الإمارات.. حيث وجدت لطعامي مكاناً

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما زرت دبي لأول مرة، كنت حاملاً بطفلي الثالث. كان القطار المعلق في مرحلة التنفيذ الأخيرة، بينما افتتح مول دبي حديثاً أول متاجره؛ سلسلة سوبر ماركت ويتروز الرائدة في المملكة المتحدة. وهأنذا، فتاة من بلدة صغيرة في جنوب إفريقيا تجد نفسها في قلب أكبر مركز تسوق عالمي، بالقرب من أعلى البنايات الشاهقة في العالم. وأذكر أنني كنت أتجول في مركز التسوق وأتفقد واجهات المتاجر بينما أحاول أن أتخيل ما قد تبدو عليه المدينة بأكملها مستقبلاً.

انتقلنا لاحقًا للعيش بصورة دائمة في دبي في أغسطس 2013، مغادرين مجتمعنا اليهودي المتماسك هناك. وكانت أعمار أطفالي 14 و5 و4 سنوات.

عائلتنا متدينة، أو كما يقال "عائلة كوشِر" وما بدأ كمحاولة لإنشاء منزل تقليدي يناسب عائلتنا، تحول بعد عقد من الزمان إلى أساس أول مشروع تجاري يخدم المجتمع اليهودي بشكل رسمي في دولة الإمارات.

وبمرور الوقت، أصبح مطبخي مقصداً ووجهةً لكثيرين في الإمارات، وبدأت في التوسع واستقبال رجال الأعمال والسياح. كان مشروعاً متواضعاً، ولكنه نجح في تقديم الأطباق التي تلبي أذواقنا وتحمل النكهات المألوفة والتي كانت تعد كوصفات عائلية مفضلة. كما أنه ساهم في شعور ضيوف الإمارات من اليهود بأنهم محل الترحيب.

وقررت أن أسمي مشروعي المنزلي الصغير على اسم ابنتي، "إيليز كوشِر كيتشن".

ومع بدايات العام 2019، تعززت مكانة مطعم إيلي بالقيم العظيمة التي تبنتها الإمارات في عام التسامح واستقبال البابا، وقبول مشاركة إسرائيل في معرض إكسبو 2020. ورأيت أن أشارك بإبداء ما تتصف به الإمارات من كرم الضيافة والروح السخية. وبفضل سمعتنا لدى الزوار المعتادين ، وعبر مجموعات واتساب، زاد عدد زوار المطعم.

أخذ المطعم في اكتساب شهرة عالمية

في نوفمبر 2019، دُعيت لحضور مهرجان كوشِر، وهو أكبر معرض تجاري للمنتجات والخدمات المتوافقة والشريعة اليهودية في العالم، في نيو جيرسي بالولايات المتحدة الأمريكية. وقتها، ابتكرت مسمى "كوشِراتي" الذي يعكس ما قمت به من توليف بين أطعمة الكوشِر والنكهات الإماراتية التقليدية. وفي مهرجان كوشِر، عرضت خلطات التوابل الإماراتية والتمر والقهوة وزارنا القنصل العام لدولة الإمارات في نيويورك. ولاحقاً، وفي ظل الاهتمام ببداية العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والإمارات، أشار سعادة يوسف العتيبة، سفير الإمارات في واشنطن ووزير الدولة، إلى مطعمنا في خطاب تلفزيوني تاريخي.

وما أعقب ذلك من العلاقات بين الإمارات وإسرائيل أسهم في تغيير مجتمع الكوشِر بشكل كبير، وفتح آفاقاً جديدة أمام إيليز كوشِر كيتشن.

كان التأثير الإيجابي على مشروعي هائلاً

افتتحت مطعماً تجاريًا وأصبحت مالكة أول شركة حاصلة على شهادة كوشِر في الإمارات تقدم الطعام في العديد من الفعاليات المهمة؛ ومن بينها الاتفاقيات الإبراهيمية ومعرض جيتكس 2020 ومعرض آيدكس 2021. وأسست مطعمًا متنقلاً في الحبتور سيتي ثم تواجدت في فندق ألوفت التابع لماريوت في أبو ظبي. وتوسع فريق العمل، ليشمل مجموعة متعددة المواهب من الطهاة الأجانب من المنطقة من ذوي الخبرة في الأطباق اليهودية والعربية.

ساعد التطبيع في اندماج سوق الكوشِر في صناعة المأكولات والمشروبات بالإمارات

اليوم، تشهد الإمارات ازدهاراً لمجتمع الكوشِر ومعه تأسس العديد من المطاعم وظهر معاهد تعليم الكوشِر، وتدفقت منتجات الكوشِر من جميع أنحاء العالم وأصبحنا نراها على أرفف متاجر السوبر ماركت، وهناك متاجر تقدم أطعمة كوشِر جاهزة.

جرى كل هذا في غضون 8 أشهر من توقيع الاتفاقيات الإبراهيمية. لقد كانت واحدة من قصص النجاح غير المتوقعة والمذهلة التي ستشهدها كتب تاريخ المنطقة.

لقد بدأ إيليز كوشر كيتشن كمطبخ متواضع في منزلي، واليوم أصبح أهم شركة كوشر في الإمارات.

ومن خلال سعيي الدؤوب حتى أقدم لعائلتي نموذجاً مصغراً من وطننا إلى منزلنا الجديد، أصبح مطبخي اليوم رمزاً عالمياً لما تشهده منطقة الشرق الأوسط من تطورات ثقافية.

في برج خليفة، ذلك النصب الشاهق الذي أصبح رمزاً للنمو الواعد نحو المستقبل وتجسيداً لإنجازات غير مسبوقة ومزيد من الأحلام الطموحة، يوجد مطعم كوشر. ولن أنسى أنني في زيارتي الأولى إلى دبي لم أجد أياً من مثل هذه المطاعم، ولم أكن لأتخيل وجودها هنا ذات يوم.

..................................................................................

*إيلي كرييل سيدة من جنوب إفريقيا وأم لثلاثة أبناء. وهي حاصلة على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع، وحاضرت لسنوات عديدة في جامعات في جنوب إفريقيا ودبي. كما أنها رائدة أعمال فخورة بما أنجزته في مجال جديد لإنتاج المواد الغذائية وفي قطاع الضيافة في الإمارات ودول الخليج.

Email