قراءة في قصيدة «السيرة والمسيرة» لمحمّد بن راشد آل مكتوم

الحروفُ النضيرة

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تحت صورة بديعة رائعة الدلالة والإيحاء تجمع المحمّدين: صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيّان، وليّ عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، أمام صورة الباني الكبير المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وفي واحدة من أروع اللحظات التاريخية في مسيرة الدولة في ليلة عيد ميلادها الخمسين، نشر صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد قصيدة هي أشبه شيءٍ باللؤلؤ المنثور تحدّث فيها عن مجد الإمارات وجلالة مسيرتها التاريخية في ليلة عيدها الخمسين، وعلى قافية النون التي يطرب لها السمع، في تنويع موسيقي مدهش لا يقوى عليه إلا شاعر خبر القريض وتمرّس بأفانينه، لتكون هذه القصيدة الفوّاحة بعطر المجد هي هدية صاحب السموّ المعنوية لشعب الإمارات في هذه المناسبة الغالية السعيدة.

ارفع الرايه إلى أعلى مكان

                وخبّر الدنيا وأهَلْها من نكون

وخلّها تنتشي بسحر البيان

                رايعات الوصف ببحور ووزون

بهذا المطلع المَهيب الجليل الذي يليق بهذه المناسبة العظيمة في تاريخ الوطن، يفتتح صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد هذه القصيدة البديعة التي تلوح عليها ملامح الكمال الفني منذ لحظتها الأولى، حيث أبدع صاحب السموّ في اختيار الوزن والقافية، وتفنّن في اصطفاء هذه الألفاظ العميقة الدلالة على شعوره العارم بالفخر في هذه الليلة الفارقة في تاريخ الوطن، حيث يطالب جميع أبناء الوطن برفع العلم عالياً والصدع بأعلى صوت لإخبار العالم من يكون هذا الشعب الطيب المعطاء الأصيل، هذا العلم الذي أوصانا زايد بالالتفاف حوله وعدم التفريط بمجده وشرفه ودلالته على استقلال الدولة، وجمعه لأبناء الوطن في اتحاد عزّ نظيره في مسيرة الأمم والشعوب، مؤكّداً على أنّ الدنيا كلها سوف تصاب بالنشوة والفخر والزهو حين تسمع هذا البيان الشعري الرائع الذي يتجلى في هذه القوافي البديعة، وهذه البحور الشعرية المتدفقة، والأوزان العذبة اللذيذة التي صنعتها يد شاعر فنان هو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد الذي يشهد له القاصي والداني بالمكانة الشعرية العالية بين أرباب هذا الفن الأدبي البليغ.

وغنّ بأشعارٍ يخلّدها الزمان

                لحنها ما توصل لمثله اللّحون

مطربٍ بدعه ما يجري من لسانْ

                بدع فكرٍ حيّر اللي يبدعون

وحين يكون الوطن غالياً فإنه يستحق الشعر الرفيع الغالي، وهو ما يؤكده صاحب السموّ في هذا المقطع من القصيدة، حيث يفتخر صاحب السموّ بالتميز الأدبي لقصائده في حبّ الوطن، فهو يبدعها من عين القلب ومن حُرّ الفكر ولا يكتبها مجاملة ولا تزجية للفراغ، بل يغترف معانيه من سويداء قلبه، فأشعاره العذبة الجميلة سيخلدها الزمان وينقشها على صخرة الخلود داخل الضمير الوطني لأبناء الوطن، فهي عذبة الألحان متفردة الإيقاع لا يرتقي إلى مستواها نظيرها من الشعر، وما ذاك إلا لأنها تحمل وسمَ شاعر مبدع صادق الحب للوطن والإنسان هو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، فهو شعر يجري من النفس مجرى اللحن من الروح حيث يطرب السامع صاحب الذوق الرفيع، ويعرف قدر هذه الترانيم وعمق دلالتها على حب الوطن، لتكون هذه القصائد المبدعة نموذجاً متفرداً في الإبداع يحتار في تفسير حسنها وجمالها المبدعون من أرباب الصنعة وفرسان القوافي.

تنتشي بشلّاته الغيد الحِسان

                وإتِّمايل من طرب مثل الغصون

وخبّر الدنيا بما كنّا وكان

                من حضاره بكلّ وصف وكلّ لون

والشعر ومنذ قديم الزمان قرين الغناء وقسيم الطرب، فكل شعر لا يطرب عليه الإنسان ولا تتمايل على وقع أنغامه الغيد الحسان فليس بشعر في موازين العرب الصحاح، وفي هذا المقطع يؤكد صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد عمق هذا الإحساس في شعره العذب الجميل الذي تنتشي النساء الجميلات على إيقاعه الساحر الفتّان، وتتثنّى خصورهنّ طربا لجمال إيقاعه وعذوبة ألفاظه وسموّ معانيه مثل غصون البان الرقيقة الناعمة الغضّة، فهناك تقوم قيامة الشعر، ويصبح له الرونق والطعم الذي يتنافس عليه الشعراء، مؤكّداً سموّه مرة أخرى على ضرورة رفع الصوت العالي الوقور ليعرف الناس من تكون الإمارات وما هي حضارتها الضاربة في عمق التاريخ في جميع فنون الحضارة التي عبر عنها صاحب السموّ بقوله: «بكل وصف وكل لون».

عن مفاخر عاليه في كل شان

                وعن صروح وعن بساتين وعيون

وسار ركب زايد حاديه الأمان

                وحط شعبه كلهم وسط العيون

والإمارات بحمد الله معدن من معادن الطيب والكرم منذ قديم الزمان، ورجالها هم فرسان الصحراء وأُسُود الوغى، ما انتخى بهم شقيق أو صديق إلا ووجد لصوته أعمق الصدى في قلوبهم النقية الأصيلة، وأيديهم مبسوطة بالندى وفعل الخير قد نهلوا من مدرسة شيخهم وقيدومهم الشيخ زايد، رحمه الله، أصفى المكارم وأرسخ المناقب، فعمّر الله بلادهم، وأفاض عليهم من بركات الأرض وخيرات السماء، وغدت ربوعهم عامرة بالبساتين والينابيع والقصور وفاخر المساكن وأنيق الدور، فعسى الله أن يديم عليهم النعمة إذ تلقّوها بيد الشكر والامتنان، وهذا هو المأمول في شعب قد كان حادي ركبه الشيخ زايد ذلكم الرجل الذي أسبغ المولى سبحانه عليه نعمة الحكمة وشرف السؤدد وأخلاق الشكر، ووضع شعبه في جفن عينه، وأحلّهم سويداء قلبه، فظلت ذكراه عميقة الحضور في قلوبهم، راسخة الجذور في أعمق نقطة من وجدانهم.

الرقم واحد لنا في كل آن

                في اقتصاد وفي سياسه وفي فنون

وللفضا غازين مرخين العنان

                فوق للمريخ كونٍ فوق كون

وإذا كان كلّ ما سبق من القصيدة مُجملاً يحتاج إلى تفصيل، فقد فصّل صاحب السمو في هذا المقطع ذلك الإجمال البديع، فهذه هي دولة الإمارات، قد أسّست مسيرتها على التنافس القوي الشريف على المراكز المتقدمة جداً بحيث لا ترتضي بغير المركز الأول بديلاً في كل شيء وفي كل وقت، فهي الأولى في الاقتصاد وفي السياسة وفي الفنون، ويقاس على ذلك جميع تجليات الحياة ومناحي الإبداع، ولم تكتفِ بالإبداع على وجه الأرض بل سمتْ بها الهمة العالية إلى السماء فانخرطت بكل بسالة في مشاريع غزو الفضاء، وكانت السبّاقة بين دول العرب إلى الوصول إلى المريخ حيث وصلت إلى أبعد مدار يمكن أن يصل إليه جهد الإنسان في هذا المسار، وأرسلت مسبار الأمل الذي اعتدّه صاحب السموّ فخراً وإنجازاً لجميع العرب والمسلمين.

مرّت الخمسين في خير وأمان

                وأبشروا بخمسين فيهن تفرحون

ثم كانت هذه الخاتمة البديعة لهذه القصيدة الرائعة التي تؤرّخ لهذه اللحظة الفارقة من تاريخ الوطن ومسيرته المظفّرة خلال الخمسين عاماً الماضية التي مرّت مكلّلة بالمجد والإنجاز، محفوفة بالخير الذي هو سرّ سعادة الإنسان، مشمولة بالأمان الذي لا تكتمل الحياة إلا بوجوده وشموله لكل مظاهر الحياة، ولقد أسبغ الله تعالى على هذا الوطن من نعمة الأمان ما جعل منه مثلاً ونموذجاً إنسانيّاً متفرّداً، حيث فازت الإمارات قبل مدة قليلة بالمركز الأول على مستوى العالم من حيث الأمان حيث تستطيع المرأة الإماراتية أن تسير وحدها في الليل دون أن يساورها أدنى شعور بالخوف أو القلق، وما ذلك إلا نعمة من الله وبفضل السياسة الحكيمة التي ينتهجها قادة هذه الدولة الذين يسيرون على خُطى الآباء المؤسسين لهذا الوطن على الكرامة والتقوى، ليؤكّد صاحب السمو مرة أخرى على أن الخمسين عاماً القادمة ستكون استكمالاً لكل مشاعر البهجة والفرح التي كانت عنواناً للخمسين الماضية، في معادلة تشهد تلاحم الماضي مع الحاضر، وإثراء المستقبل بنور التجربة المستنيرة التي عاشتها الدولة في مسيرتها السابقة وسيرتها العاطرة.

Email