حوارات الخمسين

نورة الكعبي لـ «البيان»: «إكسبو دبي» واحة تناغم الحضارات في أرض الإبداع

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكدت معالي نورة بنت محمد الكعبي، وزيرة الثقافة والشباب، مفوض عام جناح دولة الإمارات في «معرض إكسبو 2020 دبي»، أن الإمارات استطاعت خلال السنوات الماضية أن تحقق الكثير من الإنجازات على الصعيد الثقافي والإبداعي.

وأن تقدم للعالم مجموعة من المثقفين والمبدعين الذين تركوا بصمة لامعة على المشهد الثقافي المحلي والإقليمي والعالمي أيضاً، وأضافت في حوار مع «البيان»: إن هذا النجاح ما هو إلا انعكاس لسياسات الدولة الواضحة في الاستثمار بالأصول الثقافية، وجهودها الرامية إلى استقطاب ودعم المواهب الإبداعية في مختلف المجالات.

وتوقعت معالي نورة الكعبي أن تسهم الصناعات الثقافية والإبداعية في الدولة خلال السنوات المقبلة بما بين 2.9 – 3.5% في الناتج المحلي، مشيرة إلى أن قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية برز ليكون من بين أول 10 صناعات وطنية مساهمة في الناتج المحلي الإجمالي.

وقالت إن وزارة الثقافة والشباب حرصت على إيجاد موطئ قدم لها في معرض «إكسبو 2020 دبي»، من خلال استقدام أحداث ثقافية عالمية، ومن بينها استضافة المؤتمر العالمي للاقتصاد الإبداعي.

وأوضحت معاليها أن «إكسبو 2020 دبي»، يمثل منصة حيوية ثرية للتعريف بثراء الثقافة الإماراتية ولتعزيز لقاء وحوار وتناغم الحضارات وجعل الثقافة والابتكار رافعتا وأساس سلام وتآلف عالمنا.

1 كيف تقيمون تجربة الإمارات في الخمسين عاماً الماضية على المستوى الثقافي؟

بداية أود أن أهنئ الوطن، وقيادتنا الرشيدة بقرب حلول الذكرى الـ50 لتأسيس الدولة، ونحن نتطلع بكل ثقة وأمل إلى السنوات الخمسين المقبلة.

بالطبع لقد حققت الإمارات الكثير من الإنجازات على صعيد الحراك الثقافي والإبداعي خلال السنوات الماضية، قدمت خلالها إلى العالم مُثقفين، وفنانين، ومُبدعين، وحققت العديد من الإنجازات، وأسهمت في رفد الحركة الثقافية في المنطقة، لذا يمكن اعتبار أن تجربة الإمارات «فريدة جداً، وغير تقليدية»، حيث نجاحاتنا ملحوظة، وملموسة في المجال الثقافي والإبداعي، وفي غضون 50 عاماً نجحنا في إقامة بنية تحتية ثقافية، وإبداعية متميزة.

كما دأبت الدولة على إنشاء العديد من المسارح والمتاحف والمكتبات العامة، ودعمت مجموعة من الفعاليات والمعارض الوطنية النوعية في مجال الفنون، التي نجحت في استقطاب فنانين ومُبدعين من شتى أنحاء العالم. ونفخر بأن قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية برز ليكون من بين أول 10 صناعات وطنية مساهمة في الناتج المحلي الإجمالي.

2 ما أبرز استراتيجيات الصناعات الثقافية التي تم اعتمادها، وآليات الوزارة في عملية تطويرها؟

بدأت الوزارة في استراتيجيتها بالتركيز على المبادرات التأسيسية التي من شأنها تعزيز حوكمة إدارة ملف الصناعات الثقافية والإبداعية، ونتيجة لذلك نجحنا في جذب اهتمام المؤسسات الحكومية، وتوجيهها نحو هذه الصناعات لما فيها من ارتباط وثيق بالأجندات الوطنية مثل التنويع الاقتصادي، ومكانة الدولة عالمياً، وملف المواهب، وملف السعادة، وجودة الحياة، ولا يخفى على الجميع اهتمام الجهات الحكومية وجهودها المُعلنة أخيراً في هذا المجال.

وقد عملنا على تأسيس قطاع متخصص داخل الوزارة يشرف على أداء هذه الصناعات ويقف على تحدياتها، وشكلنا مجلساً للصناعات الثقافية والإبداعية يضم كافة متخذي القرار لمناقشة الصعوبات وتذليلها أمام الصناعات للنمو والانتعاش، كما طورنا استراتيجية متكاملة عشرية مع شركائنا، ضمت أكثر من 40 مبادرة وتركز على 3 محاور:

تتمثل في دعم الموهوبين والمبدعين في مختلف مراحلهم التعليمية والمهنية، وتحفيز بيئة الأعمال للمنشآت والأفراد من الناحية التشريعية وحماية الملكية الفكرية وتنشيط التجمعات الإبداعية، وتمكين بيئة الأعمال من ناحية التمويل والدعم الفني.

كما نعمل حالياً مع المركز الإحصائي على مشروع وطني متكامل لتطوير إطار إحصائي يقيس مؤشرات أداء قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية ويزود أصحاب القرار بالبيانات والمؤشرات المهمة حول هذا القطاع.

3 إلى أي مدى نجحت وزارة الثقافة في إشراك القطاع الخاص في عملية تطوير الصناعات الإبداعية والثقافية، وما شكل هذا التعاون؟

معظم مبادرات الوزارة أو مبادرات الجهات الحكومية المحلية التي تم تنفيذها خلال الـ 10 سنوات الماضية كانت وما زالت تتم من خلال الشراكة والتنسيق مع القطاع الخاص، سواء على صعيد الدعم اللوجستي أو التشغيل والتنفيذ، خصوصاً في مجالات بناء وتطوير البنى التحتية أو الأصول الثقافية أو تلك المتعلقة بالفعاليات الوطنية في مجالات الفنون والمعارض، وبلا شك أن شراكتنا مع القطاع الخاص تتطور بشكل كبير، لأجل خدمة الوطن وأهدافه الاستراتيجية.

وتحضيراً للخمسين عاماً المقبلة، فنحن نقوم حالياً بدراسة الكثير من الفرص المتاحة للشراكة مع القطاع الخاص، بما يتعلق بتشغيل الأصول الثقافية والشبابية (المراكز الإبداعية).

4 ما أبرز تحضيراتكم للمؤتمر العالمي للاقتصاد الإبداعي، وما طبيعة الفوائد التي ستعود على الدولة واقتصادها الإبداعي من هذا المؤتمر؟

لقد عملنا بمجهود كبير حتى ننجز دورنا في معرض «إكسبو 2020 دبي»، الذي يعد منصة حيوية للتعريف بثقافة الإمارات وتميزها الفكري وأيضاً لتدعيم دور الإمارات في نسج لوحات تناغم ولقاءات الحضارات وجعل الثقافة والابتكار ركيزتي نشر السلام والمحبة في المعمورة.

وقد فرضت أهمية الحدث العالمي علينا استقدام أحداث ثقافية عالمية لمواكبة الحدث وإبراز الدور الثقافي، ومن هنا نبعت فكرت استضافة المؤتمر العالمي للاقتصاد الإبداعي ليكون الأول من نوعه في العالم، وهو بمثابة منتدى لممثلي الحكومات والجهات الفاعلة في الصناعات الثقافية والإبداعية، لتبادل الأفكار لإقامة أساس مشترك، والتغلب على التحديات ومناقشة الفرص داخل الاقتصاد الإبداعي.

وقد وضع المؤتمر العالمي للاقتصاد الإبداعي اتجاهاً جديداً لتنمية وتعزيز الاقتصاد الإبداعي العالمي، من خلال التعاون والعمل المشترك الدوليين. وسيُقام المؤتمر العالمي للاقتصاد الإبداعي 2021، في مركز دبي للمؤتمرات، في موقع معرض «إكسبو 2020 دبي» خلال الفترة من 7 إلى 9 ديسمبر المقبل، وسيجمع المؤتمر ممثلين عن الحكومات وصناع السياسات والمنظمات الدولية والخبراء ورجال الأعمال والمبدعين.

ويهدف المؤتمر إلى إطلاق العنان للخيال والإلهام والإبداع وخلق بيئة اتصالية تتيح الفرص لتبادل الخبرات، وبناء الجسور نحو التعاون والتمكين المعرفي من خلال المبادرات والبرامج المصاحبة للمؤتمر، وتأكيد مكانة الإمارات كرائدة في الإبداع والابتكار والاستثمار في الاقتصاد الإبداعي. كما تستعد نطلق قمة اللغة العربية في «إكسبو 2020 دبي» في إطار دعم اللغة العربية واستشراف مستقبلها.

5 إلى أي حد تمكن البرنامج الوطني لدعم المبدعين من دعمهم فعلاً، وتوفير كافة احتياجاتهم ومتطلباتهم؟

انطلاقاً من المسؤولية الوطنية التي وقعت على عاتق جميع شرائح المجتمع، بمساندة المتأثرين من جائحة «كوفيد19»، وعندما رصدت الوزارة نبض القطاع في بدايات الأزمة، قررنا إطلاق البرنامج الوطني لدعم المبدعين والذي استهدف بشكل أساسي تقديم منح مالية للأفراد المستقلين والشركات الناشئة، ورواد الأعمال في مجالات قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية.

وذلك لمساعدتهم على الصمود وتجاوز الصعوبات الحرجة الناجمة عن «كوفيد19» لضمان استدامة عطائهم للمجتمع والوطن، ونجح البرنامج في تقديم الدعم لنحو 140 فرداً وشركة ضمن مرحلتين.

6 ما توقعاتكم لنسبة مساهمة الصناعات الثقافية والإبداعية في الناتج الإجمالي المحلي خلال العام الجاري والعام المقبل؟ وإلى أي حد يمكن أن تؤدي هذه النسبة إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة؟

إن قياس نسبة مساهمة الصناعات الثقافية والإبداعية في الناتج الإجمالي المحلي تعتبر نقطة خلاف مثيرة بين كافة الدول، وذلك بسبب اختلاف تعريف المنتجات الثقافية والإبداعية لديها، وتعدد الصناعات المدرجة ضمنها وتداخلها مع القطاعات الاقتصادية الأخرى، لذا لا يوجد منهجية موحدة مباشره للقياس متفق عليها عالمياً.

كما هو متوفر للصناعات الأخرى، ومع تفهمنا لذلك فقد بادرت الوزارة بالتعاون مع المركز الإحصائي والمنظمة العالمية للملكية الفكرية لوضع إطار إحصائي مستدام لقياس مساهمة الصناعات للناتج المحلي، وقياس مجموعة أخرى من المؤشرات الاقتصادية لها، ووفقاً للأرقام الأولية نتوقع أن تكون نسبة مساهمة الصناعات الثقافية والإبداعية بالدولة بين 2.9 % إلى 3.5 %.

7 كيف ترون حجم فرص العمل التي تمكن قطاع الثقافة والإبداع من توفيرها مستقبلاً؟

تضم هذه الصناعات عشرات الآلاف من المنشآت العاملة به على اختلاف حجمها وتوفر مئات الآلاف من الوظائف، وفي هذا السياق، أشارت مؤسسة نيستا البريطانية المتخصصة في البحوث والسياسات إلى أن ما يميز الصناعات الثقافية والإبداعية هو حجم القوى العاملة الإبداعية التي تعمل لدى الصناعات الأخرى، فلا يخفى على أحد حاجة أي صناعة إلى مبدع، وبالتالي نحن نتحدث عن مئات الآلاف من الوظائف الإبداعية التي توفرها هذه الصناعات أو تلك الوظائف التي تحتاج إليها الصناعات الاقتصادية الأخرى، فالفرص كبيرة الآن وستزداد في الـ 50 عاماً المقبلة.

8 تمتاز الإمارات بتنوعها الثقافي، الذي أصبح إحدى الركائز الأساسية في تطوير الدولة ورؤيتها، كيف استفادت الوزارة من هذا الجانب في عملية تطوير الصناعات الإبداعية والثقافية؟

تضم الإمارات نحو 200 جنسية تعيش بود وتسامح ومحبة على أرضها الطيبة، وهذا التنوع هو جزء من التلاقي الإنساني والحضاري المميز الذي تمتاز به الدولة، والذي ينعكس على مجمل الصناعات الثقافية والإبداعية، حيث يوفر التنوع الثقافي بالدولة أسواقاً متعددة للمنتجات الفكرية والإبداعية لا تنحصر بثقافة معينة.

وبالتالي تزداد خيارات الإنتاج الإبداعي وعددها ونوعيتها، وتسهل عمليات ترويجها ونشرها واستهلاكها، ما يعود بالنفع على الصناعات الثقافية والإبداعية والعاملين فيها.

وقد استغلت الوزارة هذا التنوع بشكل إيجابي في تصميم العديد من المبادرات والمشاريع، مثل مبادرة «جائزة البردة» التي تسلط الضوء على الثقافات الإسلامية والفن الإسلامي لعدد كبير من المقيمين على أرض الإمارات ومن الخارج ليصبحوا سفراء للجائزة، إضافة إلى العديد من البرامج الثقافية الداعمة للشباب، وتلك المنظمة لقطاع الإعلام.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أننا في الإمارات نمتلك بيئة تشريعية وتنظيمية جاذبة في مجال تطوير الصناعات الإبداعية والثقافية، جعلت من دولتنا مركزاً إقليمياً، وقد عزز من ذلك وجود نحو 46 منطقة حرة تشتمل على 18 منطقة تتركز فيها المنشآت الإبداعية الصغيرة والمتوسطة.

9 كيف لعبت قوة البنية التحتية التي تتمتع بها الدولة وجملة التسهيلات التي تقدمها للمواهب وأصحاب الإبداع والمهارات الملهمة في تحويلها إلى منطقة جذب، وانعكاس ذلك على القطاع؟

تتمتع دولة الإمارات بمميزات كبيرة جعلتها اليوم في مصاف الدول المتقدمة في استقطاب المبدعين وأصحاب الخبرات والموهوبين، وقد ساهمت الوزارة في «التأشيرة الذهبية للمبدعين»، للأشخاص سواء المقيمين داخل الدولة، أو حتى الراغبين في الإقامة بدولة الإمارات، وهي خطوة تستشرف فيها الإمارات المستقبل بشكل استراتيجي عبر الاستثمار في الطاقات الشابة والمبدعة والموهوبين.

ومن جانب آخر، نعمل في الوزارة على تحقيق رؤية قيادتنا الرشيدة بتقديم كل الدعم للمبدعين والموهوبين، حيث قدمت الإمارات خلال السنوات الماضية دعماً لمئات الفنانين ما أسهم في تمكين القطاع الثقافي ومن المبادرات المهمة في المجال إعطاء منحة لـ 10 فنانين لإنتاج أعمال فنية مستوحاة من الفن والثقافة الإسلامية.

10 ما أبرز استعدادات الوزارة للاحتفال بمرور 50 عاماً على الاتحاد، واستراتيجية الوزارة للمستقبل؟

سنستقبل الخمسين المقبلة برؤية واضحة، بعد إعادة هيكلة الوزارة أخيراً وتعظيم اختصاصاتها ومسؤولياتها تجاه المجتمع الإبداعي والثقافي وتجاه شريحة الشباب، عماد الدولة ورأس مالها الحقيقي، فمن المنظور الثقافي والإبداعي نرى أن محور عملنا في الخمسين عاماً المقبلة سيكون حول دعم المبدعين والمثقفين وتحفيزهم على الإنتاج الفكري والإبداعي.

وتقوم الوزارة بتوجيه وتركيز جهودها نحو تحقيق نمو ملموس في صناعاتنا الثقافية والإبداعية تحقق من خلاله الاستدامة المالية للعاملين بها.

أما من منظور القطاع الإعلامي، ستركز الوزارة جهودها بالفترة المقبلة على إحداث نقلة نوعية بتشريعاتها وخدماتها الإعلامية، نقلة تواكب بها متطلبات القطاع الإعلامي وتراعي أسس نهضته في الخمسين المقبلة، فضلاً عن ضرورة مراعاة التطور التكنولوجي والرقمي غير المسبوق.

وستطلق الوزارة أجندة وطنية متكاملة للشباب تركز فيها على أن يكون الشباب الإماراتي ذوي رؤية وقدرة على التخطيط للمستقبل، وبناء قدراتهم ودعمهم لقيادة المستقبل، كي يساهموا في مسيرة التنمية بالدولة، ويحافظوا على هويتها.

 

Email