عام الخمسين

المستقبل هو الإمارات

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعد احتضان واحدة من أكبر جامعات العالم العربي، وتأسيس أول جامعة للذكاء الاصطناعي، تجسيداً لما يمثله التعليم لدولة الإمارات العربية المتحدة، التي ترى فيه أساس كل تقدم. لنتأمل سوية في رؤى رجل تربوي ذي خبرات عريضة في إدارة المدارس، نلقي فيها الضوء على رحلة وطن لتطوير قطاع التعليم على مدار 50 عاماً مضت. 

في الوقت الذي تستمر احتفالات عام الخمسين في جميع أنحاء دولة الإمارات العربية المتحدة، أجد نفسي مدفوعاً بين حين وآخر إلى التفكير في المستقبل وأتساءل؛ ترى كيف ستكون عليه بلادنا خلال الخمسين عاماً المقبلة من تقدم؟ قررت أن أدون تلك الأفكار واعرضها عليكم هنا.
 
لقد عشت في الإمارات العربية المتحدة لأكثر من 30 عاماً. وكنت شاهداً على تحول لافت في قطاع التعليم في البلاد. بدأت رحلتي هنا تلميذاً في رياض الأطفال، إلى أن أصبحت المدير العام للمدرسة ذاتها. 

أنا خريج كلية الهندسة، وحاصل على ماجستير في إدارة الأعمال في الموارد البشرية وماجستير في إدارة الأعمال الدولية في القيادة التربوية من المملكة المتحدة، وحالياً مرشح لنيل درجة الدكتوراه في علم النفس التربوي.

من خلال تخصصي تمرست على إدارة التعليم، مطبقاً للاستراتيجيات القائمة على الأبحاث بغاية تحسين مستوى التدريس والتعلم، والمساهمة في تطوير وتخطيط وتنفيذ الأهداف الاستراتيجية لشركتي Global Educational Solutions.

تميزت عائلتي بانْخراطها في مجال التعليم؛ حتى باتت العملية التعليمية جزءاً أصيلاً من هويتنا. كان والدي أستاذاً جامعياً وأنشأ واحدة من أوائل المدارس الخاصة في مدينة العين عام 1982. اكتسبت منه أهمية التعليم و القيمة التي يضفيها على حياة المرء. ولقد ألهمتني هذه الخلفية العائلية على اتخاذ قراري بالتخلي عن وظيفتي المستقرة في مجال تكنولوجيا المعلومات وتأسيس شركة إدارة تعليمية خاصة. 

وكوني عاصرت نظام التعليم في هذا البلد وتفاعلت معه بشكل مباشر، أدركت ما كانت عليه الحياة الطلابية في ذلك الوقت من الثمانينيات. كان العيش والدراسة مع مجتمع متعدد الجنسيات فترة دراستي تجربة لا مثيل لها. وأنا أعتبر الإمارات وطني. وبفضل الله تعالى، أتوجه بكل الشكر إلى قادة هذا الوطن الرائع على كل الدعم والامتيازات التي نحظى بها في دولة الإمارات. 

أستذكر احتفالاتنا باليوم الوطني حين كنت طالباً. كانت الحياة تتسم بالبساطة. لم تكن هناك مواقع للتواصل الاجتماعي، لكن حب الوطن يكبر في قلوبنا مع مرور الزمن. كنا نرفع أعلام الإمارات ونتجول في الحي ونزور منازل أصدقائنا الإماراتيين ونتمنى لهم يوماً وطنياً سعيداً. اعتدنا على المشاركة في جميع المسيرات والفعاليات التي تنظم في مدينة العين وأبوظبي.

أما اليوم، فقد أصبحت احتفالات اليوم الوطني مذهلة بحق، وتعددت الحملات والمبادرات ، ومنها عام الخمسين. وبمناسبة الاحتفال باليوبيل الذهبي لدولة الإمارات العربية المتحدة، حققت مدرستنا؛ المدرسة الهندية الدولية في أبوظبي، رقماً قياسياً عالمياً في موسوعة غينيس لأكبر ميدالية تم صنعها على الإطلاق. أود أن أنوه إن هذا الإنجاز يعد من أعظم إنجازاتي لأن هذا الرقم القياسي العالمي لم يكن لي ولمدرستي فحسب، بل كان إنجازاً لدولة الإمارات العربية المتحدة أيضاً. فقد القى هذا الرقم القياسي في موسوعة غينيس الضوء على الإنجازات العظيمة والتقدم الذي حققته دولة الإمارات العربية المتحدة في الخمسين عاماً الماضية.

كان "بابا زايد"،طيب الله ثراه، يقول: "الروح الحقيقية التي تدفع التقدم للأمام هي الروح الإنسانية، الرجل القادر بفكره وملكاته". كنا نستمع إليه عبر الراديو ونشاهده على القنوات التلفزيونية يتحدث عن الوصول إلى الفضاء، وأهمية التعليم، وما يمكن لهذا الوطن أن يحققه من خلال التعليم. وبينما أشاهد الإمارات العربية المتحدة وهي تصل إلى المريخ، وتصبح واحدة من أكثر الدول أماناً في العالم، وواحدة من أكثر الدول تقدماً من الناحية التكنولوجية في العالم، يزداد تَفاؤلي بأن القادم أجمل.

شعرت أن واجبي يقتضي رد الجميل لهذا المجتمع الذي أثرى حياتي بعدة طرق. الأمر الذي دفعني لتأسيس مدارس جديدة ومدرسة تمهيدية هنا في الإمارات العربية المتحدة. واليوم، قمنا بالتوسع في العديد من المدارس، سواء هنا أو في الخارج. في دولة الإمارات، أصبحت المدرسة الهندية الدولية في أبوظبي والمدرسة الإنجليزية العالمية بالعين من بين المدارس التي تشهد اقبالاً كبيراً من المواطنين والمقيمين على حدٍ سواء. ففي عام 2015، دخلنا مجال مرحلة التعليم المبكر وتوسعنا في نشاطنا؛ وندير اليوم أربعة رياض أطفال في أنحاء الدولة.

وإنه لمن دواعي شعوري بالفخر أن أكون قادراً على رد الجميل لهذا البلد الذي رعاني وفيه نشأت، من خلال توفير التعليم للمجتمع ومن خلال تلبية احتياجاته. وكم أشعر بأنني محظوظ لأنني في خدمة قطاع إعتبرهٌ الوالد المؤسس أحد ركائز نجاح الدولة. 

واليوم، كبرت شركتي وتوسعت خارج دولة الإمارات العربية المتحدة حيث أصبحنا نقدم خدمات استشارية تعليمية في حلول إدارة المدرسة ومرحلة ما قبل المدرسة في الإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة والبحرين وماليزيا وأستراليا والهند والفلبين. 

حلمي هو الاستمرار في المساهمة بتطوير هذا البلد الطيب وإحراز تقدم كبير في قطاع التعليم بما في ذلك التعليم العالي.

وهكذا، فإن إجابتي على السؤال هي: المستقبل هو الإمارات 

إن التقدم والتطور الذي شهده قطاع التعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة عظيم بلا شك. إنه لأمر رائع أن أشهد هذا المستوى من الجودة والمرافق المتاحة والوضع العام للتعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم، مقارنة بتواضع الموارد التي أتيحت في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. اليوم، تمتلك دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من أفضل السياسات التعليمية، إلى جانب مرافق البنية التحتية والتكنولوجيا والرعاية الصحية المخصصة للطلاب.

القطاع التعليمي القوي يعكس تكريس الدولة مواردها لبناء قوة عاملة ماهرة وموهوبة، وقدرتها على جذب المواهب من أنحاء العالم إلى صناعاتها المتنامية. كما أن الخبراء من مختلف الصناعات والتخصصات، وكذلك المبتكرون والعلماء باتوا يتخذون من دولة الإمارات وطناً لهم. 

ومع تأسيس جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، تتحول الرؤية الحكيمة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، الذي يؤمن بقدرة المعرفة والتفكير العلمي على تحقيق الحلم وتحويله إلى واقع ملموس في الإمارات العربية المتحدة. وهذه المبادرات تعد دعوة مفتوحة من دولة الإمارات العربية المتحدة للعالم لإطلاق العنان لإمكانات الذكاء الاصطناعي. 

وكانت أحدث تصريحات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، أن دبي تهدف إلى تحويل 60٪ من الإمارة إلى محميات طبيعية بموجب خطة دبي الحضرية 2040 الأمر الذي يعتبر بمثابة مثال جديد على تحول الإمارات إلى دولة مستدامة تهتم وتحافظ على البيئة . 

تستند هذه الابتكارات إلى نهج يركز على الإنسان أولاً، تحقيقاً لرؤية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي سعى لأن تكون الحياة أفضل وأكثر أماناً وأيسر لكل الناس.

سوف نبذل أقصى جهدنا لغرس قيمة وجوهر وأهمية مبادرات الاقتصاد الأخضر والأمن الغذائي والبيئة والاستدامة في نظام التعليم مستقبلاً في دولة الإمارات العربية المتحدة.

أملي أن نشهد خلال الخمسين عاماً المقبلة بقاء واستمرار هذه القيم النبيلة، ففيها منفعة كبيرة للجميع.


سلسلة مقالات ” بين الخمسين والخمسين” تروي قصص وحكايات لأشخاص عاشوا حاضرهم وماضيهم في دولة الإمارات العربية المتحدة.
www.UAEYearOf.ae 

*منير أنصاري بارايل - المدير العام في المدرسة الهندية الدولية – أبوظبي 

 

Email