دفعته للانضمام إلى رجال الإنقاذ البحري، فهو ابن الملازم سبيل الماس سالمين من «الرعيل» الأول، المؤسسين لقسم الإنقاذ البحري، مبصراً النور على بطولات والده وزملائه في إنقاذهم للأرواح ومشاركتهم في عمليات انتشال الزوارق والحطام والبحث وغيرها. 

لقد شعرت وإخوتي بالفخر والاعتزاز بمهنة والدنا،وانضممت للأنشطة الصيفية واخترت الغوص، لأني رأيت في والدي وزملائه أبطالاً وقدوة  فهم يُخاطرون بحياتهم  من اجل الآخرين ، لكننا كأطفال لم ندرك جدية وخطورة تنفيذ مهام تحت الماء، وفي ظروف خطرة تتطلب من صاحبها السرعة في اتخاذ القرار السليم في المواقف الحرجة الا عندما مارسنا المهنة».

Email