50 عاماً من الحضور الفاعل لابنة الإمارات في ميادين العمل

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل نحو خمسين عاماً كان التحدي الأكبر الذي واجهته الإمارات ودول المنطقة يتمحور حول الكيفية التي يتم بها ضمان تمكين المرأة من حقوقها في التعليم والصحة، بينما لم يكن خيار دخول المرأة إلى سوق العمل مطروحاً.

واليوم يبدو المشهد مغايراً تماماً، فحضور المرأة يساوي حضور الرجال، بل تميل الكفة لصالحها في العديد من المؤشرات، وستبقى صور مشاركتها الفاعلة كصانعة ومساهمة لأهم إنجازين حققتهما الإمارات أخيراً حاضرة إلى وقت طويل والمتمثلين في إطلاق مسبار الأمل إلى المريخ، وتدشين المرحلتين الأولى والثانية من أول مفاعل نووي سلمي على المستوى العربي.

وتتطلع الإمارات إلى دخول قائمة العشرة الكبار عالمياً في مؤشر الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين، بعد أن حلت في المرتبة الـ18 عالمياً هذا العام، والأولى عربياً وشرق أوسطياً وفقاً لأحدث تقارير البنك الدولي.

فما الذي تغير خلال نصف قرن؟ وكيف استطاعت الإمارات أن تتخطى دول المنطقة والكثير من دول العالم في تعزيز حضور المرأة، واستحواذها على النسبة الأكبر مقارنة بالرجال في سوق العمل ونسب التوظيف في العديد من القطاعات، وكيف باتت المرأة الإماراتية الأكثر حضوراً على مقاعد التعليم بمختلف مستوياته مقارنة بالرجل، وكيف ذهبت الإماراتية إلى أبعد من ذلك بعد أن ضمنت نصف مقاعد البرلمان «المجلس الوطني الاتحادي»، والتواجد بقوة في تشكيل الحكومة بعضوية 9 نساء يتولين حقائب مختلفة.

لا شك أن ما تحقق للمرأة الإماراتية تقف خلفه العديد من العوامل والإجراءات التي يمكن إيجازها في تعزيز البيئة التشريعية الداعمة للمرأة بدءاً من الدستور إلى سلسلة القوانين الاتحادية والقرارات الوزارية والمحلية التي كفلت تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة، بل إنها في كثير من الأحيان راعت خصوصية المرأة عبر تدابير خاصة لتسريع تمكينها، وتأثير التخطيط بعيد المدى وفقاً للاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة وريادتها التي وفرت إطاراً مرجعياً للمؤسسات الاتحادية والمحلية ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، بالإضافة إلى الآليات الوطنية وجهات الدعم المتمثلة في مؤسسات تمكين المرأة وعلى رأسها الاتحاد النسائي العام الذي كان له الدور الأكبر منذ قيام الدولة في تذليل الصعوبات أمام نهوض وتمكين المرأة، عبر إطلاقها البرامج والمبادرات التي ساهمت في بناء قدرات المرأة في مختلف المجالات.

وعبرت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية «أم الإمارات» على مكانة المرأة في الإمارات قائلة: «ابنة الإمارات لم تعد منشغلة بالمطالبة بحقوقها، بعد أن استطاعت الدولة أن تطبق مفهوم تمكين المرأة وتجعله واقعاً عملياً».


تمكين


وتفصيلاً، تعد الإمارات نموذجاً عالمياً رائداً في تمكين المرأة وحماية حقوقها حيث تحتل المركز الأول إقليمياً و18 عالمياً في مؤشر الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين، كما تحتل المركز الأول على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تقرير البنك الدولي «المرأة وأنشطة الأعمال والقانون» 2021، محققة العلامة الكاملة في خمسة محاور هي حرية التنقل، والعمل، والأجور، وريادة الأعمال، والمعاش التقاعدي.

ويمكن القول إن عامي 2019 و2020 كانا عامي المرأة بامتياز في دولة الإمارات التي أصدرت خلالهما نحو 11 قانوناً جديداً وتعديلاً تشريعياً انصبت جميعها في مصلحة تعزيز حقوق المرأة وتمكينها في كل المجالات.

ففي مجال العمل أصدرت الإمارات المرسوم بقانون اتحادي رقم 6 لسنة 2020 الخاص بتعديل بعض أحكام القانون الاتحادي رقم 8 لسنة 1980 في شأن تنظيم علاقات العمل، والذي نص على مساواة أجور النساء بالرجال في القطاع الخاص، ومنح العامل في القطاع الخاص «إجازة والدية» مدفوعة الأجر لرعاية طفله، لتكون بذلك دولة الإمارات أول دولة عربية تمنح إجازة الوالدية للعامل في القطاع الخاص.

 كما أصدرت الإمارات قراراً في عام 2019 بالمساواة في الرواتب والأجور بين الجنسين في الجهات الحكومية، لتكون الإمارات بذلك أول دولة في المنطقة تصدر تشريعاً من هذا النوع.

وينص القانون الإماراتي على إلغاء جميع القيود المفروضة على النساء العاملات في ساعات الليل والعمل في الوظائف الشاقة كقطاعات التعدين والإنشاءات والتصنيع والطاقة والزراعة والنقل، لإعطاء المرأة الحق في العمل في هذه الصناعات، كما لا يسمح القانون لصاحب العمل بإنهاء خدمة المرأة العاملة أو إنذارها بسبب حملها، كذلك يحظر قانون تنظيم العمل التمييز بين الموظفين في الحصول على الوظائف والترقي، كما يحظر التمييز بين الجنسين في الأعمال ذات المهام الوظيفية الواحدة.

وفي مجال المشاركة السياسية، صدر عام 2019 قرار صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، برفع نسبة تمثيل المرأة في المجلس الوطني الاتحادي إلى 50 بالمئة، والذي ساهم في بلوغ المرأة الإماراتية في «انتخابات المجلس الوطني الاتحادي 2019» ذروة مسيرة التمكين، وذلك بوصولها إلى تحقيق المناصفة الكاملة مع الرجل تحت قبة البرلمان في واحدة من السوابق التاريخية على مستوى العالم.

وشملت القوانين الجديدة والتعديلات التشريعية مكتسبات جديدة للمرأة في مجال الحماية، حيث أصدرت دولة الإمارات قانوناً للعنف الأسري يحمي جميع الأفراد ذكوراً وإناثاً دون تمييز، كما أصدرت قانوناً يعاقب بالحبس والغرامة أو بإحدى العقوبتين من تعرض لأنثى على وجه يخدش حياءها بالقول أو الفعل في طريق عام أو مكان مطروق.

وأجرت الإمارات في عام 2020 تعديلات على قانون العقوبات تم بموجبه إلغاء المادة التي تمنح العذر المخفف فيما يسمى «بجرائم الشرف» بحيث تعامل جرائم القتل وفقاً للنصوص المعمول بها في قانون العقوبات، وذلك تأكيداً على التزامها بحماية حقوق المرأة وتعزيزاً لمبدأ سيادة القانون.


مكافحة التمييز


وفي مجال مكافحة التمييز أصدرت الإمارات في عام 2019 قانون مكافحة التمييز والكراهية يحظر كل أشكال التمييز على أساس الجنس، كما أصدر مصرف الإمارات المركزي في العام ذاته تعميماً لجميع البنوك وشركات التمويل والصرافة العاملة في الدولة بشأن المساواة بين الجنسين وعدم التمييز في المعاملات المصرفية والحصول على الائتمان، كذلك شهد العام 2019 صدور قرار مجلس الوزراء بتمثيل المرأة في السلك القضائي.

وشكّلت المرأة الإماراتية جزءاً أصيلاً في أبرز إنجازين حققتهما دولة الإمارات أخيراً تمثلا في وصول «مسبار الأمل» إلى مدار كوكب المريخ، والتشغيل الناجح والأمن لأولى وحدات محطات براكة للطاقة النووية السلمية.

ويعد الإنجازان شاهد عيان على حجم الحضور الفاعل الذي تسجله ابنة الإمارات في ميدان العلوم المتقدمة، حيث برهنت على حجم القدرات والكفاءات التي باتت تؤهلها لتولي قيادة وإدارة أهم المهام والمشاريع الحيوية في الدولة.

ووصلت نسبة مشاركة المرأة الإماراتية في مشروع «مسبار الأمل» إلى 34% من فريق العمل و80% من الفريق العلمي الخاص بالمسبار، فيما مثلت المرأة الإماراتية نسبة كبيرة من العقول والكفاءات التي تسلحت بالمعرفة لخوض غمار هذا التحدي، حيث شكلت قرابة 20% من مجموع موظفي مؤسسة الإمارات للطاقة النووية والشركات التابعة لها، وهي من أعلى النسب في قطاع الطاقة النووية على مستوى العالم.

ولا يقتصر تمكين المرأة وحماية حقوقها في دولة الإمارات على المواطنات بل يتعداه ليشمل كل الجنسيات المقيمة على أرضها، وهو ما أكدته أحدث البيانات الصادرة عن المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء، التي أشارت إلى أن المرأة تمثل ما نسبته 33،7 بالمئة من إجمالي عدد السكان في الدولة.

وأشار التقرير إلى مجموعة من الأرقام والنسب التي تبرز ريادة الدولة في تمكين المرأة، ففي قطاع التعليم بلغت نسبة الخريجات في مجال تكنولوجيا الاتصال والمعلومات 49,1 بالمئة من إجمالي الخريجين، فيما وصل عدد الإناث الملتحقات بالتعليم الجامعي إلى 362 ألفاً و687 امرأة، وبلغ إجمالي عدد حاملات شهادة الماجستير في الدولة 207 آلاف و630 امرأة، فيما بلغ عدد حاملات درجة الدكتوراه 15 ألفاً و426 امرأة، وبلغت نسبة الخريجات في الصحافة والإعلام والعلوم الاجتماعية 63 بالمئة.

وفي قطاعات الأعمال، سجلت المرأة حضوراً لافتاً، بعد أن بلغت نسبة الإناث 24 بالمئة من إجمالي أعداد المشتغلين في الدولة، وسجلت الإناث من فئة الشباب حضوراً لافتاً في مجالس إدارة الجهات الاتحادية بنسبة تمثيل بلغت 46 بالمئة.

وسجلت الإناث ما نسبته 64 بالمئة من العاملين في قطاع التعليم، والنسبة ذاتها من إجمالي الأطباء والممرضين والفنيين في القطاع الصحي، و31 بالمئة من إجمالي العاملين في نشاط المالية والبنوك والتأمين.

وكشف المركز عن عدد الشركات المرخصة والمملوكة من نساء حيث بلغت 80 ألفاً و25 شركة، فيما شكلت المرأة 21.5% من المناصب الإدارية، 32.5% من العاملين في المهن التخصصية.

Email