خلال مشاركتها في منتدى "الإعلام العربي في ظل وبعد جائحة كورونا"

منى المري: إدراك الإمارات المبكر لأهمية التحول للبيئة الرقمية مكّنها من التعامل بكفاءة مع تداعيات الجائحة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكدت سعادة منى غانم المرّي، المدير العام للمكتب الإعلامي لحكومة دبي أن دولة الإمارات العربية المتحدة أدركت في وقت مبكر أهمية التحول إلى البيئة الرقمية، ما دفع حكومتها لتبنّي استراتيجية متكاملة الأركان لترجمة رؤية وتوجيهات القيادة الرشيدة لإنجاز هذا التحوّل ضمن أطر زمنية وأهداف محددة، وبما يشمل مختلف قطاعات العمل ومن بينها القطاع الإعلامي الذي بادرت من خلاله مؤسساتنا الوطنية إلى تبني الحلول التي تعينها على الإبقاء على حدودها التنافسية في البيئة الرقمية الجديدة التي جلبتها الثورة الصناعية الرابعة والتي ما لبثت أن شهدت تعجيلاً هائلاً بمساراتها مع اندلاع أحد أصعب التحديات التي واجهها العالم في تاريخه الحديث والمتمثل في أزمة جائحة "كوفيد-19".

جاء ذلك خلال مشاركة سعادة منى المرّي في منتدى "الإعلام العربي في ظل وبعد جائحة كورونا" الذي نظمته عن بُعد عبر تقنية الاتصال المرئي اليوم  (الخميس) مؤسسة دار "البلاد" للصحافة والنشر والتوزيع في مملكة البحرين الشقيقة، بمشاركة نخبة من القيادات الإعلامية العربية وفي مقدمتهم معالي علي بن محمد الرميحي، وزير شؤون الإعلام في مملكة البحرين، ومعالي أسامة هيكل، وزير شؤون الإعلام في جمهورية مصر العربية، وسعادة نبيل الحمر، مستشار ملك البحرين لشؤون الإعلام، والإعلامي المصري الكبير عماد الدين أديب ولفيف من الكُتَّاب، والإعلاميين ومسؤولي المؤسسات الإعلامية والقطاعات الحكومية المعنية وأعضاء السلك الأكاديمي في العالم العربي.

وأكدت سعادتها أن استعداد دولة الإمارات مكنها من التعامل بكفاءة كبيرة مع تداعيات جائحة كوفيد-19 التي أوجدت تغييرات عميقة في المجتمع الإنساني، حتى أننا نسمع الآن عبارة "الاستعداد لعالم ما بعد كوفيد-19"، وقالت إن من أهم التأثيرات التي أحدثتها الجائحة أنها أسهمت في تسريع انتقال العالم إلى البيئة الرقمية بصورة غير متوقعة.

وتطرقت سعادة منى المري إلى المتغيرات العديدة التي تسببت فيها الجائحة على أسلوب العمل والتواصل مع العالم بشكل عام وليس فقط على صعيد قطاع الإعلام، حيث يمكن اليوم حضور المؤتمرات والتنقل بين أكثر من لقاء وندوة واجتماع في دول عدة في يوم واحد دون تكبّد مشقة السفر .. حيث اختصرت التكنولوجيا عنصري الزمان والمكان، وأن ما كان من المتوقع أن يحدث في العالم خلال عشر سنوات نراه اليوم يتحقق أمامنا، كما نجد أن العالم انتقل بسرعة إلى نموذج التعليم عن بُعد، فيما لجأت أغلب قطاعات الأعمال إلى نظام العمل المرن عن بُعد أيضاً، وربما يبقى هذا النموذج قائماً حتى عقب انتهاء الأزمة حول العالم.  

وضربت سعادة منى المري مثالاً بقطاع التجارة الإلكترونية والشراء عبر الإنترنت الذي حقق قفزات ضخمة.. مستشهدة بنتائج موقع "أمازون" الذي تمكن من مضاعفة أعماله بنسبة 567% خلال العام 2020 مقارنة بالعام 2019، وزاد صافي أرباحه بنسبة 84% بإجمالي 386 مليار دولار، فيما تشير الإحصاءات أن الجائحة سرّعت تبني حلول الدفع الإلكتروني والعمليات البنكية عبر الإنترنت حل العالم بمعدل 3 إلى 10 سنوات.

وقالت سعادة المدير العام للمكتب الإعلامي لحكومة دبي: "لقاؤنا اليوم عبر هذه الشاشات دليل على هذا التحول السريع من الأنماط التقليدية إلى البيئة الرقمية .. بينما كان تنظيم نادي دبي للصحافة  لـ "منتدى الإعلام العربي" العام الماضي عن بُعد دليلاً آخر على هذا التحول الذي سرعته الجائحة، وبينما تراوح الحضور الفعلي المنتدى سنوياً بين 2000 إلى 3000 مشارك.. تابع جلسات المنتدى في نسخته الإلكترونية الأولى في 2020 أكثر من 10 آلاف متابع من مختلف انحاء العالم عبر المنصة الإلكترونية للمنتدى الذي راعينا فيه تقليص زمن الجلسات وتركيز محتواها".

وأشارت سعادتها إلى أن المؤسسات الإعلامية غير المدعومة من الحكومات ستواجه تحديات حقيقية إذا لم تبادر إلى التعجيل بالتحول الرقمي وهو الخيار الذي بات حتمياً لاسيما بعد التداعيات الكبيرة التي صاحبت الجائحة، وقالت إنه في الماضي القريب، كان الخبر يستغرق 24 ساعة ليصل إلى الناس عبر الصحف المطبوعة.. وربما كان الأمر أسرع قليلاً بالنسبة للتلفزيون والإذاعة .. إلا أن التقنيات الرقمية أصبحت تضع اليوم ملايين المتابعين على الهواء مباشرة من موقع الحدث بالصوت والصورة.. وأصبح كل إنسان يملك هاتفاً ذكياً مصدراً للمعلومة والخبر والصورة.  

وأضافت: "على الرغم من الإيجابيات الكبيرة التي جلبتها البيئة الرقمية إلى الإعلام إلا أنها شكلت تحديات كبيرة أمام الإعلام العربي والعالمي، إذ أضحى الفضاء الرقمي بيئة خصبة لانتشار الشائعات والأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة، بينما يحتفظ الإعلام التقليدي بحده التنافسي المتمثل في القدرة على الفرز والتدقيق في المحتوى والتأكد من مصداقية المعلومة والخبر قبل تداولها وبثها إلى الناس...أما ما نتلقاه من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.. فلابد أن نفكر فيه عشرات المرات ونتحقق منه من أكثر من مصدر قبل أن نقبله ونسلم بصدقيته".
   
واختتمت سعادة المدير العام للمكتب الإعلامي لحكومة دبي كلمتها بالتأكيد على أهمية استعداد الإعلام العربي للتعامل مع عالم ما بعد كوفيد-19 وهو العالم الذي ستكون للتكنولوجيا الكلمة العليا والأكثر تأثيراً في تشكيل ملامح قطاعاته المختلفة بما في ذلك قطاع الإعلام.

فوضى إعلامية
ورأى علي بن محمد الرميحي، وزير شؤون الإعلام في دولة البحرين أن العالم العربي يعاني من حالة فوضى إعلامية في ظل وجود أكثر من 1200 فضائية تسعى أغلبها لكسب الجمهور، في حين يلجأ بعضها للأسف إلى الإثارة وتفادي الموضوعية في الطرح من أجل استقطاب أكبر عدد من المشاهدين حتى ولو كان ذلك على حساب المصداقية وأخلاقيات المهنة التي يتم التضحية بها في سبيل كسب أعداد أكبر من المشاهدين والمتابعين.

ودافع وزير شؤون الإعلام في مملكة البحرين عن الإعلام العربي وقال إن لدينا الكثير الذي يمكننا أن نفخر به، في الوقت الذي يواجه فيه الإعلام الغربي اليوم اتهامات كثيرة بعدم المصداقية والترويج لأخبار  "مُفبركة" دون التحقق من مصادرها ومدى صدقيتها، مؤكداً أن على الإعلام العربي مواكبة التطور العالمي السريع وتبني الخيارات والحلول الرقمية التي تعينه على التفوق والتميز في تقديم رسالة نافعة للمجتمع ترقى إلى مستوى توقعاته.    

هل يعود العالم إلى سابق عهده؟
وخلال كلمته أمام المنتدى الافتراضي، أعرب أسامة هيكل، وزير شؤون الإعلام في جمهورية مصر العربية عن قناعته أن الأوضاع في العالم لن تعود على ما كانت عليه قبل أزمة كورونا، على المنظور القريب، في حين ستبقى التأثيرات التي خلّفتها الأزمة قائمة في العديد من أطرها، مشيراً أن السباق العالمي المحموم على إنتاج اللقاحات قد يخدم في التخفيف من تأثيرات الأزمة ولكنه لن يعيد الحياة إلى سابق عهدها.

وقال هيكل إن الأجيال الجديدة أصبحت اليوم أكثر ميلاً وارتباطاً بالبيئة الرقمية، مشيراً إلى أن الشباب دون سن الأربعين يشكلون حوالي 65% من تعداد السكان في مصر وهو جمهور ضخم يلجأ في أغلب الأحيان إلى الوسائل الرقمية للحصول على الخبر والمعلومة، ما يضع الإعلام التقليدي أمام تحدي حقيقي، لاسيما الصحافة الورقية التي ضاعفت أزمة كوفيد-19 من حدة الأزمة التي تواجهها، نتيجة خوف الناس من ملامسة الصُحف لانتشار معلومات حول انتقال فيروس كورونا المستجد من خلال الأسطح، فضلا عن جذور الأزمة التي تعود إلى ارتفاع تكلفة الطباعة وانخفاض ميزانيات الإعلان وعزوف المعلنين عن الصحافة الورقية.
 
وأشار الوزير المصري إلى تميز الإعلام التقليدي بمجموعة من الخصال التي تميزه عن الإعلام الرقمي وما يتم تداوله عبر منصات التواصل الاجتماعي، وقال إن الإعلام التقليدي لا يزال متمسكاً بأخلاقيات المهنة وقواعدها الاحترافية عكس المنصات التي تميل في أغلب الأحيان إلى بث المعلومة بصورة لحظية بغض النظر عن مدى صدقيتها، لافتاً إلى أن الصحافة التقليدية ستبقى إلا أن الأدوات اختلفت وهو ما يستدعي التعجيل بمواكبتها وتوظيفها بأسلوب يضمن لها الاستدامة.
 
وعن التحوّل إلى البيئة الرقمية في مختلف القطاعات، قال إنه ربما يكون أمر مطلوب ولكنه لا يخلو أيضا من المساوئ، ضارباً مثالاً بقطاع التعليم، حيث أكد أن العملية التربوية لا تقتصر فقط على تقديم المحتوى العلمي، إذ تسهم المدرسة كذلك في التنشئة الاجتماعية والنفسية للطفل، وهو ما يفتقده نموذج التعليم عن بُعد.  
 
 إحصاءات ومتغيرات
وخلال كلمته أمام المنتدى الافتراضي، استعرض الإعلامي الكبير عماد الدين أديب مجموعة من الإحصاءات التي تطرق من خلالها إلى الوضع الإعلامي في المنطقة والعالم في ظل انتشار فيروس كورونا المستجد وتأثيراته على هذا القطاع بكافة مكوناته، وكذلك التحديات التي يواجهها الإعلام والتي يعود بعضها إلى ما قبل أزمة كوفيد-19، حيث قال إن عدد سكان العالم العربي في الوقت الراهن يقدر بنحو 453 مليون نسمة بمعدل نمو سنوي يتراوح بين 2.5% إلى 3%، مشيراً إلى أنه وفقا للأرقام المعلنة من خلال منظمة الصحة العالمية، فإن عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد في العالم العربي وصل إلى 44.5 مليون شخص.

وقال الإعلامي عماد الدين أديب أن العالم فقد بسبب جائحة كوفيد-19  حوالي 28% من ناتجه الإجمالي المحلي، بخسارة تقدر بنحو 8.9 تريليون دولار  كخسائر مباشرة ونحو 26 تريليون دولار كخسائر غير مباشرة، وهو ما أثر على كافة القطاعات حول العالم بما في ذلك قطاع الإعلام، لاسيما الإعلامي التقليدي في ظل انخفاض ميزانيات الدعاية والإعلان والارتفاع الكبير في تكلفة العناصر الأساسية لاسيما الورق والأحبار وأجور الإعلاميين المحترفين ومن ثم ارتفاع سقف المنافسة.
 
وقال إن الجائحة أثرت في تسريع وتيرة التحول الرقمي وتبديل المعايير الأساسية التي تتحكم في العمل الإعلامي، وضرب المثال بدراسة أجراها أحد بيوت الخبرة العالمية، والتي وجدت أن حوالي 66% من مشاهدي مقاطع الفيديو على الإنترنت يهتمون أولا بالفترة الزمنية للمحتوى أكثر من اهتمامهم بالضيوف أو موضوع النقاش، حيث أن الجمهور الأكبر يكون للمقاطع التي تقل فترتها الزمنية عن 3 دقائق، في حين ارتفع عدد متابعي منصات التواصل الاجتماعي في 2020 إلى أكثر من 3.5 مليار متابع، بنسبة نمو لكل دولة تتراوح بين 24 إلى 40 بالمئة.
 
وعن عدد مستخدمي شبكة الإنترنت في العالم العربي، قال الإعلامي عماد الدين أديب إن العدد كان قبل اندلاع أزمة كوفيد-19 يقدر بحوالي 136 مليون مستخدم، حيث تشير التقديرات إلى وصول الرقم الآن إلى ما بين 165 إلى 170 مليون مستخدم.

وقد أجمع المشاركون في منتدى صحيفة البلاد البحرينية على أن التحول إلى البيئة الرقمية بات حقيقة واقعة وساهم في تثبيتها جائحة غيرت المعايير وبدلت الأسس وأوجدت عالماً مغايراً للعالم الذي عهدناه قبل عام واحد من اليوم وأن من يستخلف من المؤسسات الإعلامية العربية عن اللحاق بهذا التحول سيتكبد خسائر كبيرة تخرجه من مضمار المنافسة بل تؤثر على مصير تواجده على الساحة الإعلامية بشكل عام.

 

Email