استغلال الهوية والقيام بعمليات نصب واحتيال أو سرقة

نشر البيانات على «التواصل» فخ ينصبه الضحايا لأنفسهم

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع تزايد الإقبال على برامج التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها، واستماتة الكثيرين في جمع أكثر عدد من المتابعين، عبر نشر مواد جاذبة ومختلفة، تتزايد فرص تجميع البيانات والمعلومات الشخصية من قبل المترصدين والمحتالين، بهدف استغلال هوية الضحايا والقيام بعمليات نصب واحتيال أو ارتكاب جرائم سرقة والتي قد يعقبها جرائم أخرى خطيرة، مما يجعلهم صيداً سهلاً لضعاف النفوس الذين يجدون فرصة ذهبية للقيام بجرائمهم في ظل توفر كافة المعلومات.

ولا يقتصر الأمر على الكثيرين من الذين يعرضون مقتنياتهم الثمينة من سيارات ومجوهرات في منازلهم مع عرض موقع المنزل بالتفصيل على مواقع التواصل، بل يصل إلى التباهي بفعل مخالف للقانون، ونشره عبر هذه المواقع.

ونصح مسؤولون وقانونيون أفراد المجتمع بعدم عرض بياناتهم ومقتنياتهم الشخصية أو عنوان منزلهم أو تواجدهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وعدم الاستهانة بمثل هذه الأمور خاصة وأنه يمكن أن يُعرض الشخص حياته للخطر إذا ما اقترنت السرقة بجريمة أخرى، مشددين على ضرورة استخدام إعدادات الخصوصية لتقييد الوصول إلى المعلومات، والتأكد من البرامج التي يتم تحميلها على الهاتف المحمول ومصداقيتها.

هوس

وأكد اللواء خليل إبراهيم المنصوري مساعد القائد العام لشؤون البحث الجنائي في شرطة دبي، أن هوس البعض بجمع أعداد من المتابعين أصبح مرضاً لا يمكن السيطرة عليه، وبات أصحاب الحسابات الراغبون في تحقيق ملايين المتابعين على سباق مستمر بشكل مرضي مخيف، وكيف يقدمون مادة جاذبة تزيد من متابعيهم لدرجة أن أحدهم لجأ إلى إلقاء مجموعة من الدولارات المزيفة في الشارع بطريقة مهينة ومخالفة للقانون وقام بتوثيق تلك اللحظات ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وألقي القبض عليه ولم يجد مبرراً لفعلته سوى أنه كان يرغب في زيادة أعداد المتابعين.

وقال: إن العديد من وقائع السرقة تقع من دائرة الأشخاص المحيطين بالمجني عليهم أو متابعيهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وعليه ننصح الجميع بعدم عرض مقتنياتهم الشخصية أو عنوان منزلهم أو تواجدهم على وسائل التواصل الاجتماعي فضلاً عن تركيب كاميرات المراقبة وتوصيلها بالهاتف المحمول.

روابط مشبوهة

وأفاد العميد جمال سالم الجلاف مدير الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية في شرطة دبي، أن بعض الجناة يتحصلون على أرقام الهواتف من حسابات مواقع التواصل الاجتماعي ويمكنهم إرسال روابط مشبوهة على تلك الحسابات للحصول على معلومات من الهاتف أو الإيميل والتي قد تتضمن أرقام الحسابات البنكية أو يتم السيطرة على تلك الحسابات خاصة في ظل التأكد من المستوى المادي لأصحابها.

وأشار الجلاف إلى انه يجب تجنب مشاركة المعلومات الشخصية التي قد تؤدي إلى سرقة الهوية الشخصية وكذلك لا يجب مشاركة البيانات والصور حول العطلات والرحلات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وفي حالة الشك أن الحساب تعرض للسرقة أو عند التعرض لجريمة إلكترونية يجب الإبلاغ عبر منصة ecrime.ae التابعة لشرطة دبي.

التباهي أبرز الأسباب

أكدت المحامية نادية عبد الرزاق أنه بظهور وسائل التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة زادت قضايا السرقات لمستخدمي تلك الوسائل، ويرجع ذلك إلى عرضهم لمقتنياتهم وأغراضهم الشخصية الباهظة الثمن، وعناوينهم على صفحاتهم الخاصة في مختلف برامج التواصل الاجتماعي، سواء بغرض التباهي أو زيادة المتابعين أو لأية أغراض أخرى، مما يغري الكثيرين من محترفي العمليات الإجرامية من تتبع خطواتهم وأماكن سكنهم وتنفيذ عمليات السرقة من أجل الحصول على تلك المقتنيات، وإن كان التصرف يعد جريمة يعاقب عليها الجاني، إلا أننا نرى أن المجني عليه له دور كبير في حدوث تلك الجريمة لعرضه تلك المقتنيات والتعريف بها للجميع مما يجعله عرضة وصيداً ثميناً لتلك الفئة من المجرمين.

وأضافت المحامية نادية «من خلال واقعنا العملي في مهنة المحاماة عرضت علينا الكثير من تلك القضايا نذكر منها قضية لإحدى السيدات التي تعرضت لسرقة كمية كبيرة من المجوهرات الثمينة سبق أن عرضتها على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، وقد تمكنت الشرطة من القبض على الجاني الذي كان متابعاً جيداً لها على كافة صفحاتها وبحث عن عنوانها حتى تحصل عليه وبدأ في تدبير ارتكاب تلك الجريمة مع صديق له بمتابعة تحركاتها».

وذكرت أن جريمة السرقة من أخطر الجرائم التي تصيب المجتمعات وترتبط تلك الجريمة بعدة عوامل أبرزها العوامل الاقتصادية والاجتماعية، وقد أكد المشرع أن جريمة السرقة لا تقع إلا بأخذ أو سلب شيء مملوك للغير دون علمه أو إرادته، وقد نصت المادة رقم 385 من قانون العقوبات الاتحادي على أنه (يعاقب بالسجن المؤقت من ارتكب جريمة سرقة إذا وقعت الجريمة ليلاً من شخصين فأكثر يكون أحدهما حاملاً سلاحاً، ويعاقب بالعقوبة ذاتها على السرقة التي تقع ليلاً وفي محل مسكون من فاعل واحد يحمل سلاحاً).

وقالت: لتحقق جريمة السرقة ركنين أساسيين أولهما الركن المادي، والمتمثل في (محل الاختلاس) وهو الشيء الذي تتعلق به الحقوق والمصالح المعتدى عليها وينصب عليه فعل الاعتداء، كذلك (نشاط الجاني أو فعل الاختلاس) ويتحقق ذلك إذا قام الجاني بحركة مادية تنقل المال من حيازة صاحبه إلى حيازة الجاني الشخصية أيا كانت الوسيلة المستخدمة في ذلك، ثانياً الركن المعنوي، حيث إن جريمة السرقة من الجرائم العمدية.

منشورات الفرد الإلكترونية مفتاح شخصيته

أكد الدكتور أحمد الزعبي، أستاذ علم النفس، أن وسائل التواصل الاجتماعي وطرق البث والنشر الإلكتروني متاحة للجميع مع تطور الاتصالات الرقمية، وقد أتاح ذلك لأي فرد أن ينشر مواد متنوعة عبر صفحات الإنترنت بمواقع مختلفة سواء بنشر الموضوعات المكتوبة أو الصور أو الرموز أو الفيديوهات أو غيرها، ومن المنظور النفسي فإن المواد المنشورة تمثل أدوات تعبر عن شخصيات ناشريها، فيمكن تحليل شخصية الفرد من خلال تحليل الموضوعات التي ينشرها، فقد تعبر عن فكر أو أيدلوجيات يؤمن بها الأفراد ويسعون لإظهارها للآخرين لتبنيها، وقد لا يكون الأمر كذلك لأفراد آخرين فقد تعبر موادهم المنشورة عن سلوكياتهم السادية والعدوانية كأن يسعون للتشهير والنيل من خصومهم، وقد تعبر عن شخصيات نرجسية وأنانية فارغة فكرياً تسعى إلى الحصول على الاهتمام والإعجاب والمشاهدات ولفت الانتباه إليهم بأية طريقة كانت، فكل هدفهم هو إرضاء نفسيتهم العاجزة عن صنع واقع حقيقي للفخر والاعتزاز بالذات، إذ تلجأ إلى الحصول على ذلك من الآخرين.

وذكر الدكتور الزعبي أنه من العوامل التي تسهم في إيجاد هذه الشخصيات السيكوباتية التنشئة الاجتماعية منذ الطفولة كالإهمال والتسلط الزائد، والتفكك الأسري، وهنا تضيع الرقابة الأسرية لمتابعة أبنائهم فيجهلون الأفكار التي يتبنونها والمواقع التي يرتادونها، فينحرف الطفل ويجد الفضاء الإلكتروني البيئة البديلة التي يلجأ إليها لتعويض النقص الناجم عن بيئته الاجتماعية الحقيقية، أما أولئك الأفراد الذين قد يقعون ضحايا وينخدعون بالكثير من المظاهر على الفضاء الإلكتروني سواء بالاستغلال أو النصب والاحتيال أو حتى التصديق بأخبار مزيفة، فيجب أن يستخدموا استراتيجيات التفكير الناقد لأية قضية يقرؤونها أو يشاهدونها أو يسمعونها، فإذا تابعتم شخصاً أنظروا إلى طبيعة المواد فهل تنسجم مع بعضها البعض وتمثل فكراً متناسقاً أم أنها متناقضة وبعضها لا معنى له، وهل المواد تختلف مع ما تؤمنون به من أفكار وقيم، فما هدف ذلك الشخص من نشرها، فهل يريد أن يوصلك لمرحلة التشكيك بمبادئك وقيمك، وهل المواد المنشورة تحط من قيمة أشخاص معينين وبشكل هجومي، لذا يجب معرفة هدف الذي ينشر وعلاقته بذلك الشخص، وبالتالي لا يجوز أن يكون المتابعون أرضية خصبة لانتقامه من خصومه، إنما عليهم الإعراض عنه وعدم الاهتمام بقضاياه الشخصية.

وقال: من النصائح التي أوجهها للأسر الاهتمام بتلبية حاجات أبنائهم العاطفية والنفسية تماماً مثلما يحرصون على تلبية احتياجاتهم المادية وخصوصاً المراهقين والمقبلين على مرحلة المراهقة وعدم ترك هذه الجوانب بحجة الخجل من طرح موضوعات لأن العادات لا تسمح، فالطفل سيصل إلى المعلومات ولكن أن يصل لها بالطريقة السليمة من المربين أفضل من أن يستقيها من مجهولين عبر الفضاء الإلكتروني فيكون ضحية، ثم بعد ذلك تظهر المشكلات وستكون الأسرة وابنها هم الأكثر تضرراً، وقد يكون ابنهم على العكس ممن تتطور لديه أعراض الشخصية السيكوباتية فيصبح هو المعتدي وهو المستغل وهو المؤذي للآخرين، فمثلما أننا لا نريد أن يعتدي أحد على أبنائنا، يجب أن نمنع أبناءنا من الاعتداء على الآخرين.

أخبار مضللة

يقول الدكتور أحمد الزعبي: قد يتمادى أصحاب الشخصية النرجسية إلى أن يقوموا بأعمال غير قانونية كالتزييف والكذب ونشر أخبار مضللة للوصول إلى أهدافهم في إشباع عجزهم الذاتي، وبالتالي يلتقي أصحاب الشخصية النرجسية مع الشخصيات السادية في سلوكياتهم العدوانية التي تضر بأشخاص آخرين، ويعد الفضاء الإلكتروني بيئة خصبة لهؤلاء، ومن الجوانب الخطيرة التي قد تتطور لأصحاب الشخصيات غير السوية أنهم لا يظهرون أمام الآخرين الذين يتابعونهم بأنهم عدوانيون فينخدعون بالمظاهر التي تظهر بعكس ما في أعماقهم.

أعلن موعد سفره على الإنترنت فسُرق منزله

أكد العقيد مكي سلمان أحمد، مدير إدارة مسرح الجريمة بالإدارة العامة للأدلة الجنائية وعلم الجريمة في شرطة دبي، انه ضمن القضايا التي تم التحقيق فيها واقعة سرقة لأحد الأشخاص الذين يمتلكون حسابات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث قام بنشر فيديو لمبلغ مالي كبير كان ينوي شراء سيارة فارهة به، وبالفعل اشترى السيارة وقام بنشر صورها ومكان تواجده، وبعد أيام نشر صورة لتذكرة سفر إلى بريطانيا وكتب «سأسافر أنا وعائلتي اليوم إلى لندن»، وعندما عاد من السفر اكتشف سرقة السيارة والمنزل الذي يعيش فيه.

وأشار العقيد مكي سلمان أحمد إلى أن الشرطة ألقت القبض على المتهم بعد الإبلاغ عن الواقعة، والذي أدلى في اعترافاته أنه أحد متابعين المجني عليه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأنه أضمر النية لسرقته بعدما لاحظ الثراء الذي يعيش فيه، خاصة أن المجنى عليه أعلن أنه غير متواجد في المنزل وكذلك عائلته، وقام بسرقة البيت فعلياً ثاني يوم بعد سفرهم.

ولفت العقيد مكي إلى أن مثل هذه الأفعال التي يقوم بها البعض للتباهي أو لزيادة أعداد المتابعين تحوّلت إلى فخ ومصيدة وأحد أسباب وقوع الجرائم فعلياً.

 

Email