«بطل القلوب» كاد يحقق الحلم المستحيل

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الوقت الذي طغى فيه الحزن على ملامح الشعب الروسي بعد خروج المنتخب من ربع نهائي المونديال وصفت وسائل الإعلام الروسية لاعبي منتخب روسيا بأنهم أبطال كادوا أن يحققوا الحلم المستحيل، وكتبت صحيفة «سبورت إكسبريس»، «إنهم أبطال قلوبنا». وأشارت الصحيفة إلى أنه قبل شهر واحد كانت الجماهير الروسية ستضحك إذا أخبرتهم بأن منتخب بلادهم سيصل لدور الثمانية في كأس العالم. وذكرت صحيفة «كومسومولسكايا برافدا» «إنه أمر مؤسف ولكن شكراً لكم». وأوضحت الصحيفة «القصة ليس متعلقة بكرة القدم، هي تخص 23 رجلاً، ومدربين وأشخاص آخرين أصبحوا فريقاً واحداً وتحرروا من التوقعات التي تنبأت بفشلهم». ومن جانبها أكدت صحيفة «موسكوفسكي كومسومولتس» «منتخبنا الوطني خسر لكننا فخورون به».

وكان اليوم مثيراً جداً في روسيا، فمخطئ من قال إن كل الطرق تؤدي إلى روما، بل كانت كلها تؤدي إلى «فوروبيوفي غوري» بالعاصمة الروسية موسكو، حيث تتواجد منطقة المشجعين الخاصة بالمونديال.. صخب، فخر وترقب.

ساعات قبل موقعة روسيا المونديالية أمام فرسان البلقان «كرواتيا»، اكتظت شوارع العاصمة الروسية موسكو ومحطات «مترو» الأنفاق المؤدية إلى منطقة المشجعين، بألوان وأعلام روسيا الاتحادية.. تعالت أصوات الجماهير الروسية في كل مكان، إذ صدحوا وأسمعوا أصواتهم في كل أرجاء البلاد.

مع مرور الساعات وقبل أكثر من ساعتين على موعد أهم مباراة في تاريخ المنتخب الروسي «الحديث»، لم يعد للنملة مكان فيه.. أمواج بشرية تحير العقول والعيون في تصوير ذلك المشهد، وكل من في المكان يصدح بصوت واحد «روسيا.. روسيا».

حفل غنائي

قبل ساعة من انطلاق المباراة الحلم، نظم مسؤولو اللجنة المنظمة المحلية لكأس العالم بروسيا رفقة المسؤولين عن منطقة المشجعين، جميع الحاضرين بحفل غنائي «صاخب»، وذلك للرفع من منسوب «الأدرينالين» لدى جل الحاضرين الحالمين بليلة تاريخية جديدة تخلد في مجلدات إنجازات روسيا الاتحادية في العصر الحديث. صخب، أفراح، رقص.. وكل ما يخطر على البال.. الروس أطلقوا العنان للاحتفالات قبل إعطاء ضربة بداية المباراة «الحلم» بمدينة «سوتشي».. وكأن التأهل إلى المربع الذهبي لا يعد سوى مسألة دقائق أو ساعات ليس إلا..

قبل كل هذا وذلك.. نشيد وطني روسي يهز أرجاء منطقة المشجعين بموسكو.. تهتز له المشاعر والوجدان.. وتتصور فيه كل صفات وسمات جنود محبين لأوطانهم، ينتظرون بشوق.. فهم مستعدون لتلبية نداء الواجب مهما كانت النتيجة.. وجوه الروس وعيون «جميلاتهم» تتلألأ في سماء عاصمة «كل شيء» موسكو.. توحي لك بأن شمس الغد لن تشرق سوى بعد اقتطاع ورقة العبور الغالية.

ليت كل البدايات كما تمناها المرء.. هكذا كان حال لسان الروس، وهم ينظرون إلى معاناة رفاق عملاق زمانه «أرتيوم دزوبا» أمام أصدقاء «القزم الموسيقار» لوكا مودريتش.. عازف سيمفونية «التمرد» في أراضي المونديال.

سيناريو

المعاناة لم تدم طويلاً.. وبعد العسر يأتي اليسر، وبأفضل الطرق والسيناريوهات التي اشتاقت لها نفوس أحفاد «الثوري» لينين.. كرة نجم فياريال وابن نادي ريال مدريد دينيس تشيريتشيف التي تمردت على قوانين الطبيعة وطارت بقلوب الروس نحو اللامكان.. معلنة بزوغ فجر جديد، الشباك اهتزت في سوتشي وأصوات جماهير منطقة المشجعين بموسكو تعالت ليسمع صداها في كل أرجاء الدنيا..

وبعد دقائق قليلة، عم الصمت أرجاء المكان.. رأسية القادم من بعيد «كراماريتش» هزت شباك القائد أكينفييف لتعيد عداد المباراة إلى نقطة البداية.. النتيجة، تعادل كرواتي أعلن توقف الأفراح إلى أجل غير مسمى.

استغل الحاضرون فترة التوقف لالتقاط الأنفاس.. والاستمتاع بأهازيج الموسيقى الصاخبة التي اهتزت لها أرجاء عاصمة روسيا.

وفي وقت المعاناة الإضافي.. عاد الصمت ليطبق على المكان أكثر من المرة الأولى.. رأسية «الأشقر» الكرواتي فيدا أعطت ترياق الحياة للكروات، وسلبته من الروس مرة أخرى.

ولأن كرة القدم علم غير ثابت.. عادت الأصوات لتصدح من جديد بإيقاع غلب عليه طابع الجنون.. منهم من عانق خلانه، ومنهم من نزع قميصه.. ومنهم من ذرف الدموع فرحاً بما شاهده.. ما الذي حدث يا ترى؟؟.. «المقاتل» فيرنانديز ارتقى فوق الجميع وأعاد بلسم الحياة للروس.. معلناً المرور إلى ركلات المعاناة.. ولأن القصص الجميلة دائماً ما تنتهي بالتراجيديا، عاد فيرنانديز بنفسه ليجهد الأحلام ويسلب الروس تلك الفرحة التي أهداهم إياها لبرهة من الزمن.. وأهدر ركلته بغرابة أبهرت الحاضرين.

نهاية

وأعلن سيرجي إغناشفيتش صاحب أكبر عدد من المباريات الدولية في تاريخ روسيا اعتزاله كرة القدم أمس ، وكان المدافع البالغ من العمر 38 عاماً، خاض 127 مباراة في المجمل مع المنتخب الروسي وسجل تسعة أهداف ويحمل الرقم القياسي في عدد المباريات الدولية في روسيا.

شكر

من ناحيته وجّه ستانيسلاف تشيريتشوف، المدير الفني للمنتخب الروسي لكرة القدم، الشكر إلى جميع . وقال تشيريتشوف بعد المباراة: «لا أعتقد أننا قفزنا أكثر من اللازم في هذا المونديال. تدرب اللاعبون واجتهدوا كثيراً من أجل الوصول إلى هذه النتيجة».

وأشار: «كان من الأفضل لو واصلنا الطريق إلى الدور المقبل. ولكن الحظ لم يحالفنا هذه المرة». وأضاف: «الجماهير الروسية تحبنا وساندتنا وهي تعرف جيداً أننا نريد تقديم كل ما لدينا. أريد أن أشكر جميع اللاعبين على ما قدموه. لست نادماً على اختياراتي للاعبين، وأعتقد أن هذه المجموعة هي الأفضل الآن في روسيا. بطبعي، لا أندم أبداً على أي اختيار. صحيح أنني كنت منفعلاً خلال المباراة وهذا شيء عادي». وأضاف: «لا أحد يستطيع إرغام الأطفال على لعب كرة القدم.

يجب علينا أن نصطحبهم إلى الملاعب فقط. وبعدها يكون الطفل هو صاحب القرار. خرجنا من هذه البطولة مرفوعي الرأس ولكننا نشعر بالحزن كذلك». وأشار المدرب الروسي: «اتصل بي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال هذا اليوم وبعد اللقاء كذلك وهنأني بالمباراة الرائعة التي قدمناها، وقال لي: علينا أن نفتح أعيننا وننفذ الخطوات التالية وألا نقف عند هذا الحد».

Email