فيزياء الكمّ ثورة تكنولوجية مقبلة

ت + ت - الحجم الطبيعي

في ظل التطور التكنولوجي المتسارع الذي يشهده العالم على الصعيد الرقمي بدأت ترتسم في الأفق ملامح ثورة تكنولوجية جديدة يؤكّد العلماء أنها ستكون قائمة على فيزياء الكمّ التي تقول: إن الأشياء المادية التي نراها حولنا ما هي في حقيقتها إلا أحد أشكال الطاقة.

ومنذ مطلع القرن العشرين فتحت فيزياء الكّم للباحثين والعلماء مجال البحث والغوص في الأسرار الداخلية للمادة والكون المجهول بشكل يتحدى حواسنّا الإدراكية وقدرتنا على التخيل، فشرعوا في دراسة الجزيئات الأساسية للمادة مثل الذرات والنيوترونات والفوتونات والكواركات وما شابهها.

ويمكننا إيجاد تطبيقات الفيزياء الكمومية في مختلف مجالات حياتنا اليومية، مثلاً في أشعة الليزر في مشغلات «بلو راي»، وأجهزة قراءة الباركود، والليزر المستخدم في العمليات الطبية، والساعات الذرية فائقة الدقة المستخدمة في أنظمة التوجيه والملاحة بالأقمار الصناعية في السيارات، ومجموعة واسعة من الأجهزة الإلكترونية الدقيقة الأخرى. ولا يعتبر ذلك إلا غيضاً من فيض ما سنشهده في المستقبل! حيث سنشهد عما قريب ثورة رقمية آخذة بالتشكل حالياً.

ويقول باتريس كاين، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة «تاليس» في تصريحات خاصة لـ«البيان الاقتصادي»: إننا نشهد اليوم بدايات الثورة الكمومية الثانية التي ستمّكن الإنسان من التحكم في ذرّات الكون المادي، سواء بشكل فردي أو ضمن مجموعات، واستخدام ظواهر معيّنة لإحداث تأثيرات لا يمكن توقعها على أقل تقدير.

وتمكن الباحثون أخيراً من التحكم والتلاعب بهذه البتات الكمومية أو «كيوبت» لتصنيع أجهزة حوسبة كمومية قادرة على إنجاز وظائف ومهام حقيقية بسرعة تمّكن من توفير وتعزيز قدرات لا يمكن تصوّرها.

وستوفّر هذه التقنيات الكمومية، التي تتحدّى جميع قناعاتنا وتقوّض منطقنا الثنائي، كمية غير محدودة من الفرص في العديد من القطاعات مثل السيارات والصناعات الدفاعية والرعاية الصحية وعلوم البيئة وغيرها، وذلك لأنها لا تعرف حدوداً لناحية توليد الأفكار وتطوير الطاقات الإبداعية.

ويضيف الخبير التقني: إن «تاليس» تعمل حالياً على مشروع يهدف إلى تحويل مجموعة من تطبيقات تكنولوجيا الكمّ إلى حقيقة في المستقبل المنظور ومنها تطوير أجهزة الاستشعار الكمومية، التي تعتبر حالياً أكثر مجالات البحث الكمومي نضجاً، متوقعاً أن يرى ذلك المشروع النور في غضون السنوات الخمس المقبلة.

ويوضح كاين: «كما تذكرون، كانت أجهزة الكمبيوتر الأولى بحجم غرفة كاملة، ولكن اليوم، أصبح هاتفك الذكي يتميز بقدرات أكبر من إمكانات الحوسبة مع حجم صغير، ما يتيح تطبيقات ومجالات استخدام أوسع وجديدة».

توظيفات

ويفيد كاين أنه أصبح بالإمكان توظيف تطبيقات تكنولوجيا الكمّ في مجالات النقل أو الطاقة أو الأمن أو الطب أو رسم الخرائط أو المراقبة تحت السطحية.

ويضيف: «لنأخذ قطاع النقل الجوي على سبيل المثال، حيث يمكن أن تقلع الطائرة من باريس وتهبط في نيويورك دون الاستعانة بإشارة نظام تحديد المواقع الجغرافية، مع دقة تصل حتى بضعة كيلو مترات. ومع تطور الدراسات المعنية بأجهزة الاستشعار الكمومية، تستطيع الطائرة نفسها الهبوط على المدرج الصحيح دون أي استخدام لنظام تحديد المواقع الجغرافية.

وفي أنظمة الاتصالات، سيتيح التشفير الكمّي إمكانية نقل الرسائل بأمان تام، والتي من خلالها يتم إرسال المعلومات كنبضات ضوئية عبر الألياف الضوئية مثل فقاعات الصابون.

وعند محاولة اعتراض الإشارة، ستنفجر هذه الفقاعات، ما يجعل النظام جديراً بالثقة التامة. كما ستسهم الدقة الفائقة لأجهزة الاستشعار الكمومية في دور مهم في مجال الطب، مثل إمكانية كشف أورام يستحيل اكتشافها اليوم. ويستطيع علماء الجيولوجيا اكتشاف موارد طبيعية غير معروفة سابقاً.

ويضيف: «هذه التطبيقات والتقنيات ليست مستوحاة من أحد أفلام الخيال العلمي، بل هي حقيقية وتتم تجربتها في مختبرات»تاليس«وفي جامعة»باريس ساكلاي«التي تضم واحداً من أكبر منشآت أبحاث فيزياء الكم في أوروبا، والذي تشارك»تاليس«فيه أيضاً».

Email