أكد مختصون في الطب النفسي وعلم النفس الإكلينيكي أن تعزيز الصحة النفسية لجميع أفراد المجتمع بلا استثناء، يتصدر أولويات واهتمامات دولة الإمارات، وذلك من خلال وضع استراتيجيات وإطلاق برامج ومبادرات دعم، بحيث تسهم في بناء مجتمع صحي ومتوازن. وعلى الرغم من زيادة الوعي بمفهوم الصحة النفسية وماهية سبل المحافظة عليها، إلا أنه لا تزال هناك فئة من المصابين بالأمراض النفسية تتجنب طلب المساعدة الطبية بسبب «النظرة السلبية» التي لا يزال يوصم بها الذين يعانون من أمراض نفسية، ويرجع ذلك إلى أسباب عدة، منها الجهل وغياب الوعي بالمرض النفسي الذي تتفاوت درجاته. ويؤكد المختصون لـ«البيان» أهمية دور الجهات المعنية التي تأخذ على عاتقها تعزيز الوعي المجتمعي بالصحة النفسية، بهدف تجاوز المفاهيم المغلوطة بشأن طلب المساعدة النفسية من الجهات والمراكز المختصة عند الحاجة.

وفي هذا الإطار، يقول الدكتور عادل كراني، استشاري الطب النفسي: «تؤثر الصحة النفسية على سلوكيات الأفراد، وأفكارهم ومشاعرهم، بل وينعكس ذلك على حياتهم اليومية، وقدرتهم على التكيف مع الضغوط النفسية. نعم، هناك فئة في المجتمع ما زالت تخاف وتخجل من اللجوء إلى الطبيب النفسي، وللأسف لا تدرك تلك الفئة أن لها الحق في الحصول على العلاج المناسب وبجودة عالية».

وأشار الدكتور كراني إلى أن عدم استشارة طبيب نفسي يؤدي إلى تدهور حالة المريض، لذلك من الأفضل الإسراع في عملية العلاج. مشيداً بحرص الجهات المعنية في الدولة على تعزيز الصحة النفسية، وتعزيز الوعي المنبثق عن السياسة الوطنية لتعزيز الصحة النفسية.

غياب الإدراك

بدوره، قال الدكتور آرام حسن، استشاري الطب النفسي والصدمات النفسية: «نعم، لا يزال هناك قصور في مفهوم طلب المساعدة من الطبيب النفسي من قبل فئة من المرضى، على الرغم من أن دولة الإمارات تولي أهمية كبرى للرعاية والصحة النفسية التي تعتبرها جزءاً لا يتجزأ من الصحة العامة، وعاملاً رئيسياً في رفاه المجتمع واستقراره».

وأضاف: «لذلك يجب على الشخص الذي يعاني مرضاً نفسياً عدم الخشية من الذهاب إلى الطبيب، وأن يتجاهل تماماً فكرة أنه سيوصم من قبل المجتمع بأنه يعاني خللاً ما، فإن لم يذهب لطلب العلاج، فهذا يرجع في المقام الأول إلى عدم القدرة على إدراك الوعي بالمرض النفسي».

نظرة المجتمع

من جهتها، أوضحت وفاء فيصل البريكي، طالبة الماجستير في علم النفس الإكلينيكي والموظفة في قسم علم النفس الإكلينيكي بجامعة الإمارات، أن ظروف الحياة المختلفة تضع بعض الأشخاص وللأسف الشديد تحت ضغط نفسي أو عصبي ما يستدعي ذهابهم إلى طبيب نفسي، في مقابل إحجام فئة من المرضى عن العلاج بسبب نظرة المجتمع، حيث يخجل المريض من المرض النفسي وقد يخشى البوح والحديث عما يعاني منه. مشيرة إلى أن الجهات المعنية في الإمارات تحرص كل الحرص على دعم وتمكين المرضى النفسيين من خلال البرامج العلاجية والتوعية المتخصصة.

تحديات

وفي السياق ذاته، أشارت شيماء عبدالرحمن المخلافي، طالبة الماجستير في علم النفس الإكلينيكي، إلى أنه من الضروري الاهتمام بالصحة النفسية، فهناك الكثير من التحديات التي تواجه المريض النفسي، وتؤثر في حالته النفسية والصحية، ولعل أبرزها نظرة المجتمع الناجمة عن غياب ثقافة مجتمعية في هذا الإطار. وأضافت: «لا أبالغ إن قلت إن من التحديات التي تواجه المريض النفسي أيضاً حذر بعض الأسر من إظهار مرض ذويهم المصابين بالأمراض النفسية، وتجنب اصطحابهم إلى طبيب نفسي، الأمر الذي يؤخر عملية التشخيص، وبالتالي العلاج».

استثمار الحلول

من جانبها، قالت مريم يوسف، مساعدة باحث في جامعة الإمارات، إن «أبرز تحديات الصحة النفسية تكمن في الخجل الاجتماعي ونظرة الناس، وأيضاً الجهل بمفهوم اضطرابات الصحة النفسية وطرق علاجها، فضلاً عن اللجوء إلى الأطباء المختصين في مرحلة متأخرة من المرض».

وتابعت: «لذا فإن من الضروري زيادة الوعي المجتمعي بشأن قضايا الصحة النفسية، واستثمار الحلول الرقمية والتكنولوجية ومنصات التواصل الاجتماعي باختلافها وتنوعها في تعزيز الصحة النفسية، وإنشاء منصة موحدة بحيث تضم جميع القطاعات والجهات العاملة والطواقم المتخصصة في مجال الصحة النفسية والطب النفسي، لبحث القضايا والحلول والمستجدات ذات العلاقة في هذا المجال المهم، وذلك على المستويين المحلي والدولي».

وقاية

بدورها، لفتت فاطمة الزعابي، طالبة الماجستير في علم النفس الإكلينيكي، إلى أن «من المهم أن تجد ثقافة الذهاب إلى الطبيب النفسي مساحة أكبر لدى الجهات المعنية، فهناك أشخاص حتى يومنا هذا تقابلهم العديد من المشكلات التي ربما تؤثر في نفسيتهم، لكنهم يصرون على عدم الذهاب إلى الطبيب النفسي، حيث يجدونها فكرة غير مقبولة». واقترحت الزعابي أن تأخذ الجهات ذات العلاقة على عاتقها «تعزيز الصحة النفسية، وتعزيز الوقاية من الاضطرابات النفسية لكل فئات وأعمار المجتمع، وإجراء البحوث الخاصة بالصحة النفسية بغرض تطوير خدماتها».