رئيس جامعة حمدان بن محمد الذكية لـ« البيان »:

أوهام رائجة وراء ضعف الإقبال على التعلم الذكي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تستدعي الوتيرة المتسارعة للتقدم التكنولوجي تغييرات مهمة في قطاع التعليم، وفي حين يقدم التحول الرقمي للجامعات الكثير من الوعود المستقبلية، فإن التحديات التي تواجهها الجامعات في هذا الشأن ليست قليلة الشأن.

ويوضح الدكتور منصور العور، رئيس جامعة حمدان بن محمد الذكية، في حوار مع «البيان»، ضرورة هذا التحول الرقمي، وكيف يمكن تبنّي أساليب ومناهج التعلم الذكي في مؤسسات التعليم العالي، لتضمن البقاء في حلبة المنافسة العالمية، بل والتقدم نحو صدارة المشهد.

وجزم الدكتور منصور العور بأن التعلم الذكي آتٍ لا محالة، وسلط الضوء على التحديات التي تعوق انتشار التعلم الذكي، ووضع الحلول الممكنة للتحديات التي تواجه مشهد التعلم الذكي على مستوى مؤسسات التعليم العالي على طاولة الحوار، كما أشار إلى بعض المفاهيم المغلوطة عنه، وما هي مقتضيات تسريع إقامة البنى التشريعية الملائمة لهذا النهج من التعليم على نحو يدعم التحول الرقمي المنشود.

ويقول الدكتور العور: هناك 4 تحديات رئيسية وهي الرغبة في الحفاظ على الوضع القائم، وتصورات ومفاهيم مغلوطة حول التعلم الذكي وماهيته، وعدم اكتمال البيئة التشريعية والقانونية والمالية الملائمة لهذا النوع من التعليم، وإحجام قوى اقتصاد السوق عن مساندة ومواكبة تطلعات مؤسسات التعليم التي تتبنى التعلم الذكي.

ويرى الدكتور العور أن هناك تحفظاً من قبل مؤسسات التعليم العالي إزاء التعلم الذكي، وأرجع ذلك إلى دوافع أبرزها الركون إلى التعليم، وأن التغيير ليس من أولويات الجامعات، مشيراً إلى أن التحول الرقمي يتطلب استبدال الأنظمة والأساليب والأدوات في كامل منظومة الأركان الأربعة للتعليم، المنهاج والمعلمين والطلاب وبيئة التعليم.

وأضاف إن هناك أيضاً تحفظاً نحو التطورات التي تشهدها قدرات الذكاء الاصطناعي، وهي تتصل بالشعور بإمكانية حلول تطبيقات ذكية محل العنصر البشري في البيئات الأكاديمية، وهو أحد التحديات التي يواجهها التعليم.

وأشار رئيس جامعة حمدان إلى أن الجامعة الذكية لها خبرة سابقة وتجربة عريضة مع هذا الموقف المتحفظ من التعلم الذكي، وهي خبرة يمكن الاستفادة منها والبناء عليها في تغيير الموقف نحو توظيف التقنيات الحديثة في البيئات الأكاديمية.

مفاهيم مغلوطة

ونوه الدكتور العور أن هناك مجموعة من التصورات الشائعة حول منظومة التعلم الذكي أبرزها الخلط بين التعليم عن بُعد والتعلم الذكي، ويوضح إن كل تعلم ذكي هو تعليم عن بُعد، لكن العكس ليس صحيحاً، ويستطرد قائلاً: إن هذا الخلط تعزز خلال جائحة كورونا لدى بعض أولياء الأمور الذين تحملوا عبئاً كبيراً خلال تلك الفترة.

وأشار إلى أن التصور الخاطئ الثاني هو أن التعلم الذكي لا يلائم جميع الدارسين وإنما فئات معينة فقط مثل الموظفين وربات المنازل والمنقطعين عن التعليم، مؤكداً أن الجامعة الذكية تستوعب جميع الدراسين من كل الأعمار.

ويدور ثالث تصور خاطئ في أن مؤسسات التعلم الذكي تتهاون في جودة التعليم وجودة مخرجاته، مما يؤثر سلباً على ثقة سوق العمل في إيقاع مخرجات هذا النوع من التعليم.

وأكد الدكتور العور ضرورة تصحيح هذه المفاهيم المغلوطة عن التعلم الذكي، استعداداً للتغيرات الشاملة في مشهد التعليم، والتي هي لا محالة قادمة، ويرى أن وسائل الإعلام تتحمل نصيباً من مسؤولية تنبيه الجمهور إلى مزايا التعلم الذكي، وأهمها تمكين الجامعات ومؤسسات التعليم من إكساب منتسبيها من الطلاب المهارات التخصصية إلى جانب المعارف الأكاديمية، وهي ميزة تكاد تكون حكراً على هذا النهج في التعليم.

سياسات وإجراءات

وأوضح الدكتور العور أن دولة الإمارات سباقة في إدراك أهمية التحول الرقمي وإطلاق مبادرات في هذا الشأن بما في ذلك التعلم الذكي.

كما بادرت منذ عقدين إلى اعتماد هذا النهج الجديد في التعليم، بدليل ترخيصها واعتمادها لجامعة حمدان بن محمد الذكية، إلا أن مواكبة التطورات العالمية فيما يخص اندماج التقنية والتعليم تتطلب تسريع وتيرة استصدار التشريعات والقوانين الداعمة لتسريع التحول الرقمي، بما ينعكس إيجاباً على انتشار التعلم الذكي وتحسين صورته لدى سوق العمل.

ويرى أن توافر بيئة متكاملة من السياسات والقوانين الملائمة بما يستجيب لمتطلبات التعليم العصري يوفر الدعم والحماية الضرورية للجامعات، ويحفز الجامعات على تطبيق تقنيات التعليم القادمة، ويضمن جودة اعتماد برامج هذه الجامعات ويعزز ثقة سوق العمل بجودة مخرجاتها.

وأضاف إن هذه البيئة التشريعية الملائمة ستسهم في إرساء المعايير والإرشادات الخاصة بترخيص وتطوير برامج التعلم الذكي والتأكد من جودتها وكفاءتها، مشدداً على أهمية عقد الشراكات بين مؤسسات التعليم العالي وقوى اقتصاد السوق الفاعلة، وتشجيعها على الاستثمار في مبادرات وأنشطة التعليم العالي في المنطقة.

وتشجيع تحالفات تعليمية استثمارية تضع في أساس توجهاتها أفضل الممارسات في التعلم الذكي.

وفي هذا دعم للابتكار في قطاع أبحاث وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي الجديدة، حيث تشهد مؤسسات التعليم العالي في الوطن العربي نقصاً شديداً في الموارد المالية والبشرية. ويرى الدكتور العور أنه في غياب الشراكات بين مؤسسات التعليم العالي والاستثمارات في قطاعات البحث والتطوير، تبقى الجامعات مستثناة من المساهمة بدورها المنوط به في الحراك الاقتصادي.

منظومة ثلاثية

ويقول الدكتور منصور إن الجامعة الذكية أدركت مبكراً أهمية ريادة الأعمال كشريان للحياة الاقتصادية، فهو يمثل عصب اقتصادات الدول الكبرى في الغرب والشرق، لذلك رفعت الجامعة شعار «تخريج رواد أعمال لا طلاب وظائف»، وعملاً بهذا الشعار، ابتكرت الجامعة الذكية منظومة ثلاثية لتأهيل الدارسين والخريجين، حيث خرجت من عباءة الجامعات التقليدية.

وأوضح أن هذه المنظومة تستند إلى ثلاثة أركان أولها: الجمع بين إكساب الخريجين المعرفة الأكاديمية التخصصية والمهارات العملية التطبيقية ومن ثم استقطاب المتميزين في ريادة الأعمال في مشاريع ومنصات أعمال مثل منصة المواهب التي تحتضنها جامعة حمدان الذكية، والتي تستقطب المبتكرين والموهوبين في ريادة الأعمال، وثانياً:

النهوض بدورها في تنفيذ استراتيجية دبي للمناطق الجامعية الحرة التي تفضي لتحويل الجامعات الوطنية والخاصة إلى مناطق اقتصادية وإبداعية، وثالثاً: إطلاق مبادرة صندوق رأس المال المخاطر كأول مبادرة على مستوى العالم من قبل الخريجين.

وقال إن «الصندوق الاستثماري» نهض به خمسة من خريجي جامعة حمدان الذين أصبحوا بعد تخرجهم رواد أعمال، وهو عبارة عن مؤسسة مستقلة لها مجلس إدارة منفصل تحت مظلة الجامعة، ويهدف إلى دعم مشاريع الدارسين وتعزيز ريادة الأعمال ومواكبة رحلة دبي للتحول إلى مركز عالمي لريادة الأعمال.

وأشار إلى أن المبادرة تتناغم مع توجهات الدولة نحو تشجيع ودعم المشروعات الناشئة وجذب رأس المال الاستثماري، الأمر الذي يؤكده حلول دولة الإمارات في المرتبة الأولى على مستوى المنطقة في جذب رأس المال الاستثماري وفقاً لتقرير منصة «ماغنت» لأسواق رأس المال المخاطر وتمويل المشروعات الناشئة في المنطقة للعام 2022.

في هذا الصدد، أشار الدكتور منصور إلى ضرورة تجاوز الجامعات الوطنية لدورها الأكاديمي الضيق ونهوضها بدور فاعل في الخطة الاقتصادية كشريك أساسي في صناعة المستقبل.

10 خطوات

وحول خطوات التحول الرقمي أوضح الدكتور العور أن هناك 10 خطوات، وهي: إعداد استراتيجية التحول، وتأسيس ثقافة رقمية، والاستثمار في التقنيات والبنية التحتية، وإعادة تصميم العمليات والإجراءات، وتدريب العاملين والدارسين، وتعزيز الابتكار، ومراقبة ورصد وتقييم تقدم هذه الاستراتيجية، واستحداث تشريعات داعمة، وتعزيز استعداد الجامعات لهذا التحول.

ورصد تجربة الدارس خلال رحلة التعلم الذكي. وأكد أنه يجب الاستناد إلى عاملين أساسيين خلال عملية التحول الرقمي، وهما ضمان جودة المناهج وضمان جودة المخرجات، مشيراً إلى أن هذا التحول لا سيشمل حتماً الاعتماد على مستجدات التقنيات وتوظيفها في التعليم.

وحول برامج المحادثة الجديدة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، يرى أن هذه البرامج سوف تفتح الباب أمام تطبيقات لم تعرفها الجامعات من قبل، وستجعل على سبيل المثال التوائم الرقمية للأكاديميين والمعلمين أمراً ممكناً ومنتشراً في قاعات الدرس الافتراضية القائمة على تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز والميتافيرس وما سواها.

وأكد أن هذه التقنيات ستنتشر سواء في مؤسسات التعليم أم أي مؤسسات أخرى، وستتولى الروبوتات القيام بالأعمال الإدارية المساندة، ما يفسح المجال للإداريين والأكاديميين بالتركيز والالتفات إلى تجويد العملية التعليمية.

وقال إن الجامعة حريصة على التوسع عربياً، معتمدة في ذلك على تنويع أساليب التعليم ما سمح لها بطرح بعض برامجها في جمهورية مصر العربية على سبيل المثال. وشدد رئيس جامعة حمدان الذكية على أهمية قيام الجامعات بدورها المنوط في الحراك الاقتصادي الوطني، كونها المعنية بتوفير المعارف الأكاديمية والمهارات التخصصية للدارسين والمهنيين والعاملين ورواد الأعمال.

وإجراء البحوث العلمية وتسريع وتيرة الابتكار بالتعاون مع مختلف أطراف النشاط الاقتصادي مثل القطاع الخاص، ما يعني تأهيل رأس المال البشري وتوظيف رأس المال الاستثماري في خدمة المصلحة الوطنية.

وهذا ما تمحورت حوله العديد من الاستراتيجيات والخطط والمبادرات التي تطرحها القيادة الرشيدة وتركز عليه توجهات الحكومة في دولة الإمارات التي نجحت في تقديم نموذج يحتذى من دول المنطقة والعالم في استثمار إمكانيات رأس المال البشري ورأس المال المخاطر في قطاعات اقتصادية كثيرة ينبغي للتعليم أن ينضم إلى ركبها.

مساقان جديدان

كشف الدكتور منصور العور عن أن الجامعة ستقدم مساقين أكاديميين عبر تقنية الميتافيرس ابتداءً من العام المقبل 2023/‏‏2024، وهما مساقان في الصحة والتعلم الذكي، وأشار إلى اختيار الجامعة بدء هذه الدراسة في برامج الدراسات العليا، لضمان وعي الدارسين بهذه التقنيات، وبالتالي تفادي تحديات الأمن الإلكتروني، ونوه إلى أن مثل هذا التحول إلى التقنيات الحديثة يعتمد أولاً على التطور التقني المتاح في المنطقة التي تقدم فيها الجامعة خدماتها.

Email