قِيَمُ الإمارات.. روح العمل الجماعي

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ البدء، كانت الإمارات أرض العمل الجماعي الخصبة، ولكن في أواخر ستينيات ومطلع سبعينيات القرن الماضي، اتخذت هذه القيمة معنى سياسياً واجتماعياً متكاملاً، وأضحت لبنة أساسية من لبنات إرساء مشروع وطني نبيل وكبير: إنشاء دولة الاتحاد، الماثلة اليوم في كيان متماسك متوحد، يثير الإعجاب، ويدهش متتبعي التاريخ المعاصر بإنجازاته، وبما استطاع تحقيقه، وبالآفاق التي فتحها أمام مشروعه الوحدوي، من خلال العمل الجماعي المستمر والمتواصل، عاماً بعد عام.

وبالطبع، فإن العمل الجماعي لم يلغِ أهمية دور الأفراد، في مستويات القيادة، وكذلك في المستوى الاجتماعي. وبذا، كان يحتاج إلى توفر روح المبادرة والإيثار، وقيادة متبصرة ملهمة، تكسب بإخلاصها لروح العمل الجماعي كل أطرافه، لذا، لم يكن غريباً أن المشروع الثنائي الذي كان محور مباحثات المغفور لهما، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمهما الله، قد تحول بسرعة إلى مشروع جماعي، استقطب إخوانهما الآخرين من الآباء المؤسسين، الذين تضافرت جهودهم، معاً، لتصنع دولة لم تستجب للمتغيرات التي شهدها النصف الثاني من القرن الماضي وحسب، ولكن مثلت كذلك منصة وقاعدة صلبة للانطلاق بالمجتمع المتبلور حديثاً نحو المستقبل.

وفي الواقع، فإن الطفرات الهائلة التي شهدها العالم خلال السنوات العشرين الأخيرة من القرن الماضي، كانت تفوق في حجمها، ما حققته البشرية من تطور منذ اختراع الكتابة إلى حينه. وكان من الصعب مواكبتها، والسير في ركابها، من دون دولة موحدة، تستثمر الموارد، وتخلق الفرص، وتبتكر أساليب عمل جديدة، وتمنح الفرص للجميع بالمساهمة في مسيرة التنمية والبناء. كما لم يكن من الممكن إنشاء مثل هذه الدولة، دون توفر الإرادة الطيبة، ورح العمل الجماعي في المجتمع. تماماً، مثلما أن روح العمل الجماعي، تتطلب مستوى من روح القيادة، بذلك الحس العالي من المسؤولية التاريخية، الذي توافر لدى الآباء المؤسسين.

وإن كان أثر روح العمل الجماعي واضحاً وبيناً في المرحلة الأولى من عمر الإمارات العربية المتحدة، التي امتدت على مدار ثلاثة عقود، وشهدت إنجاز مشروع إنشاء دولة الاتحاد، وترسيخ أركانها، ثم ترسيخ هويتها دولةً عصرية، فإن المرحلة الثانية، شهدت توسعاً وتعميقاً لمفاهيم العمل الجماعي، وتعزيز روحه في المجتمع، وفي العمل الحكومي، وكذلك في العلاقة مع القطاع الخاص. ما أتاح تحقيق طفرة إنجازات هائلة، وتحولات جذرية، للانتقال بالدولة من قائمة الدول النامية، إلى مصاف الدول القائدة في الاقتصاد العالمي، وفي تعزيز الأمن والاستقرار الدوليين.

وما يلفت الانتباه هنا، هو أن روح العمل الجماعي، أثمرت من خلال التوسع فيها، وتعميق حضورها، أثمرت تحولات نوعية في الإنسان الإماراتي نفسه، الذي بات اليوم عنصراً فعالاً وقيادياً في دولته ومجتمعه، وإدارياً مبتكراً، ومتمكناً من أساليب العمل والإدارة الحديثة، وكفؤاً في التعامل مع مفردات العصر، في الاقتصاد والسياسة والأعمال... إلخ.

وهذا فضل القيادة الرشيدة، التي واصلت العمل والبناء، على ما أرسى أركانه الآباء المؤسسون، وابتكرت معاني وأساليب جديدة خلاقة للعمل الجماعي، وترسيخ حضوره قيمةً إماراتية أصيلة.

yaser.musa@albayan.ae

Email