ضعف الإرشاد الأكاديمي وضغط الأهل وضبابية سوق العمل

3 عوامل تزيد حيرة الطلبة وتدفعهم لتغيير التخصص الجامعي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تضع تجربة اختيار الدراسة الجامعية الطلبة بين خيارات، قد تؤثر على حياتهم ومستقبلهم ومصيرهم الوظيفي وأهمها قرار تغيير التخصص، وتتنازع طموحاتهم ورغبات الأهل ومتطلبات سوق العمل ومعدل الثانوية العامة لأخذ قرار قد يكون حاسماً ومصيرياً في مستقبلهم، إلا أنّ ثمة أسباباً تفاقم المشكلة لدى الطلبة ولعل أهمها 3 عوامل تتمثل في ضعف الإرشاد الأكاديمي وضغط الأهل وضبابية توجهات سوق العمل.

يقول البروفيسور عبدالله الشامسي مدير الجامعة البريطانية بدبي: بالنسبة لاختيار الطلبة للتخصصات الجامعية يجب أن تتشكل رغبات وميول الطالب منذ المرحلة الثانوية على أقصى تقدير.

مشيراً إلى أهمية أن تذهب الجامعات والمؤسسات التعليمية لطلبة المدارس في مدارسهم، وتقوم بعقد ورش توعوية لهم، بغرض إدخال ثقافة اختيار التخصصات قبل دخولهم إلى الجامعة، لافتاً إلى أهمية وجود خطط عملية مدروسة تقوم بها الجامعات بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم في كيفية اختيار الطالب للتخصص الذي يتناسب وميوله ورغباته.

تفكير

ورأى الدكتور نور الدين عطاطرة المدير المفوض لجامعة العين، أن قرار تغيير التخصص الجامعي عند الطلبة يعتبر من القرارات المهمة التي تحتاج إلى تفكير عميق واستشارات كثيرة، ولا يمكن القول إن هذا القرار صائب أو خاطئ لاسيما إذا لم تتوافق مهارات وميول الطالب مع التخصص الذي اختاره نتيجة عوامل متعددة، أهمها ضغط الأهل على الطالب وتوجيهه وإجباره على اختيار تخصص بعينه.

وأوضح أن تغيير التخصص خلال فترة الجامعة لا يدل أبداً على ضعف الطالب أو عدم قدرته على الاستمرار في التخصص الأول، لافتاً إلى أن هناك عدة أسباب تدفع الطلبة إلى تغيير تخصصاتهم الدراسية، مشيراً إلى أنه ليس من السهل على أي طالب أن يضيّع سنواتٍ من حياته عبثاً إلا لأسباب مقنعة من وجهة نظره.

طموحات

وذكرت الدكتورة فاطمة طاهر الأستاذ المشارك ومساعد العميد لشؤون البحوث في كلية الابتكار التقني بجامعة زايد، أن بعض الطلبة قد ينساقون وراء أحلامهم وطموحاتهم من دون الالتفات إلى آراء الآخرين والأكثر خبرة منهم، وبعضهم الآخر ينتقي تخصصه استناداً إلى آراء أسرته أو أصدقائه أو حتى ما تشير إليه تحليلات السوق.

فيما يلتفت البعض الآخر من الطلبة إلى التخصص الذي سيدر عليه دخلاً أكبر ويحقق له مستقبلاً مهنياً مرموقاً، الأمر الذي يجعل الاختيار الصحيح للتخصص أمراً صعباً يدخل الطالب في حيرة بين ميوله ورغباته من ناحية، وبين رغبة الأهل وتوجهات سوق العمل من ناحية أخرى.

عمل

وتحدثت تماني المنصوري باحث وخبير في مجال أمن المعلومات، منفذ رئيسي معتمد لمواصفة أمن المعلومات العالمية ISO 27001 وعضو في منظمة IEEE، عن تجربتها بعد حصولها على الدبلوم عملت بإدارة تقنية المعلومات، مؤكدة أن العمل في عمر مبكر ساهم في اطلاعها على التخصصات المطلوبة لسوق العمل واختيار التخصصات المناسبة.

وبعد أن عملت بعام ونصف التحقت بجامعة زايد وتأكدت بأن أمن المعلومات هو التخصص المطلوب لسوق العمل وأكملت دراستها فيه، وشجعت الطلبة على العمل أثناء الدراسة والبرامج الصيفية التدريبية في الشركات والمؤسسات، كما فعلت هي لكي تتعرف على مهاراتها وقدراتها في الوظائف المختلفة وما هي الوظائف التي تتوافق مع قدراتهم.

مهارات

وقالت كاثرين بوث، مديرة المؤهلات المدرسية لشركة بيرسون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا: تعتبر المدارس هي البيئة الثانية بعد المنزل وحجر الأساس في تأهيل الطالب لمواجهة التحديات المستقبلية، حيث تتلقى فيها الرعاية والتشجيع على اكتساب وتنمية المهارات اللازمة لاتخاذ القرارات السليمة ومن ثم تنميتها وتعزيزها.

وأكدت أنه في ظل تركيز الدولة على مفهوم تطوير رأس المال البشري بمعايير تعليمية عالية، بما يتماشى مع استراتيجية التعليم 2020 ورؤية 2021 والاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي 2030 لتعزيز وزيادة الخبرات والمعارف المستدامة القائمة على الابتكار، فإنه من الضروري توسيع نطاق المنهاج الدراسي ليشمل عدة مواضيع توسع بدورها آفاق الطالب، من خلال إكسابه المعرفة المتنوعة.

متلازمة

وحول الدوافع النفسية والاجتماعية لتغيير الطلبة للتخصص الدراسي عقب التحاقهم به، أوضح محمد خيرالله الخبير النفسي في دبي، أن هناك حالة نفسية تصيب أغلب الأهالي والطلبة تسمى بـ«متلازمة كليات القمة» مثل كليات الطب والهندسة، وهي تسبب لهم اضطراباً يدفعهم إلى الاعتقاد بأنها التخصصات الأفضل ويشعرون بالخزي في حال التحق أبناؤهم بكليات أخرى أقل منها في المستوى.

وأشار إلى أن تغير التخصص له جانبان، الأول يتمثل في عدم وجود رؤية واضحة لمحتوى التخصص لدى الطالب وذويه، والجانب الثاني هو عدم فهم احتياجات سوق العمل بدقة وعدم الاطلاع المستمر على متغيراته، بالإضافة إلى بعض المعتقدات والمفاهيم الخاطئة التي تجعل الأهل يصرون على إلحاق أبنائهم بكليات القمة ولا يتنازلون عنها أبداً.

ولفت إلى أهمية أن يكون الطالب على دراية كافية من المرحلة الثانوية بتوجهات الدولة وطموحاتها المستقبلية.

رؤية

 

وأكد الدكتور محمد وطفة الأستاذ في كلية الهندسة والمعلوماتية في جامعة ولونغونغ بدبي، أن وضوح الرؤية لماهية وظائف المستقبل تعتبر وقود النجاح، مشيراً إلى أن اختيار التخصص غالباً ما يتدخل فيه الأهل، الذين قد لا يتفهمون المهن المتعلقة بسوق العمل الحديث ووظائف المستقبل.

وهنا يأتي دور الجامعات من منطلق فهمها للأهمية المتزايدة لصناعة الألعاب والفرص التي يتيحها هذا القطاع الاقتصادي.

حيث يجب أن تهيأ بالشباب للتخصصات التكنولوجية التي تشهد طلباً متزايداً، عبر توفير المزيد من التخصصات ضمن علوم الحاسوب، لتزويد الطلبة بمهارات البرمجة وتصميم ألعاب الفيديو والرسوم المتحركة الرقمية، وفهم التقنيات الضرورية لتطوير ألعاب الفيديو والأنظمة المتعلقة بها في الكمبيوترات والأجهزة اللوحية والهواتف الجوالة والأجهزة القابلة للارتداء، وتمكينهم من حل التحديات والمشكلات الطارئة.

وأضاف أن ألعاب الفيديو شهدت نمواً ملحوظاً خلال السنوات العشر الماضية، لاسيما مع انتشار وباء كورونا وتداعياته التي فرضت البقاء في المنزل فترة طويلة، ودفعت 40 % من الأطفال والشباب إلى اللجوء للألعاب كوسيلة للتفاعل الاجتماعي، وهذا يدعو إلى إعادة النظر في الخيارات المهنية التي تفرضها الأزمات.

4000

أشار الدكتور محمد وطفة إلى استطلاع أجرته شركة Aviva شمل أكثر من 4000 شخص حول العالم، حيث تبين أنه نتيجة لتفشي فيروس كورونا فإن ثلاثة من كل خمسة موظفين يخططون لتعلم مهارات أو اكتساب مؤهلات أو تغيير حياتهم المهنية بشكل كامل، مشيراً إلى أن معرفة اتجاهات السوق توفر على الطالب سنوات دراسية وأموالاً مهدورة.

وقال: من هنا يبرز دور الجامعات بتعزيز مهارات الطلبة البرمجية لاسيما المحترفين منهم، لمواكبة التطورات الهائلة في تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز والانتقال بأدوات التحكم في الألعاب إلى مستوى متقدم.

طلبة: عادات المجتمع تقيّدنا بـ«كليات القمة»

 

أوضح عدد من الطلبة أن العادات والتقاليد والقيم المجتمعية التي نشأ عليها الآباء والأمهات ما زالت ترى أن التحاق أبنائها بكليات القمة مدعاة للفخر بغض النظر عن مدى توافق هذا التخصص مع قدرات الطالب النفسية والذهنية.

وقال الطالب كريم طارق: الكثير من الأهالي يتمنون أن يصبح أطفالهم أطباء أو مهندسين، كما يتمنى الكثير من طلاب المرحلة الثانوية بأن يحصلوا على معدلات عالية تؤهلهم من دخول كلية الطب وكليات القمة بشكل عام.

وأشار إلى أن معدله في الثانوية العامة أهله للالتحاق بكلية الطب وشجعه والداه على الالتحاق بها وبارك له جميع أفراد العائلة وغبطه الأصدقاء، إلا أنه يفكر ملياً بعد قضاء السنة الأولى في هذا التخصص، في التغيير والالتحاق بتخصص آخر أقل صعوبة، وأقل في عدد السنوات الدراسية.

وأضاف: كلامي هذا نابع من تجربتي الشخصية، فقد كنت منذ صغري أحلم بأن أكون في مجال الإعلام، لكن للأسف كانت المناهج المتوفرة حينها لا توافق طموحاتي.

بالإضافة إلى أن بعض الخريجين ممن سبقوني أكدوا لي أنهم يعانون من البطالة لقلة الحاجة إلى تخصصاتهم، عندها اتخذت القرار بالتضحية بالتخصص الذي أحلم به لصالح رغبة الأهل في أن يروني طبيباً معروفاً ولصالح المجتمع الذي يميز خريجي كليات القمة عن غيرهم.

وذكر أنه ناقش رغبته في تغيير التخصص مع ذويه غير أنه قوبل بالرفض الشديد والمعارضة منهم وممن حوله من الأقارب والأصدقاء، ليس لأنه سيخسر سنة من الجهد والسهر ومن عمره، ولكن أيضاً لأنه سيخسر إحدى كليات القمة التي ينشدها كل طالب خريج ثانوية عامة، غير أنه ينظر للمسألة بمنظور آخر وهو أنه سينقذ نفسه من تخصص لن يحقق له طموحه، بل سيكلفه سنوات من التعب والدراسة والمجهود.

عادات

واتفق معه الطالب زياد عبد الحميد بأن هناك عوامل عدة تدخلت في اختياره لتخصص الهندسة المدنية التي يدرسها حالياً أهمها الأسرة، والأقارب، ووسائل الإعلام والإنترنت، والعادات والأعراف، وسيادة بعض المفاهيم الخاطئة، ما يجعل من الاختيار الصحيح للتخصص أمراً صعباً ومعقداً يترك الطالب في حيرة بين ميوله، ورغبات الآخرين، والإمكانات المتاحة أمامه.

مسار

الطالبة هدى محمد الهاشمي حصلت على نسبة 91.5% في الثانوية العامة تخصص العلوم المتقدمة، وتوقع لها الجميع مستقبلاً باهراً في قطاع الهندسة والتكنولوجيا بناء على مسارها الدراسي ودرجاتها المتميزة فيه.

ولم تخيب هدى توقعات وطموحات ذويها في الالتحاق بتخصص يواكب توجهات سوق العمل المستقبلية، حيث التحقت بتخصص الهندسة الكيميائية بجامعة الإمارات، وعلى الرغم من استمرارها في دراسة هذا التخصص لمدة عامين ونصف العام بتفوق وتميز.

إلا أنها اكتشفت شغفها الكبير نحو دراسة اللغات أثناء بحثها عن ذاتها ودراستها لنقاط الضعف والقوة في شخصيتها لتدرك أن طبيعة شخصيتها تتجه نحو تجنب تقليد أفراد العائلة أو الأصدقاء ودراسة تخصصات مشابهة لتخصصاتهم، وتجنب الاهتمام بنظرة الآخرين للتخصص، وتصنيف التخصصات من حيث أهميتها في نظرهم.

الهاشمي التي أدركت قدراتها ومهاراتها وجدت نفسها قادرة على الإبداع في مجال اللغة.

فقررت أن تحول إلى تخصص دراسات الترجمة في الجامعة ذاتها، رغم التحديات والصعوبات والنصائح التي تلقتها من ذويها وممن حولها بأنها بذلك تضيع عامين ونصف العام من عمرها قضتها في دراسة تخصص يحاكي احتياجات سوق العمل المستقبلية، إلا أنها كانت تؤمن بأن اختيار التخصص لا يعد نهاية الحياة، فمن الممكن تغييره في أي وقت يريد الشخص طالما أنه وجد شغفه في مجال آخر.

وتدرس هدى حالياً تخصص الترجمة بين اللغتين العربية والإنجليزية، وتعتزم دراسة الترجمة أيضاً إلى اللغتين الفارسية والعبرية.

وعي

رأى أحمد عبد المنعم طالب هندسة أن الطلبة وذويهم أصبحوا اليوم أكثر وعياً وإدراكاً لاختيار التخصص الجامعي في ظل انتشار الإنترنت والمؤتمرات والمعارض التي تساعدهم في إرشادهم وتوعيتهم بمتطلبات سوق العمل إلى جانب المبادرات والحملات التوعوية التي تقوم بها العديد من الجهات لمساعدة خريجي الثانوية العامة بتحديد خيارهم التعليمي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Email