نصف قرن ثورة عمرانية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يتحقق لدولة ما على مر التاريخ ما حققته الإمارات، خلال 5 عقود من تطور هائل في العمارة والمدن الحضرية والتشريعات المتعلقة بتنظيم البناء والتشييد، وتسجيل وتوثيق الملكية العقارية، فالنقلات الضخمة الإنسانية رافقتها العمرانية ضمناً، فتنوعت بين التاريخي الأصيل وبين الحداثي والمعاصر، وتركزت أولويات بناء الدولة العصرية على الإنسان نفسه، ليصنع ثورة عمرانية وتنموية ضربت في أعماق الأرض بمشروعات بنية تحتية متطورة وأفقياً بمدن ضخمة وصعوداً بقمم ناطحات السحاب في مشهد تزينه ألوان نهضة شاملة صعدت بالدولة وبشعبها إلى صدارة دول العالم، ونجحت على مدار نصف قرن، في رحلة عبور من قلب الصحراء إلى قمم المجد الإنساني المعبد بجسور التنمية الشاملة، والمحافظة على تراثها وثقافتها وهويتها وانتمائها العربي والإسلامي.


بناء الإنسان والعمران


في بدايات رحلة الازدهار مليون قصة وقصة، ولعل أكثر المحطات أهمية في مسيرة دولة الاتحاد، هو بناء الإنسان قبل بناء العمران، فانطلقت قاطرة التنمية الشاملة في كل ربوع الوطن، في التعليم والصحة والإسكان والبنى التحتية وتأسيس الدوائر الحكومية وبناء قضاء عادل وقوانين وتشريعات ضامنة للحقوق.

أول أشكال البيوت في الإمارات قديماً، حيكت من شعر الماعز وصوف الغنم، وهناك بيوت من سعف النخيل، وكانت تأخذ شكل المربع أو المستطيل ولها بأبواب ونوافذ صغيرة جداً، وبيوت أخرى بنيت من مزيج الماء والتراب أو من الطين والتبن والطوب الخفيف. وتشكل مادة الطين حجر الأساس في البيوت الإماراتية القديمة، التي سادت في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، بعض هذه البيوت ما زال قائماً. كان للعمارة الطينية في الإمارات تاريخ ومكانة خاصة، لأن أغلبية القلاع والحصون هي في الأساس ذات منشأ طيني، سواء في مدينة العين أو غيرها من المناطق المتفرقة في الجغرافيا الإماراتية، وقد ظهرت بيوت الطين في مرحلة لاحقة لبيوت العريش، وكانت تلك البيوت تتشابه من حيث فكرة البناء وتوزيع الغرف مع البيوت.

عاش السكان في تجمعات تسمى «الفرجان» ومفردها «فريج»، وكل منها يضم ما يراوح بين 4 إلى 6 منازل، يتعارف أهلها ويتواصلون، ويجتمعون على الخير والحب والتعاضد، ويتعاونون على جميع الأعمال، ويتبادلون الطعام والشراب،


تطور تاريخي


يوضح التطور التاريخي، والواقع الاجتماعي لدولة الإمارات العربية المتحدة أن سكان الإمارات كانوا ينتمون إلى مجموعتين، الأولى: البداوة، والثانية: الحضر، وكانت الأسرة هي النواة الأساسية للقبيلة، وتمثل النموذج الأمثل للأسرة الأبوية، أما فرجان الحضر في فترة الخمسينيات والستينيات فكانت تضم «عرشان» متناثرة، وقد يصل عدد البيوت في الفريج إلى 30 بيتاً، كما في فرجان جميرا في دبي، التي كان سكانها يعملون في البحر، سواء صيد الأسماك أو الغوص على اللؤلؤ، وكانوا يمتلكون قوارب صيد وسفناً في بعض الأحيان، ومع اختلافها من مكان إلى آخر، تظل هناك ملامح عامة كانت تجمع بين مختلف الفرجان في الإمارات، فيتكون الفريج من بيوت العرشان أو الطينية متراصة ومتجاورة، وغالباً ما كانت تصنع سقوفها من المدر والطين، وهي مواد متوافرة في البيئة المحلية، وكانت تتناسب مع طبيعة المناخ في المنطقة، وتعمل على التكيف معها، وتنساب بين هذه البيوت سكك ضيقة تعرف باسم «سكيك»، وممرات كانت معظم الوقت تعج بحركة سكان الفريج.


نقلة عملاقة

يمثل الإسكان علامة فارقة في رقي الشعوب ونهضتها حيث إنه من متطلبات الاستقرار في حياة الأفراد والمجتمعات، لهذا أولت الدول والحكومات اهتمامها البالغ بتوفير المسكن الملائم لجميع الأفراد فيها كونه عاملاً من عوامل الاستقرار والرقي.

ويعد قطاع الإسكان أحد أهم الملفات التي سعت الإمارات إلى الارتقاء بها سعياً لتحقيق الاستقرار الاجتماعي للأسر، وتوفر مقومات الحياة الكريمة والرفاه والسعادة لأبنائه، وهو ما تعكسه آليات التوزيع التي تشمل المنح المجانية والقروض الميسرة، والإعفاء من سداد القروض.

إن المُتابع لتاريخ الإمارات يدرك تماماً مدى الجهد الهائل المبذول في تطوير عملية الإسكان فيها، منذ أن وحدها رائد نهضتها المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي شيّد بسواعده وعبقريته وفكره الثاقب وحنكته المتمرسة دولة ثرية زاهرة مزدهرة في الداخل يحترمها ويعجب فيها كل من الشرق والغرب، وجاء برنامج الشيخ زايد للإسكان ليكمل هذه المسيرة الخضراء، التي أبهرت العالم بروعتها وتمازج ألوان طيفها السحرية، وليوفر الحياة الكريمة لكل مواطن يعيش على أرض دولتنا الفتية.

وتولي حكومة الإمارات اهتماماً كبيراً لتوفير المساكن الملائمة لمواطنيها، وتقوم في هذا الخصوص بتوزيع الأراضي أو المساكن المجانية، أو قروض الإسكان، والمرافق السكنية والصيانة لمستحقيها من مواطني الدولة، وعلى المستوى الاتحادي تُعنى وزارة الطاقة والبنية التحتية بمسؤولة تنظيم قطاع الإسكان.

وأعلنت الإمارات عن العديد من المبادرات الخلاقة في مجال بناء المجمعات السكنية، سواء عبر إطلاق المجمعات الصديقة للبيئة وتوفير المرافق المجتمعية اللازمة، لضمان استقرار الأسر وتوفير متطلبات الحياة الكريمة لهم، أو عبر التسهيلات والمبادرات الرسمية التي تسعى إلى تسريع عملية صرف الأراضي وإعفاء المواطنين من القروض المترتبة على بناء منازلهم.


الاتحادي

شكل برنامج الشيخ زايد للإسكان منذ تأسيسه في العام 1999 إضافة مهمة وبارزة في المشروعات والبرامج، التي تهدف إلى توفير المسكن الملائم لكثير من شرائح المجتمع عن طريق تقديم المنح والقروض الإسكانية للبناء أو الاستكمال أو إجراء الصيانة الضرورية أو الإضافات على المسكن أو مسكن حكومي ضمن مجمع سكني، ويوفر البرنامج المنح والقروض لأبسط شرائح المجتمع دخلاً. وتعطى الأولوية للأيتام، والأرامل، والمسنين، وذوي الاحتياجات الخاصة.

وفي عام 2010، ضاعفت الحكومة الاتحادية الميزانية المخصصة لبرنامج الشيخ زايد للإسكان لتصل إلى 1.8 مليار درهم، لتمكينه من توسيع برامجه، وقد تلقى أكثر من 14,500 من الإماراتيين منازل جديدة خلال 2000-2012. وفي أبريل 2013، اعتمد برنامج الشيخ خليفة المشاريع التطويرية والسكنية بقيمة 800 مليون درهم إماراتي، والتي تتضمن بناء منازل جديدة وإصلاح القائم منها، كما اعتمدت لجنة متابعة مبادرات الرئيس أيضاً إنشاء أكثر من 760 منزلاً للمواطنين.


المحلي


على المستوى المحلي، توفر الإمارات الأعضاء في الاتحاد المساعدات السكنية ويشمل ذلك:

هيئة أبوظبي للإسكان: أُنشئت هيئة أبوظبي للإسكان في ديسمبر 2012، لتطوير وتنفيذ البرامج الإسكانية لمواطني أبوظبي، وإدارة برنامج القروض السكنية، وتنسيق جميع المشاريع المتعلقة بالإسكان. وأطلقت مبادرة «بيتي» لمواطني إمارة أبوظبي. ويوفر هذا البرنامج 58 تصميماً معمارياً مسبق الاعتماد. وقد تم تصميم المجمعات السكنية وفق معايير الجودة والكفاءة التي توفر الأمن والراحة للمواطنين.

مؤسسة محمد بن راشد للإسكان: تأسست في 2007، وتهدف إلى توفير السكن الملائم لمواطني إمارة دبي، وذلك من خلال تقديم كل الخدمات المتعلقة بإسكان المواطنين تحت مظلة واحدة من خلال بدائل متعددة:

•    منح الأراضي السكنية

•    منح المساكن الحكومية

•    منح المنازل الجاهزة

•    صيانة وتوسعة القائم من المساكن

•    منح قروض الإسكان، وفق السياسات والمعايير المعتمدة

هيئة تنمية المجتمع: تقدم هيئة تنمية المجتمع منفعة السكن المؤقت لأصحاب المنازل المتضررة أو غير الصالحة للاستخدام نتيجة الظروف الطبيعية القاسية، أو الكوارث.

أما برامج الإسكان في الإمارات الشمالية: فتشمل (دائرة الإسكان – الشارقة) و(برنامج الشيخ سعود للإسكان- رأس الخيمة).


مسيرة مبادرات خلاقة

تواصل الإمارات أطلاق العديد من المبادرات الخلاقة في مجال بناء المجمعات السكنية، سواء عبر إطلاق المجمعات الصديقة للبيئة، وتوفير المرافق المجتمعية اللازمة لضمان استقرار الأسر وتوفير متطلبات الحياة الكريمة لهم، أو عبر التسهيلات والمبادرات الرسمية التي تسعى إلى تسريع عملية صرف الأراضي وإعفاء المواطنين من القروض المترتبة على بناء منازلهم.

وتلعب لجنة متابعة تنفيذ مبادرات صاحب السمو رئيس الدولة دوراً مهماً في تعزيز حياة المواطنين، وتوفير خدمات متنوعة لهم في مختلف إمارات الدولة، وتعمل اللجنة على تنفيذ العديد من المشاريع على مستوى الإسكان والبنية التحتية والطرق والمرافق.

وتستحوذ المشاريع الخاصة بالإسكان على النسبة الأكبر من المشاريع التي تنفذها اللجنة ومن بين أبرز المشروعات التي تم تنفيذها مشروع «الفلاح»، الذي يندرج ضمن برنامج مساكن المواطنين، الذي يشرف عليه «مجلس أبوظبي للتخطيط العمراني»، بإنشاء ما يزيد على 13000 مسكن للمواطنين في إمارة أبوظبي.

كما تم إنشاء 1463 فيلا بتكلفة بلغت ملياراً و300 مليون درهم، موزعة على جميع المناطق، و22 مشروعاً لأحياء سكنية برأس الخيمة، و11 مشروعاً في الفجيرة، و6 مشاريع في الشارقة، و3 مشاريع في عجمان، ومشروعان في أم القيوين.

Email