قراءة

الإمارات عباءةُ فخرٍ وإنجاز

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ الأول من أمس، والقلوب مُعلّقة الرجاء بالله تعالى أن يبيّض وجه هذا الوطن، الذي يستحق كلَّ مجدٍ ورفعةٍ وافتخار، فنحن أمام حدّثٍ عالميّ يترقبّه العالم كله، حين اختارت الإمارات هذا النمط الفريد من التحدي، وقبلت أن تكون الدولة الخامسة على مستوى العالم، للدخول في مدار الكوكب الأحمر (المريخ)، لإجراء البحوث العلمية، ونحن في هذا الوطن، سيكون إحساسنا بالأمر مختلفاً جداً، في حال النجاح، أو الإخفاق لا سمح الله.

فالأمرُ قد يتجاوز المطالب العلمية، لارتباطه بالروح الوطنية والشخصية الذاتية للوطن، فالوصول إلى الفضاء، هو من الأحلام المبكرة لمؤسسي الدولة، والجهودُ المبذولةُ في هذه السبيل، قد انخرط في صُنعها خيرة شباب الوطن وشاباته، من مهندسين وفنيين، بذلوا من الجهد المُضني ما يستحقون معه ارتسام الفرحة على جباههم العالية بمجد الوطن، فالحمد لله أولاً وآخراً، على هذا الإنجاز الذي ارتفعت به هامةُ الوطن العالية، بمنّة الله وفضله.

ومِثْلَ بَدْرَيْن مُكتملين أطلّ علينا المُحمّدان: صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبيّ، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيّان وليّ عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ليزفّا هذه البشرى السعيدة التي ينتظرها شعب الإمارات على أحرّ من الجمر.

فقد تمّ تحقيق الهدف، وتكلّلت جهود البعثة العلمية لمسبار الأمل بالنجاح في الدخول في مدار المريخ، ليترتب على هذا الدخول مهمات علمية ذات قيمة وفائدة للوطن والبشرية جمعاء، لكنّ مغزى النجاح، سيظل أكبر من مجرد الوصول وتحقيق الحلم، إنه الرهان على إنسان هذه الديار، التي بناها زايد وراشد، وشيوخ الوطن الكبار، على حقيقة الاستثمار في الإنسان، باعتباره غايةً سامية في مسيرة الوطن نحو المشهد الحضاري الزاهر للإنسانية، واليوم، حين تُحقق الإمارات هذا الإنجاز، تكون قد قطعت الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل في مشروعها الفضائي.

حيث صمّمت على خوض هذا المعترك، وعدم الرجوع على العَقبين، فنحن في هذا البلد، قد نحّينا جانباً فكرة المستحيل، ونراهن على الإرادة الحرة والعزيمة القوية في تحقيق الأحلام والأهداف، مهما كانت التحديات والعقبات.

وبقلبٍ فيّاض بالحب، وعزيمة متوقدة بالمجد، كتب صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، كلمة، هنّأ فيها أبناء شعبه الوفيّ على هذا الإنجاز العظيم، الإنجاز الذي رعاه (بو راشد) بسهر الليالي، ومتابعة الإنجاز، ورفع المعنويات، وبثّ العزيمة في نفوس العاملين في هذا المشروع الريادي الكبير، انتظاراً لهذه اللحظة الفاصلة، التي تسجّل فيها الإمارات بحبر المريخ، هذا الإنجاز الفخم، ليطلّ صاحب السموّ بوجهه المبتهج بهذا اليوم السعيد، فيقول:

«نبارك لشعب الإمارات، نبارك لجميع الشعوب العربية والإسلامية، نبارك للبشرية، وصول أولى بعثاتها في 2021 لكوكب المريخ، اليوم، بدأت مرحلة جديدة من التاريخ العلمي العربي، مرحلة عنوانها الثقة، الثقة بأنفسنا وبشبابنا وبشعوبنا العربية، الثقة بأننا نستطيع أن ننافس بقية الأمم والشعوب»، فهذا الإنجاز الكبير، يتجاوز بُعده المحلي الوطني، ليكون إنجازاً كبيراً للوطن العربي الكبير، وللأمة الإسلامية جمعاء، هذه الأمة، التي كانت بقلوبها اليوم مع أشقائها في الإمارات.

حيث علّقت الأعلام الحمراء في شوارعها وميادينها، تضامناً مع بلادنا التي تحبهم، وتقدر لهم نُبل مشاعرهم، ولذلك، قدّم صاحب السموّ هذا الإنجاز للإنسان العربي والمسلم، في كل مكان، لأنّ حضارتنا قد صهرت جميع الأعراق، وقدمت نموذجاً نادراً في التسامح والإبداع المتكامل لجميع الشعوب والثقافات.

بعد ذلك، يسلّط صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، قيمة هذا الإنجاز بالنسبة للوطن، فيرى فيه إيذاناً ببدء مرحلة جديدة من الحياة، حيث يقول: «وصولُ مسبار الأمل، هو إيذانٌ ببدء احتفالات دولة الإمارات بعامها الخمسين، باليوبيل الذهبي، احتفالاتنا مختلفة، علمية، حضارية، مُلهمة، لأننا نُحاول أن نبني نموذجاً تنموياً، نموذجاً يقول للشباب العربي: نحن أهل حضارة، وسنُعيد استئناف حضارتنا، بإذن الله، بهم، وبسواعدهم».

هذا هو الدرس الأبلغ، الذي يتغيّاه صاحب السموّ من كل هذا النشاط الدؤوب، الذي يبذله في جميع مسارات الحياة: الارتقاء بالإنسان العربي، واستئناف دوره الحضاري، الذي أوشك أن ينساه بفعل تراكم الهزائم الحضارية في تاريخه الحديث، فجاءت هذه الكلمات، مثل الغيث على الأرض اليابسة، لتبثّ فيها الحياة.

ومن أولى بذلك من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، الذي تعلّم من الحياة أعمق دروس الإيجابية والتفكير الخلّاق، الذي لا يعرف التوقف أو الوقوف، بل هو دائب الحركة والإنجاز، نجد ذلك في جميع مناحي حياته في الإدارة والسياسة والخيل والشعر، فهو مسكون القلب بمنح الأمل وبعث العزائم، والارتفاع عن ثقافة الكسل، فلهذا، ولغيره من الأسباب، أصبحت هذه البلاد نموذجاً يُحتذى في الإبداع والإنجاز.

والحمد لله، فهذه الثمار قد أينعت في شباب الوطن، الذين ترتسم ملامح السعادة على وجوههم، وهم يرون وطنهم يعانق السماء، وقادتهم يشاركونهم فرحتهم، ويخفضون لهم جناح المودة والمحبة، لتظل هذه البلدة الآمنة، واحةَ خير وعطاء وسلام، وليظل هذا الوطن وفيّاً لماضيه، توّاقاً لمستقبلٍ يليق به، يحدو ركبَه رجال نذروا أنفسهم لخدمة الوطن وحمايته، واحترام إنسانه، وتقديم أفضل ما يمكن تقديمه، في سبيل أن تظل الإمارات خفّاقة اللواء، منيعة الحِمى، ومُشرعة الأبواب.

Email