خلال جلسة حضرها محمد بن راشد

عبد الله بن زايد: وثيقة الأخوة الإنسانية في مناهجنا الدراسية العام المقبل

ت + ت - الحجم الطبيعي

كشف سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، عن إدخال (وثيقة الأخوة الإنسانية) للمناهج الدراسية في مدارس وجامعات الدولة ابتداء من العام المقبل.

جاء ذلك خلال كلمة سموه على منصة القمة العالمية للحكومات في دورتها السابعة التي انطلقت أمس في دبي، وشهدها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بحضور سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، والفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، وسمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة.

ووصف سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، خلال كلمته، زيارة قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، للإمارات بكونها عهداً جديداً للأخوة الإنسانية، مشيراً إلى أن «وثيقة الأخوة الإنسانية - إعلان أبوظبي» التي وقّعها البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، تُعدّ وثيقة مصالحة تاريخية، مليئة بالشجاعة والصدق، وتمنح البشرية الأمل بأن السلام ممكن.

وقال سموه: «إن العيش المشترك ممكن، وإن لقاء الأخوة الإنسانية الذي تم عقده في أبوظبي يؤسس لمرحلة جديدة في التاريخ بين الأديان، وإن هذا هو دأب النبلاء عبر التاريخ، فالأنبياء الكرام محمد وموسى وعيسى وإخوانهم بقية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كانوا دعاة سلام، وكذلك كان الفلاسفة كسقراط وأفلاطون وابن خلدون».

وأضاف: «لقد بدأت رحلة السلام بين البابا فرنسيس وشيخ الأزهر منذ سنوات، إذ كانت لقاءاتهم في البداية تشوبها الرسمية والتحفظ، ومع مرور الوقت جلسا على طاولة واحدة كإخوة وأصدقاء، ليقولوا للعالم إن السلام صعب، لكنه ليس مستحيلاً».

وتابع: «قد يتساءل البعض عن سبب إصرار هذين الرمزين الدينيين على فكرة الأخوة الإنسانية، متجاوزين كل الناقدين الذين وقفوا ضد تلك الفكرة، والجواب يكمن في كلمة واحدة.. السلام».

وأشاد سموه بالرمزين الدينين قائلاً: «كلنا نعرف أن الإمام الطيب والبابا فرنسيس رجلا سلام من طراز فريد، لكن من منا كان يظن أن رمزين في مقامهما سيتجاوزان كل الأعراف والحواجز، لتوقيع وثيقة مصالحة في عالم مليء بالتجاذبات السياسية، والحض على الكراهية والعنف والتطرف؟».

وقال: «لقد اختتم البابا فرنسيس زيارته إلى دولة الإمارات بعقد قداس في أبوظبي حضره أكثر من 180 ألف من إخوتنا الكاثوليك، ولقد أبهجنا منظرهم وهم يستقبلون قداسته بالفرح والسعادة، وكانت تلك رسالة من دولة الإمارات لكل من يعيش على أرضها، إننا كحكومة وشعب ملتزمون، ليس برعايتهم وتوفير الحياة الكريمة لهم فقط، بل برعاية إيمانهم أيضاً، لأننا نعتبره واجب ديني وحضاري».

وأشار سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، إلى سبب اهتمام الإمارات بالمبادرات الدينية، وقال: «قد يتساءل بعضكم عن سبب اهتمامنا بالمبادرات الدينية في عصر يتصف بأنه عصر العلوم والتكنولوجيا.. والجواب هو أن الدين ركيزة أساس في نفوس البشر، كما أن له تأثيراً هائلاً في الفكر الإنساني، ولكن مع الأسف، تغلبت العاطفة الدينية في بعض المجتمعات على العقل والمنطق، وخرجت عن المبادئ الإلهية السمحة، فنشأت جماعات عنيفة ومتطرفة وإرهابية، ولذلك لا يجب أن نغفل دور رجال الدين في الارتقاء بالوعي الجمعي لدى الشعوب، كما أنه لا يحق لأحد أن يطالب الناس بالتخلي عن إيمانها، فذلك حق منحه المولى عز وجل للبشر».

وأضاف سموه: «خلال لقاء الأخوة الإنسانية، أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، «جائزة الأخوة الإنسانية - من دار زايد» وتم منحها للرمزين الكبيرين، فضيلة الإمام أحمد الطيب وقداسة البابا فرنسيس، لجهودهما المشهودة في نشر ثقافة السلام وتقريب الناس من بعضهم البعض، وسوف تكرم الجائزة في كل دورة أفراداً أو مؤسسات قاموا بجهود حقيقية لتعزيز الأخوة الإنسانية في مجتمعاتهم أو حول العالم».

وأردف قائلاً: «في الحقيقة، إننا لا نرى تعارضاً بين فحوى الأديان والتقدم البشري، ومن يحاول أن يقدم أطروحة «إما الإيمان أو العلم» فإنه في الحقيقة يربك المجتمعات، ويخلق صداماً بين العقل والروح، في مرحلة نحتاج فيها إلى إيمان عقلاني، يرتقي بالإنسان، ويمنحه الطمأنينة».

وتابع سموه: «لنا في المملكة العربية السعودية الشقيقة خير مثال على تحقيق توازن بين الدين والتنمية، فهي الحاضنة لمهد الإسلام، والراعية للحرمين الشريفين، وتخدم الإسلام العظيم بمؤسساتها الدينية المحلية والدولية، وتقدم في الوقت نفسه نموذجاً فريدا للتنمية الحضارية والاستعداد للمستقبل».

وأشار إلى من يصنعون الحروب في العالم، قائلاً: «عندما نقرأ التاريخ نجد أن من يصنع الحروب هم في الغالبية العظمى نوعان من الناس، رجال السياسة ورجال الدين، ولذلك فإن أردنا تحقيق سلام فلا بد أن يتحمل هؤلاء مسؤولياتهم التاريخية، ويتحلون بالشجاعة ويسعون بصدق لإنهاء الصراعات قدر المستطاع، فلا يمكننا أن ننهي الحروب تماماً، لكننا نستطيع أن نخفف منها بقدر كبير عندما نجلس على طاولة واحدة، ونحمل نية صادقة لتقريب الناس من بعضهم، ولعلنا نتعلم من الأزهر الشريف دروساً كثيرة عبر التاريخ، هذا الصرح الذي يتجاوز تاريخه العريق ألف عام من العمل في خدمة الإسلام».

وقال سموه: «هناك مشكلة حقيقية، ولن نقول إن الدين سببها، فالأديان لم تأتِ لتحض الناس على الكراهية والعنف، لكنكم تعرفون أنها استخدمت لتبرير التطرف والإرهاب، فتم تشويهها عبر التاريخ، وليس في وقتنا الحاضر فقط، ومن هنا تبرز أهمية لقاء فضيلة شيخ الأزهر وقداسة البابا، وتوقيعهم على «وثيقة الأخوة الإنسانية - إعلان أبوظبي» التي تعد وثيقة مصالحة تاريخية، مليئة بالشجاعة والصدق، ليمنحا البشرية الأمل بأن السلام ممكن، والعيش المشترك ممكن».

وتطرق سموه إلى دراسة مهمة تكشف بالأرقام حقيقة الشكوك المتبادلة، في دراسة نشرتها مؤسسة «YouGov» قبيل لقاء الأخوة الإنسانية، حيث قال نحو 47% من الذين تم استطلاع آرائهم في أوروبا إن هناك صداماً بين الإسلام وقيم المجتمعات الأوروبية، بينما قال 25% في عدد من الدول العربية إن المسيحية تتصادم مع قيم مجتمعاتهم، وفي سؤال عن «مدى قلقك تجاه صعود التطرف في مجتمعك»، قال قرابة 72% من الأوروبيين إنهم قلقون جداً من ذلك، بينما قال 53% من المسلمين في الدول العربية إنهم أيضا قلقون من تنامي التطرف».

واستشهد سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، ببعض ما ورد في وثيقة الأخوة الإنسانية، قائلاً: «إن الحرية حق لكل إنسان، اعتقاداً وفكراً وتعبيراً وممارسةً، والتعددية والاختلاف في الدين واللون والجنس والعرق واللغة حكمة لمشيئة إلهية، قد خلق الله البشر عليها، وجعلها أصلاً ثابتاً تتفرع عنه حقوق حرية الاعتقاد، وحرية الاختلاف، وتجريم إكراه الناس على دين بعينه أو ثقافة محددة، أو فرض أسلوب حضاري لا يقبله الآخر».

وورد في الوثيقة أيضاً: «لتكن هذه الوثيقة دعوة للمصالحة والتآخي بين جميع المؤمنين بالأديان، بل بين المؤمنين وغير المؤمنين، وكل الأشخاص ذوي الإرادة الصالحة»، وهنا ندرك بأن فكرة السلام ليست مشروطة على المؤمنين وحدهم، بل إنها تشمل البشرية كلها.

وقال سموه إن هذه الكلمات، عندما تصدر من رمزين دينيين في مقام قداسة البابا وفضيلة الإمام الأكبر، فإنها تمنحنا القوة.. نحن الذين نعمل في السياسية والتعليم والإعلام وغير ذلك من المجالات المؤثرة في حياة الناس، لنكون جادين وشجعاناً في مكافحة التطرف بكل أشكاله وصوره، دون أن نخشى من يلوي عنق النصوص الدينية ليقنع الناس بأن العنف واجب ديني، والعنصرية تجاه المعتقدات الأخرى هي جزء من الشريعة السماوية.

وأضاف: «التزاماً منا بمبادئ وثيقة الأخوة الإنسانية، أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، عن تأسيس «صندوق زايد العالمي للتعايش» الذي سيكون امتداداً للوثيقة، يدعم مبادئها من خلال حزمة من المشاريع والمبادرات الدولية التي ستنطلق قريباً، حيث سيعمل الصندوق في عدة قطاعات، كالتعليم، والتنمية الاجتماعية، والتطوير الثقافي والمعرفي، من خلال تطوير مناهج تعليمية لتعزيز قيم الأخوة الإنسانية، وتخصيص منح دراسية لطلبة الدراسات العليا لحثهم على إجراء البحوث العلمية في المبادئ الواردة في الوثيقة، وسيوفر برامج لتدريب وتطوير المعلمين في مختلف المراحل التعليمية، ليكونوا رسلاً للتواصل والتفاهم، ويرسخوا القيم الحضارية التي احتوتها الوثيقة».

وواصل قائلاً: «سيخصص الصندوق منحاً مالية للمبادرات والمشاريع التي يقوم بها الأفراد والمؤسسات في مختلف دول العالم، التي تسهم في حل النزاعات والتخفيف من التوترات بين المجتمعات البشرية أو في داخل المجتمع الواحد، وتشجع على نبذ التطرف والكراهية. كما سيقوم الصندوق باستحداث برامج تعريفية وتوعوية من خلال نشر التقارير السنوية والكتب والترجمات بمختلف اللغات للمواد المعرفية التي تسعى لنشر قيم ومبادئ وثيقة الأخوة الإنسانية، وسيركز بشكل كبير على دعم الشباب ومبادراتهم المبتكرة، الساعية لتأسيس ثقافة التسامح والأخوة في أي مكان من العالم».

وأضاف سموه: «تقديراً منا في دولة الإمارات لمنحنا شرف استضافة هذا اللقاء التاريخي، وتوقيع (وثيقة الأخوة الإنسانية) على أرضنا الفتية، فإننا نعرب عن دعمنا الكامل لكل ما جاء فيها، وتبنينا لمبادئها الحضارية، ويسعدنا بأنها ستكون جزءاً من المناهج الدراسية في مدارس وجامعات الدولة ابتداء من العام المقبل».

وتابع: «كما سنقوم بتشكيل فريق عمل دولي لرعاية الوثيقة، ونشرها في العالم عن طريق دعوة رجال الدين والسياسة والمؤثرين في مسارات المجتمع الدولي للتوقيع عليها، وتبني المبادئ الحضارية الواردة فيها، كما اختتمت الزيارة بالإعلان عن «بيت العائلة الإبراهيمية» الذي تم تخصيص أرض في جزيرة السعديات في أبوظبي لاحتضانه، ليكون معلماً حضارياً للتعايش والتسامح، وسنقوم قريباً بالإعلان عن مسابقة دولية لتصميم المباني المزمع إنشائها فيه».

وعبّر سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان عن تقدير الدولة للرمزين الدينين الكبيرين، وقال: «أتقدم باسم حكومة وشعب دولة الإمارات، لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وقداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، بوافر الشكر والامتنان، لاختيارهما دولة الإمارات لعقد هذا اللقاء التاريخي الذي ستذكره الأجيال القادمة، وستذكر أنهما قد ساهما في تغيير مجرى التاريخ، وقرّبا أتباع الأديان بعضهم من بعض بشجاعة وحكمة، وسعيا بكل صدق واجتهاد لتحقيق مبدأ الأخوة الإنسانية، ونشر السلام والمحبة بين البشر».

Email