حكاية وقف

محمد القاز... عاشق عطاء تجاوز إحسانه المكان والزمان

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما يتعدى فعل الخير الزمان، ويتجاوز بحدوده المكان، فإن فاعله يكون إنساناً استثنائياً بكل تأكيد، محمد عبد الله القاز الفلاسي، بطل حكايتنا، رجل جد واجتهد، أحب الخير، وعشق العطاء، قصته تروي مسيرة إنسان صعد سلم الحياة درجة درجة، وعندما أصبح قادراً متمكناً، فإن أول ما أقدم عليه، هو مساعدة المحتاجين والمساكين، علاج المرضى، ودعم الطلاب، ومساندة من حوله، ودعمهم بكل ماهو متاح.

ولد محمد القاز عام 1930، في منطقة الظغاية في ديرة – دبي، وبدأ تعليمه في مدرسة الأحمدية بمنطقة الراس، توفي والده عبد الله، وهو صبي يافع، لم يكن قد تجاوز الرابعة عشرة من عمره، فاضطر إلى ترك مدرسته، والتفرغ لإعالة والدته، خاصة أنه كان ولداً وحيداً لأبويه.

ثم سافر القاز إلى الدمام طلباً للرزق، وعمل حمالاً في بادئ الأمر، ولما اشتد عوده، عمل في مهنة النجارة لفترة من الزمن، وعندما جمع القاز مبلغاً من المال، بدأ تجارة صغيرة بين دبي والكويت، بين عامي (1944 - 1945)، حيث كان يصدر الليمون من دبي إلى الكويت.

وكما هو حال كل مجتهد وساعٍ، تحسن حال القاز كثيراً، وانتقل من تجارة الليمون إلى تجارة الذهب، في الوقت الذي ازدهرت فيه تجارة الذهب بين الهند ودبي، تطورت أعماله التجارية، وتحسنت ظروفه المادية، وتزوج في عام 1951، وظل القاز حتى ذلك الحين، يرعى والدته ويبرها.

وفي بداية ستينيات القرن الماضي، استهل القاز أولى أعماله الخيرية، بمساعدة المحتاجين، وعلاج المرضى، وبناء المساجد، حيث قام بتوفير سكن للأطباء والعاملين في المستشفي الكويتي القديم في منطقة ديرة، كما تبرع بسيارات لنقل المرضى، وفي بورسعيد ديرة، بنى مسجداً ما زال قائماً حتى يومنا هذا.

وفي تلك الحقبة، التقى القاز بالمغفور له بإذن الله تعالى الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، في أحد المجالس بدبي، وتوطدت الصداقة بينهما، كما تعرف في فترتها إلى المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان، حيث كان يجلب له البدل خلال أسفاره، وأصبحت علاقته قوية بالمغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ولأن القاز كان رجلاً محبوباً، وصديقاً مقرباً من جميع القادة، فقد ساهم في تقريب وجهات النظر بين الجميع، في مفاوضات تأسيس دولة الإمارات.

ولما كان القاز رجلاً وطنياً مثقفاً، أصبح مستشاراً للمغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ راشد بن سعيد، وكان أحد مؤسسي المجلس الوطني لدولة الإمارات، وعقب قيام الاتحاد سنة 1971، تسلم منصب نائب رئيس البنك المركزي في أبوظبي، وبقي في هذا المنصب حتى عام 1990.

ولكن حرص القاز ومساهماته في تأسيس الاتحاد، ولقاءاته الدائمة مع الزعماء، لم تشغله عن التفكير في المحتاجين والمساكين، فكان من أوائل المؤسسين للجمعيات الخيرية في البلاد، ومن ضمنها، جمعية بيت الخير، في أواخر ثمانينيات القرن الماضي.

وفي عام 2004، أسس القاز وقفاً خيرياً، وآخر ذرياً، وكان الوقف الخيري، عبارة عن عقارات أوقفها لعموم الخير، تقع عقارات الوقف في أبوظبي ودبي (منطقة الكرامة – الراس – نايف – الفهيدي)، وهي عبارة عن مبانٍ سكنية وتجارية مسجلة لدى مؤسسة الأوقاف وشؤون القصر بدبي، وتحت إشرافها، ويعود ريع وقف القاز الخيري، لمختلف أوجه الخير والإحسان، بما فيها (مساعدة طلاب العلم، بناء المستشفيات والمساجد داخل وخارج الدولة، علاج المرضى، مساعدة المحتاجين، مساعدة الغارمين والمتعثرين، وأسر نزلاء السجون، مساعدة أصحاب الهمم والأيتام، مساندة الراغبين في الزواج من غير المستطيعين، والمساهمة في بناء منازل لهم).

أما وقف القاز الذري، فهو عبارة عن عقارات في مناطق مختلفة من دبي (نايف، هور العنز، المرقبات، القرهود، الرقة، الراس، السوق الكبير، البراحة، الخبيصي)، يعود ريعه على أبنائه.

توفي القاز سنة 2016، وانتقلت نظارة الوقف الخيري إلى ثلاثة من أبنائه، حرصوا بدورهم على استكمال مسيرة العطاء التي بدأها والدهم، وكانت أولى أعمالهم الخيرية، توسيع مسجد الممزر بدبي، واستمروا بمتابعة خطى والدهم، وحرصوا على أن تظل أبواب وقف والدهم الخيري، مشرعة أمام الطلاب المعسرين والمرضى المحتاجين، والغارمين في السجون، وغير القادرين من الراغبين في الزواج، ثم عملوا على توزيع السلال الغذائية للمحتاجين، وافتتحوا فصلاً في مركز راشد لأصحاب الهمم، وساهموا أيضاً في عدة مشاريع خيرية، عن طريق الهلال الأحمر الإماراتي.

يوسف نجل القاز، وهو أحد نظار وقف القاز الخيري، يقول إن مشروعاتهم الخيرية ليست محصورة داخل الدولة فقط، حيث ساهموا ببناء المدارس والمستشفيات والمساجد في عدة دول، مثل (طاجكستان، قيرغزستان، جيبوتي، تايلاند، الهند، مصر).

وكشف القاز الابن، أنهم يتوجهون خلال الفترة المقبلة، لبناء المزيد من المدارس والمساجد، والمساهمة في تعليم المحتاجين في مختلف دول العالم الإسلامي.

 

Email