تعديلات قانون مكافحة المواد المخدرة اتجاه للإصلاح.. والتأهيل بديل للعقوبة

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

جاءت التعديلات الجديدة في قانون مكافحة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، الذي يبدأ العمل به في الثاني من يناير المقبل، ليوازن بين العقوبة الرادعة، وتأهيل المتعاطي، وهو ما وصفه قانونيون بالتطور التشريعي في مفهوم العقوبة، والتي غدت بمجملها إصلاحية، وبموجب هذه التعديلات تم إلغاء الإبعاد الوجوبي بحق الأجنبي في حالة إدانته بإحدى جرائم التعاطي أو الاستعمال الشخصي، واستبدال العقوبة بإيداع المحكوم عليه في وحدات علاج وتأهيل المدمنين، بقصد إعطاء «المريض» الفرصة لتقويم السلوك، وتلقي العلاج والتأهيل عوضاً عن الحبس فقط.

وقال قانونيون: «إن المشرع وفقاً للتعديلات الجديدة وازن بين العقوبة الرادعة وتأهيل المتعاطي نظراً لاتجاه المشرع نحو ترسيخ سلوكيات سوية لدى المحكوم، في إطار المقاصد الكبرى الهادفة إلى تقويم سلوك المتعاطين».

تعديل النظرة

يرى المحامي محمد العوامي المنصوري «أن المستجدات التشريعية في قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية تضمنت تعديل النظرة التي أرساها المشرع الى المتعاطي، بالتحول إلى وصفه بـ «المريض» بدلاً من المتهم، مما يعزز من فرص علاج المتعاطي، ونصت المادة 45 من القانون بمرسوم 30 لسنة 2021 في شأن مكافحة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية على أنه يجوز للمحكمة استبدال العقوبة، التي تنص عليها مواد القانون 41، و42، و43، و44، بإيداع المحكوم عليه في إحدى وحدات علاج وتأهيل المدمنين وفقاً للبنود المنصوص عليها في المادة 5 من هذا القانون بعد أخذ رأي النيابة».

مجلس المكافحة

ويتابع المنصوري القول: «إن القانون يحمل قدراً عالياً من سمات الطبيعة الإنسانية، انتهج المشرع الإماراتي نهج التفاعل الإنساني مع الجاني، عبر إقرار العقوبات البديلة، إلى جانب عمله بموجب المادة الثالثة على إنشاء مجلس مكافحة المخدرات المختص بوضع استراتيجية شاملة لمكافحتها، بمشاركة الوزارات والهيئات الاتحادية والمحلية، بما يسهم في تكاتف الجميع لحماية الدولة والمجتمع من الآثار المدمرة للمخدرات».

سمعة المريض

وأضاف: «إن المشرع حافظ على كرامة وسمعة المتهم «المريض»، من خلال اعتماد المادة 6 من القانون بمضمونها، الذي يعتبر جميع البيانات والمعلومات الخاصة بشؤون المدمنين والمتعاطين المودعين في الوحدة العلاجية من الأسرار، التي يحظر في غير الأحوال، التي ينص عليها القانون إفشائها أو إذاعتها، ويعاقب مخالف هذه المادة بالعقوبات المقررة لهذه الجريمة في المادة 379 من قانون العقوبات الاتحادي، التي تنص على المعاقبة بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة مالية، والتي لا تقل عن عشرين ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، كما تصل العقوبة إلى السجن مدة لا تزيد على خمس سنوات إذا كان الجاني موظفاً عاماً أو مكلفاً بخدمة عامة، واستودع السر أثناء أو بسبب أو بمناسبة تأدية وظيفته، وذلك حرصاً من المشرع على سمعة الأسر».

تأهيل

وأوضح المنصوري: «إن المشرع عمد إلى إعادة وتأهيل المتهم ومساعدته في العودة إلى الحياة الطبيعة، من خلال إنشاء مراكز مختصة لتنفيذ عقوبة الحبس في جرائم التعاطي والاستعمال الشخصي للمواد المخدرة، ويخضع المحكوم لبرامج علاج وتأهيل نفسي وتدريب رياضي ومهني، إضافة إلى برامج الدمج الأسري والوظيفي والاجتماعي حسب نص المادة 8، في خطوة تعكس مساهمة المشرع في مساعدة الجانحين قولاً وفعلاً لتعديل سلوكهم الاجتماعي والأخلاقي، ويفتح لهم الباب لإعادة الإدماج بالمجتمع».

واستكمل المنصوري القول: «إن الأثر الإيجابي لهذه المادة يكمن في مساهمتها في تقليل نسبة العودة إلى الجريمة بعد التعافي، كما حصر المشرع مستنداً إلى نص المادة 18 الجهات التي يحق لها استيراد أو تصدير أو نقل المواد بخمس جهات، منها الجهات الحكومية والمستشفيات والمستوصفات ومخازن الأدوية والصيدليات ومصانع التجميل شريطة وجود صيدلي مسؤول ومرخص له بمزاولة المهنة ومعامل التحاليل الكيماوية ومكاتب وسطاء المصانع، ويجب الحصول على إذن مسبق، يتم إلغاؤه في حالة عدم استخدامه خلال ستين يوماً من تاريخ إصداره».

النسيج المجتمعي

وترى المستشارة القانونية زينب الحمادي «أن التعديلات القانونية تهدف إلى الحفاظ على النسيج المجتمعي وزيادة صلابته، من خلال تعزيز سياسة الإصلاح مقابل سياسة العقاب، موضحة أن تحديث القانون المتعلق بالمخدرات والمؤثرات العقلية يأتي في وقته المناسب، حيث يحقق أكثر أهدافه في حماية الأفراد والحفاظ على مجتمع متعافٍ وسليم».

وذكرت «أن المشرع أفرد فصلاً كاملاً للعقوبات والتدابير والإجراءات التحفظية، مقسماً العقوبة إلى عقوبات أصلية، وأخرى تبعية وتكميلية، حيث يتضمن مصادرة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، والحكم بإغلاق كل محل أُعد لتعاطي المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، كما منع من حكم عليه لأكثر من مرة في جريمة التعاطي من قيادة المركبات الآلية وفقاً لنص المادة 72، كما وضع من حكم عليه بالسجن المؤبد أو المؤقت في إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا المرسوم تحت مراقبة الشرطة بعد انقضاء العقوبة، لمدة مساوية لمدة العقوبة على ألا تزيد على خمس سنوات».

وتطرقت الحمادي إلى إلغاء شق إبعاد الأجنبي، الذي حكم عليه بالإدانة في إحدى الجرائم المنصوص عليها، ويكون الحكم بإبعاد الأجنبي في حالة إدانته في واحدة من جرائم التعاطي أو الاستعمال الشخصي، كما عدل المشرع على قانون معيار الاختصاص المكاني.

مردود إيجابي

بدوره، يؤكد المستشار القانوني معتز أحمد فانوس «أن قانون مكافحة المواد المخدرة أخذ مسار التقليل من العقوبات المقررة على متعاطي المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية، مشيراً إلى وجود نوعين من المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية، تم إيراد كل فئة في جداول عدة، وجعل المشرع لكل فئة عقوبة محددة، نزل بها بعد التعديل».

واعتبر فانوس «أن التخفيف الذي أتى به المشرّع من خلال التعديل الأخير يؤكد النهج الحكيم في التعامل مع المتعاطين، كونهم مرضى يحتاجون إلى مساعدة وليسوا خارجين عن القانون، موضحاً أن المشرع أعفى من العقوبة المقررة بالمواد 53 و57 و58 كل من بادر من الجناة إلى إبلاغ السلطات القضائية أو الإدارية بما يعلمه قبل البدء بتنفيذ الجريمة».

وقال: «إن التعديلات الأخيرة على قانون المخدرات لها الأثر الجيد في نفوس أفراد المجتمع، والمردود الإيجابي لدى الأسر التي ابتليت في أحد أفرادها ممن يتعاطون المواد المخدرة، إذ جاءت تلك التعديلات مؤكدة الترابط الأسري، ومدى تأثره بجرم أحد عناصره».

ونوه فانوس بعدم اعتبار التعاطي لأول مرة سابقة جنائية، مطالباً بضرورة تضافر جهود الأسرة والمدرسة في التوعية والتوجيه والتحذير من ظاهرة التعاطي والترويج، وأن يلعب أولياء الأمور دورهم الحقيقي في ذلك، من خلال متابعة الأبناء والتواصل معهم كي لا يحيدوا عن جادة الصواب.

الإصلاح أولاً

بدورها بينت المحامية نادية عبد الرزاق «أن التعديلات الجديدة على القانون تؤكد مقاصد المشرع الرامية إلى الإصلاح بالدرجة الأولى، باعتبار مكافحة المخدرات تدخل في إصلاح المجتمع، وهي سياسة عقابية لجأ إليها المشرع لإعطاء فرصة للمتعاطين بالعلاج بهدف تقويم السلوك ومنع الفرد من الانحراف وارتكاب الفعل المجرم مرة أخرى».

وشهد القانون الإماراتي عدداً من التعديلات التي تؤكد مرونته ومواكبته للتطورات المتسارعة، وتم استحداث المادة رقم 7 التي نصت على أن إنشاء مراكز متخصصة لتنفيذ عقوبة الحبس في جرائم التعاطي والاستعمال الشخصي للمواد المخدرة والمؤثرات العقلية، حيث يخضع المحكوم لبرامج العلاج والتأهيل.

كما تم إضافة بعض الأنواع المستحدثة من المواد المخدرة والمؤثرات العقلية بالجداول الملحقة بالقانون، وتقييد بعض جداول المؤثرات العقلية والمواد المخدرة، وعدم جواز التعديل فيها سواء بالحذف أو بالإضافة أو تغيير النسب إلا بموجب قانون أو مرسوم وفقاً لنص المادة رقم 4.

تدرج العقوبة

وتدرج القانون في العقوبة لمتعاطي المادة المخدرة، فيما أضافت المادة رقم (8) صلاحية قيام رؤساء الدوائر القضائية المحلية كلُ في حدود اختصاصه، بمنح صفة مأموري الضبط القضائي لموظفي بعض الجهات المحلية المعنية، وفقاً للتشريعات السارية بالإمارة، وأكدت المادة رقم (12) عدم جواز تعاطي المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية بأية صورة كانت أو استعمالها إلا للعلاج، وبموجب وصفة طبية من الطبيب المعالج، ويسري الحظر على أية مادة أو نبات من غير المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية المنصوص عليها.

جواز الإبعاد

بعدما كان القانون السابق يوجب على المحكمة الحكم بالإبعاد على الأجنبي في قضايا المخدرات، جاء التعديل ليعطي المحكمة جوازية الإبعاد في جرائم الاستعمال الشخصي أو الحيازة أو الإحراز بقصد التعاطي.

‏وتناول التعديل موضوع الاختصاص المكاني، حيث إن المرسوم بقانون محل الحديث قد حدد معياراً جديداً لانعقاد الاختصاص، وهو محل القبض على المتهم فقد قرر في المادة (86) منه، أنه ينعقد الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها محل القبض على المتهم، وذلك في قضايا التعاطي والاستعمال الشخصي، فلو أن جريمة «التعاطي الشخصي» حدثت في دبي، وألقي القبض على المتهم في مدينة العين، فإن محاكم الأخيرة هي المختصة بنظرها دون سواها.‏

يعاقب متعاطي المخدرات المدرجة بالجداول المحددة بالمادة 41 بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر أو الغرامة التي لا تقل عن 20 ألفاً ولا تزيد على 100 ألف درهم في المرة الأولى.

‏أما في المرة الثانية - خلال 3 سنوات من المرة الأولى- فتكون العقوبة هي الحبس الذي لا يقل عن 6 أشهر أو الغرامة التي لا تقل عن 30 ألفاً ولا تزيد على 100 ألف درهم.

وفي المرة الثالثة وما فوق، تكون العقوبة هي الحبس الذي لا يقل عن سنتين والغرامة التي لا تقل عن 100 ألف درهم.

المشرع يخير المحكمة بين عقوبتي الحبس والغرامة في المرة الأولى والثانية لجريمة التعاطي، إلا أنه في المرة الثالثة وما زاد عنها، جعل الحبس والغرامة معاً، وجوبية بحق المتهم.

 

Email