«الأقمار النانومترية».. نواة لمشاريع الفضاء الكبرى.. والتوسع فيها ضرورة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكد متخصصون في قطاع الفضاء أن الأقمار الاصطناعية «النانومترية» التعليمية، تؤهل طلبة الجامعات لقيادة قطاع الفضاء الوطني مستقبلاً، عبر تعميق المعرفة والبحث العلمي لديهم، خصوصاً أبحاث الفضاء، مشددين على ضرورة توسع الجامعات المحلية فيها، وزيادة تدريب الطلبة على تصنيعها وتشغيلها لتجاوز مخاوف العمل بالمشروعات الفضائية الكبيرة، ومنحهم الفرصة للتعديل والإضافة وتجنب الأخطاء السابقة.

وحددوا عدة تحديات تواجه الطلبة عند العمل على مثل هذه الأقمار والتي تتمثل في بناء حمولة ذات مغزى في ظل القيود الشديدة، التي تشمل انخفاض الطاقة والوزن والحجم والميزانية، إلى جانب المخطط الزمني للإنجاز الذي يرتبط بمواعيد محددة لصواريخ الإطلاق، مشيرين إلى أنها تحديات يمكن تجاوزها بالنظر إلى فوائدها المتعددة، وتأثيرها العلمي الكبير على الطلبة.


وأكدوا أن النجاحات الكبيرة التي حققتها المشروعات الفضائية الإماراتية في السنوات الماضية، شكلت منطلقاً مهماً لتعزيز رؤية استشرافية مستقبلية تعتمد على الكوادر الشابة المواطنة لتقود بخبراتها مختلف هذه المشروعات، ولذلك جاءت برامج تأهيل الطلبة الجامعيين من خلال التعاون مع وكالة الإمارات للفضاء ومركز محمد بن راشد للفضاء، اللذين كرسا تعاونهما مع جامعات الدولة لتوفير مساقات متخصصة في علوم الفضاء، مثل جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا، والجامعة الأمريكية في الشارقة، وجامعة نيويورك - أبوظبي، وصولاً إلى تنفيذ مشروعات نوعية يقوم بها الطلبة، ومن بينها الأقمار الاصطناعية «النانومترية» التعليمية، والتي تم إطلاقها بنجاح إلى الفضاء، مثل «نايف 1» و«مزن سات» و«ماي سات 1».وقالوا: تلعب الأقمار الاصطناعية المصغرة «نانو ستلايت» أو «كيوب سات» دوراً كبيراً في مجال استكشاف الفضاء، وخاصة أن قياسها لا يتعدى عشرات السنتميترات، وقد فرضت هذه الأقمار مكانتها وتحظى باهتمام كبير في الإمارات، وتنفذ بعض الجامعات الإماراتية هذا المشروع الطموح، وتكمن أهميتها في أنها أقل تكلفة من الأقمار الاصطناعية الكبيرة، إذ تبدأ تكلفتها من 100 ألف دولار.
 
 تدريب

وأوضح الدكتور فراس صلاح جرار أستاذ مساعد في قسم الهندسة الميكانيكية بجامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا، وأحد المشرفين على مختبر «الياه سات» في الجامعة أن كتلة هذه الأقمار تتراوح بين 1 و10 كيلوغرامات، وتشمل ما يسمى بالأقمار المكعبة، وتصمم على شكل وحدات، مشيراً إلى أن لديهم في الجامعة برنامجاً تخصصاً فرعياً في الماجستير «أنظمة وتكنولوجيا الفضاء» أسس في عام 2015، وجزء من هذا البرنامج يتم تدريب الطلبة فيه على بناء وتصميم الأقمار الاصطناعية المكعبة.

ولفت إلى أن الطلبة شاركوا في تصميم أربعة أقمار اصطناعية مكعبة، ومنها «ماي سات 1» الذي يتخذ حالياً مداره حول الأرض.

وقال إن أهمية مثل هذا البرنامج تكمن في أن التكنولوجيا والأساليب المستخدمة في تصميم وبناء الأقمار الاصطناعية المصغرة، قريبة جداً إن لم تكن الأساليب المتبعة نفسها في تصميم الأقمار الاصطناعية كبيرة الحجم، أو التقليدية، ما يكسب الطلاب معرفة واسعة حول تصميم الأقمار الاصطناعية.  وعن برنامج «أنظمة وتكنولوجيا الفضاء» في جامعة خليفة ومساهمة الطلبة في تصميم الأقمار الاصطناعية المصغرة، أكد الدكتور فراس صلاح جرار أن الطلبة يعملون على تصميم قمرين اصطناعيين إضافيين، ومتوقع إرسالهما في العام الجاري، وإدخالهما مدارهما، وذلك بتصميم كوادر وطنية.

 

أهمية التركيز على الجانب البحثي وليس ما تقدمه من خدمات

 

شدد فرانشيسكو أرنيودو العميد المشارك لكلية العلوم بجامعة نيويورك- أبوظبي وأستاذ الفيزياء على أن الأقمار الاصطناعية المصغرة توفر عدداً من الخدمات، منها الرصد البيئي، واستطلاعات الصور، بالإضافة إلى مشاريع تعليمية لإثبات البراهين والأدلة، مشيراً إلى أهمية التركيز على الجانب البحثي وعلى ما تقدمه هذه الأقمار من إضافة للعلوم وليس فقط وضعها في إطار ما تقدمه من خدمات.

وأوضح أرنيودو أن جامعة نيويورك - أبوظبي لديها مشاريع في مجال الفضاء مع مؤسسات الفضاء الإماراتية، وأحد هذه المشاريع القمر الصناعي «ضوء-1» من نوع «كيوب سات»، لافتاً إلى أن هذه المشروعات تطور المجتمع العلمي الإماراتي، ومن خلال العمل على قمر صغير، سيتمكن الطلاب من التعرف على قطاع الفضاء بشكل أفضل، وسيتضح لهم أنه ليس معقداً كما قد يظنون في البداية، ما يخلق عقلية إيجابية. وشرح أن العمل على مهام متعلقة بعلوم الفضاء يفتح آفاقاً واسعة في مجال الفضاء، وأن الجانب البحثي للبعثات الفضائية حتى ولو كانت صغيرة، وتعتمد على مشاريع «كيوب سات»، مهم للغاية، حيث تركز بشكل أكبر على الجوانب التعليمية وإثبات البراهين، وفي حال فشل المهمة، فإن الجانب التعليمي يحافظ على تأثيره، ويمنح الفرصة للطلاب أنفسهم إلى التعديل والإضافة وتجنب الأخطاء السابقة.

وعن التحديات التقنية التي تواجه الطلبة قال أرنيودو: هناك بالطبع العديد من التحديات الموجودة خصوصاً عند الانخراط في قطاع الفضاء للمرة الأولى، والتي تتمثل في بناء حمولة ذات مغزى في ظل القيود الشديدة، التي تشمل انخفاض الطاقة والوزن المنخفض والحجم المحدود والميزانية المحدودة، موضحاً أنه في تجارب سابقة للطلاب كان يتعين تصميم لوحة إلكترونية متخصصة من الصفر، وأيضاً تتكامل بشكل محكم مع أنظمة الأقمار الاصطناعية الموجودة في المدار الفضائي، مع الانتهاء من جميع المكونات التقنية، وفقاً لجدول زمني صارم، لأن صاروخ الانطلاق لا يمكنه الانتظار، ويجب عمل كل شيء وفقاً لجدول زمني محدد، وبعد إرسال القمر إلى مداره يجب أن يعمل ويرسل البيانات ويستجيب إلى الأوامر.

 

مؤسسات الدولة العلمية تزخر بالأدوات والبيئة الخصبة للنجاح

أكدت فاطمة أحمد الشحي مهندسة برمجة أن برنامج الأقمار الاصطناعية وعلوم الفضاء بشكل عام شيّق وجاذب للعنصر النسائي في الدولة، مشيرة إلى أنها عملت وما زالت مع كوكبة من الطالبات والخريجات من باحثي الماجستير والدكتوراه، كما عملت كطالبة وباحثة لمدة عامين في مختبر «الياه سات» للفضاء، وكلّفت بمهمة قائدة للنظام الكهربائي للقمر الاصطناعي «ماي سات2» المرتقب إرساله إلى الفضاء، مشيرة إلى أن مؤسسات الدولة العلمية تزخر بالأدوات والبيئة الخصبة للنجاح.

وذكرت فاطمة أحمد الشحي أن برنامج الأقمار الاصطناعية المصغّرة يهدف إلى تحقيق رؤية الدولة وأهدافها في قطاع الفضاء، ويشمل تأهيل الطلاب والطالبات، في مختلف التخصصات وأبرزها الهندسة الكهربائية والكمبيوتر، والميكانيكا، ويتبلور في صنع كوادر وطنية تستبق في مجال العلوم والبحث العلمي.

 

«مزن سات» و«نايف 1» و«ماي سات 1».. تجارب ناجحة

تعاونت وكالة الإمارات للفضاء، مع جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا والجامعة الأمريكية في رأس الخيمة، بمشاركة 30 طالباً، لإطلاق مشروع تطوير وبناء القمر الاصطناعي «مزن سات»، الذي أطلق بنجاح في سبتمبر 2020، لدراسة الغلاف الجوي للأرض، فيما تم تصنيعه بمشاركة كوادر وطنية شابة من الجامعتين، بهدف إثراء أنشطة البحث العلمي. ويعمل القمر على جمع وتحليل البيانات المتعلقة بمستويات انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وبالتحديد غازي الميثان، وثاني أكسيد الكربون، في أجواء الإمارات، وسيقيس كمية الغازين، وتوزيعهما في الغلاف الجوي، باستخدام جهاز علمي يعمل بالأشعة تحت الحمراء، ذات الموجات القصيرة، بينما يقوم فريق العمل من طلاب الجامعتين، برصد ومعالجة وتحليل البيانات التي يرسلها إلى المحطة الأرضية، لإجراء دراسات عن ظاهرة المد الأحمر على سواحل الدولة، والتي تؤثر سلبياً في البيئة المائية والثروة السمكية. من ناحيته، أطلق مركز محمد بن راشد للفضاء «نايف 1» في عام 2107، أول قمر اصطناعي نانومتري، وأول قمر إماراتي جامعي من نوع «كيوب سات»، الذي صُمم لأغراض تعليمية، وعمل عليه طلاب من الجامعة الأمريكية في الشارقة، بالتعاون مع المركز.

أهمية كبيرة

ويكتسب «نايف 1» أهمية كبيرة، إذ يأتي ضمن الاستراتيجية التعليمية المتكاملة لعلوم الفضاء، الرامية إلى تطوير قدرات ومهارات وكفاءات أبناء الإمارات في الاختصاصات الهندسية، على تصميم وتركيب واختبار وتشغيل الأقمار الاصطناعية النانومترية، وتتضمن مهمته العديد من الأهداف العلمية، مثل تحديد خصائص النموذج الحراري للقمر الاصطناعي، والتحقق من دقته، ومدى موافقته لبيئة الفضاء، ودراسة تطور أداء الخلايا الشمسية في الفضاء، خلال مرحلة حياة القمر.

ونجحت شركة «الياه للاتصالات الفضائية» (الياه سات)، وجامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا، في نوفمبر 2018، في إطلاق القمر الاصطناعي المكعب «ماي سات 1»، إلى محطة الفضاء الدولية، حيث تم تطوير القمر، وبناؤه من قبل طلاب جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا، ممن يدرسون أنظمة وتكنولوجيا الفضاء، ضمن «مختبر الياه سات للفضاء»، ليتم استخدامه لأغراض البحث ومراقبة الأرض.

 

تعميق البحث العلمي وإكساب الطلبة خبرات كبيرة

أوضح عبد الله المسماري، باحث دكتوراه في هندسة الميكانيكا، ومتخصص في الأقمار الاصطناعية المصغرة، أن البرامج التي تعمل عليها بعض الجامعات والمؤسسات في الدولة، والتي تهدف إلى تصنيع وتصميم الأقمار الاصطناعية المصغرة، بكوادر وطنية، تهدف إلى تعميق المعرفة والبحث العلمي لدى الطلبة، واكتساب الخبرات، حتى لا يصعب عليهم البدء والشروع مباشرة في تصنيع الأقمار الكبرى، والتي تعتبر ضخمة ومكلفة.وأضاف أن برامج الأقمار الاصطناعية لدى الطلبة مهمة للغاية، حيث تسمح لهم بإعادة البحث والتجريب، وتجنب نسبة تحمل تكاليف عالية، مقارنة بالتكلفة العالية للأقمار الاصطناعية الكبرى، لافتاً إلى أنه حال فشل المهمة، تصبح التكلفة أقل، ويمكن تحملها.

وأوضح أن هذا المشروع من البرامج الرئيسة حالياً في الإمارات، لتطوير حلقة البحث العلمي، والمهمة لا تتوقف بإرسال القمر الاصطناعي، بل تمتد إلى تلقي البيانات، والتي تنشر في المنتديات العلمية المتخصصة، ما يقوي مكانة الإمارات ومؤسساتها التعليمية، في حلقة البحث العلمي التطويري.

Email