جلسة: العولمة الاقتصادية سطّحت العالم

■ مارك ليلا متحدثاً في جلسة «كيف تطوّرت هوية الشعوب؟» | من المصدر

ت + ت - الحجم الطبيعي

في جلسة حملت عنوان «كيف تطوّرت هوية الشعوب؟»، قدّم مارك ليلا، مؤرخ وبروفيسور العلوم الإنسانية في جامعة كولومبيا، شرحاً مستفيضاً عن مفهوم العولمة ودورها في صعود مشاعر الاحتقان والتنازع حول قضايا الهوية، قائلاً: «لو بحثنا عن إجابة تقليدية ومبسطة لمشاكلنا، لقلنا إن العولمة هي سبب تواصلنا مع وجود اختلافات في ثقافاتنا، وهي التي قادتنا إلى معدلات هجرة أكبر، وما نشهده اليوم من نزاع هويات سببه شح الموارد الطبيعية أو اختلاف الآراء، وقد نذكر موضوع الهوية فقط لاستخدامه ككبش محرقة لنزاعاتنا.

وإذا كانت هذه هي الإجابة الحقيقية، فإن أمامنا أمرين، الأول: إلغاء التعلق بالهوية وأن لا نأخذها بجدية كبرى وتشجيع الاحتفاء بالاختلافات الثقافية، والأمر الآخر: علينا التحلي بتسامح أكبر مع الأشخاص من ثقافات أخرى».

وأضاف: «المشكلة أكبر وأعقد مما نتصور، وتناولها بالبحث والدراسة قادني إلى قناعة قد تكون مختلفة عما هو سائد. فأنا أعتقد أن ما بدأنا اختباره في أوروبا وغيرها من الدول من صعود الشعور المتوتر بالهوية سببه ليس الاختلاف، بل التشابه.

فالعولمة الاقتصادية سطّحت العالم، كما أخبرنا توماس فريدمان في كتابه، اقتصادياً وثقافياً كذلك، ومن دلالاتها تصاعد استخدام اللغة الإنجليزية، وتشابه المراكز التجارية في كل دول العالم بالماركات التجارية نفسها، وتشابه المطاعم والمطابخ، وبحكم ثقافة الإنترنت بدأ أطفالنا يتشابهون أكثر مما تتشابه الأجيال السابقة».
وتابع: «يتجه العالم بسرعة ليكون أحادي الثقافة، وكلما شعرنا بتشابهنا بدأ ذلك يثير مخاوفنا بشكل كبير.

فثقافاتنا المتنوعة تتيح لنا نقل قيمنا إلى الآخر، وتكفل لنا الشعور بالالتزام تجاه مجموعة من الأشخاص، وتجاه مساحة من الأرض ندعوها الوطن، وتجاه منظومة قيمية تميزنا، فسياسات الهوية في العالم اليوم عائدة ليس إلى نقص الثقة بالآخر، بل إلى الخوف من الثقافة الأحادية.

فما حصل في أوروبا خلال العقود الثلاثة الماضية من صعود التجارة الحرة والانتقال الحر للسلع ولرأس المال البشري والمادي، وإنشاء الاتحاد الأوروبي المدمج بشكل بيروقراطي وليس هوياتي، قاد إلى تماهي فكرة الهوية، فلا معنى اليوم لهوية الهولندي، ولا البريطاني ولا غيره، وهذا نتيجة لشعورنا باللامكان، وهو ما يعرّض الشعوب للتأثر بالديماغوجية والخطابات الشعبوية النارية».

وذكر: «اختفاء صيغة الـ(نحن) في خضم العولمة يقودنا نحو التمسك بقيم قديمة نثير بسببها النزاع مع الآخر لتفعيل صيغة الـ(نحن) ولإثباتها، وأرى أن الحل لهذه المشكلة الهيكلية في مجتمعاتنا الإنسانية حل وحيد، وهو الاحتفاء بالهوية السياسية، أي بمعنى صفة المرء في دولة المواطنين وتمييز نفسه باختلاف رؤيته حول الخير المشترك والمصلحة العامة، والسبيل نحو ذلك هو تعزيز مصادر التربية المدنية وتعزيز الشعور بالمواطنة، ووجود حكومات متفاعلة مع مواطنيها».

وفي كلمتها التي حملت عنوان «كيف نتجنب الانقسام العالمي؟»، قالت إيمي تشوا، بروفيسور قانون، كلية بيل للحقوق، ومؤلفة كتاب Political Tribes: «للإنسان ميل غريزي للانتماء إلى مجموعات مؤلفة من أفراد نظن أنهم يشابهوننا بشكل أو بآخر». وضربت مثالاً في مشجعي كرة القدم، وتكوينها لشرائح مجتمعية أشبه بالقبائل.

وأشارت إلى أن القبائل قد تكون مصدر حماية وعمل مشترك، وقد تكون سبباً في إقصاء الآخر، وعدم الثقة به، خصوصاً مع وجود سياسات ممنهجة تغذيها وتعطيها الإطار اللازم لصعود هذه المشاعر العدائية في المجتمع، فالقبلية السياسية المعتمدة على اللون قد تؤدي بدورها إلى تشددٍ وانغلاقٍ ومشاعر غير صحية تجاه الفئات المجتمعية الأخرى.

Email