«اقرأ بطلاقة».. تعالج الفاقد التعليمي لـ«العربية»

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

أفاد مختصون في اللغة العربية وتربويون، أن القراءة بطلاقة تعالج الفاقد التعليمي للغة، الذي عانى منه العديد من الطلبة خلال جائحة كوفيد 19، موضحين أن مهارات الطلاقة القرائية تتصدر المشهد من خلال تمكين الطالب من التعرف على الحروف حتى الانطلاقة إلى القراءة الآلية، وثانياً تساعد على فهم النص المقروء وتحديد الأفكار الرئيسة والفرعية، بالإضافة إلى أنها تعزز المهارات الكتابية من خلال التعرف على الكلمات المكتوبة وتهجئتها.

أظهر تقرير حول الفاقد التعليمي الناجم عن جائحة كوفيد 19 جاء بعنوان: «إعادة تعزيز التعلُّم الجيد للجميع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، صادر عن فريق عمل إقليمي مشترك من البنك الدولي واليونيسف واليونسكو، مع إسهامات من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والأونروا، أن ثلثي الأطفال في المنطقة لا يتقنون القراءة في سن العاشرة، وتشير التقديرات أيضاً إلى أنّ تعطيل الدراسة غير المسبوق أثّر على جيل كامل من الأطفال، وقد ينطوي على آثار طويلة الأجل.

وأكد مؤشر القراءة العربي أن المؤسسات التعليمية تعتبر أرضية ملائمة لنشر ثقافة القراءة لدى النشء، حيث تقع على عاتقها مسؤولية كبيرة تتعلق بإرساء وتثبيت هذه الثقافة لدى المتعلمين، وتعتبر نشر ثقافة القراءة لدى النشء من الأمور الضرورية لتكوين شخصيتهم وبناء ثقافتهم، وذلك يتم بدءاً من الأسرة، ثم المدرسة، ثم المجتمع بمؤسساته الحكومية والمدنية.

وبحسب مؤشر القراءة العربي وإتاحتها داخل الأسرة، فقد تراوحت بين 1,45 في الصومال، و94,84 في لبنان، وهذا فارق واسع يفسر ضعف المتوسط العربي، أما بخصوص باقي الدول العربية فقد تبين أن 11 دولة عربية تأتي فوق المتوسط (50 من 100)، فقد حصلت كل من الإمارات ولبنان ومصر والمغرب على درجات تفوق 80، فيما الأردن وتونس وقطر والبحرين حصلت على درجات بين 60 و75، أما فلسطين والجزائر فحصلتا على 50، وأخيراً اليمن وموريتانيا وجيبوتي وجزر القمر والصومال فحصلت على درجات لم تبلغ عتبة العشرين.

دليل

ومن جانبه، قال عيسى الحمادي مدير المركز التربوي للغة العربية لدول الخليج، وأستاذ مساعد بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية: إن أبرز القضايا التربوية والتعليمية التي نتجت عن جائحة كوفيد 19 هي الفاقد التعليمي، التي تم حصرها في 4 مواد رئيسة، هي: اللغة العربية والإنجليزية والرياضيات والعلوم، موضحاً أن الفاقد التعليمي في عناصر اللغة العربية يشمل التراكيب والمفردات والأصوات، التي لا يمكن للمتعلم القراءة من دون معرفتها، ولن يستطيع التعلم، كما أنه سيفقد المهارات والمعارف، لذلك تعد القراءة مدخلاً لتعويض هذا الفاقد، وذلك في المراحل الأولى، أما في المراحل الثانية فيكون الطالب قد تمكن من أساسيات القراءة ومن عناصر اللغة.

وأوضح أن ذلك يتم من خلال توظيف القراءة في تلك المواد الأربع، وتعويضه بحصص إضافية تحت ظل مبادرة لتعويض الفاقد التعليمي، أو تخصيص ساعة يومياً لتعويض الفاقد التعليمي، كما أوصى بإصدار دليل خاص للفاقد التعليمي يتضمن جميع المواد والمراحل يكون مرجعاً يستند إليه المعلمون والمختصون والإداريون، وتتم متابعة نتائج هذا الفاقد من خلال آليات أو أدوات قياس هذا الفاقد، ولعل هذا البرنامج العلاجي للفاقد في اللغة العربية للمراحل المتقدمة يشارك فيه الطالب الذي تمكن وتعلم أساسيات القراءة، بحيث تكون القراءة معيناً لهذا البرنامج من خلال تكليف الطالب بمهام يقوم بتأديتها، فيعزز المهارات الكتابية أيضاً، ويقيم نتائجها، لكن في الصفوف الأولى يحتاج الطلبة إلى برنامج مستقل يركز على مهارات اللغة الأخرى، كالاستماع والتحدث، حتى نعزز لديه القراءة والكتابة، وبالتالي يتمكن من تعويض الفاقد التعليمي لديه.

 

إجراءات

وقال الدكتور علي الحديبي، أستاذ تعليم اللغة العربية: نظراً لاستمرار الجائحة لأكثر من عامين دراسيين، فقد اتخذت الأنظمة التعليمية عدة إجراءات لتعويض الفاقد التعليمي في مجال تعليم اللغة العربية، كان من أبرزها تدريب المعلمين على استراتيجيات توظيف التقنية في تعليم اللغة العربية، مثل استراتيجيات التعلم القائم على الشبكة (الإنترنت)، والتعلم المدمج أو الخليط، والصف المعكوس أو المقلوب، وتوظيف بعض مواقع تعليم اللغة العربية، وبعض تطبيقات الجوال، بالإضافة إلى تطوير محتوى بعض مقررات اللغة العربية لتكون مناسبة مع متطلبات توظيف التقنية في التدريس، من خلال وضع بعض الأرقام التسلسلية (الباركود) في الكتاب الذي يدرسه المتعلم، سواء للشرح أو التوضيح أو التفسير أو الإثراء.

وتابع: تم تصميم عدد من الأنشطة اللغوية المناسبة للتعليم عن بعد، وتوظيف أدوات التقويم اللغوي الإلكترونية، خاصة في ما يرتبط بمهارات الاستقبال اللغوي (الاستماع - القراءة)، ووضع مقترحات للتغلب على صعوبة قياس مهارات الإنتاج اللغوي (التحدث والكتابة)، بالإضافة إلى تقويم عناصر اللغة العربية ومكوناتها الرئيسة (الأصوات - المفردات - التراكيب).

حملة توعوية

ومن جهتها، قالت المعلمة إيمان مصطفى، عضو في جمعية حماية اللغة العربية: إن الجمعية أطلقت مبادرة «اقرأ بطلاقة» من أجل توعية المجتمع والميدان التربوي بأهمية القراءة لتعويض الفاقد التعليمي من مهارات اللغة العربية لكافة الحلقات، مع التركيز على مهارات الطلاقة القرائية.

وأوضحت أن المبادرة تأتي لتعويض الفاقد التعليمي الواضح الذي أشارت إليه التقارير الرسمية الصادرة عن الجهات المختصة، وخصوصاً خلال فترة الجائحة.

وأشارت إلى أن المبادرة تعرف المجتمع بأهمية القراءة في معالجة تدني المهارات الكتابية وفهم النص المقروء، وتقوي تمكن الطالب في التعرف على أشكال الحروف وطرق نطقها.

ولفتت إلى أن اهتمام الجمعية بالقراءة نابع من الموجهات الوطنية وحرص القيادة الرشيدة على إثراء النواحي اللغوية والمعرفية للمجتمع بشكل عام، وللطالب على وجه الخصوص، وهو ما دفعها للتعريف بهذه المبادرات النوعية الداعمة لهذا الغرض، بحثاً عن طالب قارئ منتج منفتح على الآخر ويتمتع بمهارات القرن 21.

وتفصيلاً، قدمت المبادرة في مرحلتها الأولى التي تُعنى بتعلم الحروف 30 ساعة دراسية، وهو ما يعمل على إتقان المهارات المطلوبة، مستهدفة 200 طالب وطالبة.

تشارك

وبدورها، أكدت ليلى المناعي، مدير مدرسة الإبداع، أهمية التشارك المجتمعي لترسيخ القراءة لتصبح أسلوب حياة في المجتمع المدرسي، وتأصيل المفاهيم الداعمة التي توثق صلة الطالب بالقراءة، مشيرة إلى أن القراءة تمهد الطريق أمام الطالب نحو التعلم المستمر والتجدد في معارفه وطرق الوصول إليها، وبالتالي يكتسب مهارات حياتية إضافية، تحدث توازناً في شخصيته، وتنمي لديه الرغبة في التطور والتعلم الذاتي.

مبادرة

وأكد المعلم أيمن النقيب أهمية تعميم المبادرات البناءة على المجتمع المدرسي حتى تعم الفائدة، وأشار إلى أن تعليم اللغة في مختلف المراحل الدراسية يهدف إلى تنمية المهارات اللغوية (الاستماع - التحدث - القراءة - الكتابة)، وما يرتبط بهذه المهارات من مهارات تفكير، وأبعاد ثقافية، إضافة إلى تنمية المفردات والتراكيب اللغوية، والأصوات، والدلالة، ومن ثم فإنه من المتوقع بعد الانتهاء من كل درس، ومن كل وحدة، ومن كل صف دراسي، ومن كل مرحلة أن يتمكن المتعلم من عدد من المهارات والعناصر اللغوية المناسبة له وفقاً لمصفوفات المدى والتتابع التي حددت من قبل الخبراء والمختصين في تعليم اللغة.

وذكر أن القراءة بطلاقة تعالج الفاقد التعليمي، وخاصة لدى الأطفال، مشيراً إلى أن الاهتمام المبكر باللغة العربية، وبالقراءة تحديداً، مثل الاهتمام المبكر بتعليم اللغة الإنجليزية، يسهم في تحسين استراتيجيات تعليم اللغة العربية لدى الأطفال.

أسباب الضعف

وفي السياق ذاته، أكدت المعلمة رحاب أحمد مصطفى أهمية تحديد مظاهر ضعف الطلاب في اللغة العربية وتحديد أسباب ضعف المخرجات، التي قد ترجع إلى المتعلم نفسه ودافعيته لتعلم اللغة العربية، حتى تتمكن المدارس من تحديد الفاقد التعليمي، ومن ثم تناول جوانب الضعف في مهارات الاستماع والتحدث والقراءة والكتابة.

ولفتت إلى أهمية استخدام استراتيجيات حديثة في تعليم اللغة العربية، والقراءة بشكل يومي، من خلال تقديم نص مقروء بسيط، ومن ثم تقوية النص حتى نصل إلى الأهداف المرجوة.

مقررات

وأوضحت المعلمة رانيا محمد أن إتقان المتعلم للغة العربية يسهم بصورة جيدة في تعلم المقررات الدراسية الأخرى، والعكس أيضاً صحيح، فضعف المتعلم في مهارات اللغة العربية يؤثر سلباً على بقية المقررات الدراسية، وتؤدي المؤسسات التعليمية دوراً مهماً في تحقيق هذه المخرجات اللغوية، لأنها في النهاية هي الجهة المنوط بها، مؤكدة أن الوقوف على دور هذه المؤسسات في تنمية مخرجات التعليم في اللغة العربية، أو في ضعفها، أمر مهم.

Email