حُمى المونديال تضرب سوق موسكو التقليدي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يشهد سوق موسكو التقليدي الشهير باسم «أزمايلوفو ماركت» إقبالاً كبيراً من جماهير كأس العالم التي تبحث عن الوجه الآخر للمدينة المتحضرة، ولشراء تذكاريات من الموروث التراثي الروسي.

وبعد نهاية الدور الأول من المونديال وبدء العد التنازلي للبطولة بدأ المشجعون يحزمون حقائب العودة، وأصبحت وجهة الجميع واحدة وهي سوق «أزيمايلوفو» التقليدي الواقع 9 كلم شرق موسكو.

وفي ثنايا الرحلة إلى السوق الشهير اكتشفنا أن علاقته بالرياضة تعود إلى 3 عقود من الزمن، فالفنادق الأربعة الشاهقة الرابضة في مدخله: ألفا وبيتا وغاما وفيغا بُنيت عام 1980 بمناسبة تنظيم الألعاب الأولمبية.

وتضفي الفنادق الأربعة والمصممة بفن معماري رائع رونقاً خاصاً على مدخل السوق، وتلفت النظر بارتفاعها وعرضها وتناظرها. وتستوعب سلسلة الفنادق 7500 ضيف في الآن ذاته.

وقبل الولوج إلى السوق ينتصب تجار بسطاء يعرضون على الزبائن تحفاً وكتباً وصوراً وعملات قديمة. وتجد هذه المعروضات إقبالاً من المولعين بفهم أسرار التاريخ.

تصميم فريد

ويسحر السوق التقليدي ضيوفه بتصميمه الفريد والضارب في القدم، حيث تنتشر القباب والأقواس والأسطح المثلثة مرصّعة بزخارف وتماثيل.

وتلمح عين الزائر شبح المونديال منذ أن تطأ قدماه باب السوق، فالمحلات الأولى تعرض على واجهتها شالات وقمصان منتخبات كأس العالم وصور النجوم.

سوق «أزمايلوفو» يواكب حدثاً ويعايشه بالتخلي شيئاً ما عن تقاليده واستبدالها بتذكاريات المونديال، ولطالما واكب السوق عصوراً مختلفة الثقافات ومعها تتنوع المنتوجات المعروضة.

ويعود إنشاء السوق التقليدي إلى قرون خلت وتحديداً عام 1389 عندما بُنيت نواته الأولى على أرض الأجداد عائلة رومانوف «النبيلة»، ثم توارثته العائلات الأرستقراطية قبل أن يتحول إلى مقر لسكن العمال بعد الثورة البلشفية عام 1917، ناهيك وأنه لم يصبح تابعاً لموسكو إدارياً إلا عام 1935.

«ماترويشكا»

تعرّض المحلات في سوق «أزمايلوفو» ضروباً من البضائع والمنتجات التقليدية النابعة من الثقافة الروسية، حيث تلمح العين الفساتين الملونة والتاج الروسي المرصع بالزخارف، وأدوات مصنوعة من الجلد أغلبها حربي (محافظ مسدسات وسيوف صدريات). لكن ما يخطف الأنظار وما وجد رواجاً كبيراً من جماهير المونديال هو «الماترويشكا».

وهي عبارة عن دمية تتضمن داخلها عدة دمى أخرى بأحجام متناقصة، بحيث إن الكبرى تحوي الأصغر منها وهكذا. تعرف اللعبة أيضاً باسم بابوشكا.

وتصنع الدمية عادة يدوياً من الخشب مثل خشب الزيزفون أو خشب الصندل. ويختلف طرازها حسب الصانع، لكنها عادةً ما تمثل المرأة الروسية الريفية باللباس التقليدي «سارافان». وترسم ملامح المرأة وبناتها اللاتي يشبهنها وغالباً ما يغطى الرأس باللون الأحمر إلا أن هناك تطوراً في الألوان. ويبدأ الصانع برسم ملامح الوجه قبل التلوين.

وتجد «ماترويشكا» إقبالاً كبيراً من ضيوف روسيا لجمالها وخفة وزنها وسهولة حفظها، حيث لا تنكسر باعتبارها مصنوعة من الخشب. ويتباين سعر هذه التحفة الروسية الجميلة حسب الحجم بمعدل 1000 روبل (60 درهماً).

حُمى المونديال

وفي أعماق السوق استبدل تجار بضاعتهم التقليدية بمنتجات خاصة بكأس العالم تتضمن أقمصة وكرات وشالات وشعارات، بينما أبدع آخرون في جذب الزبائن بعرض تذكاريات مونديالية مصنوعة بروح الثقافة الروسية. أحذية وكرات وشعارات منتخبات يظنها الزبون من البلاستيك أو الفخار لكن عندما يلامسها يكتشف أنها من الخشب ومستوحاة من روح «الماترويشكا».

وعلى الرغم من سعرها المرتفع مقارنة ببقية المعروضات فإن هذه التحف المونديالية تجد رواجاً كبيراً بين المشجعين الباحثين عن أشياء تخلد زيارتهم إلى روسيا 2018.

ويتشتت ذهن الزائر إلى سوق «أزمايلوفو» أثناء جولته في أزقته الضيقة، فتارة يتفحص السلع المعروضة وتارة أخرى ينظر إلى الأعلى منبهراً بالفن المعماري الفريد للكنائس والمتاحف والمقاهي والمطاعم التي تتوسّط السوق. قباب حمراء وخضراء بتصميمات لا تراها العين سوى في موسكو، وهي ضاربة في القدم وتعود إلى قرون خلت.

وتنتهي جولة السائح في السوق إلى زقاق تزدحم به المطاعم التي تختص بوجبات «المشاوي» من لحم الضأن والسمك، ويتهافت عليها الآسيويون وزبائن آخرون يرتدون قمصان المكسيك وكولمبيا.

وفي آخر أزقة السوق تعترض الزائر سلالم قديمة إذا صعدها يكتشف عالماً مذهلاً من الجمال، يرى السوق من أعلى فتبدو الصورة أشبه بلوحة فنية، قباب خضراء وأسقف حمراء وزخارف وتماثيل شاهدة على عراقة بلد المونديال.

وتضع السلالم الخشبية القديمة زائر السوق في ممرات توصله إلى ساحة دائرية تتوسطها كنيسة قيل إنها قديمة جداً وأمامها نافورة ينبعث منها ماء من عين طبيعية تجتذب الضيوف ويلتقطون الصور بجانبها. ومن الجهة المقابلة يحتل متحف الشوكلاته مساحة كبيرة من السوق ويمنع التصوير على الفضوليين. كما يزخر المكان ببنايات ذات طابقين ساحرة بتصميمها النادر.

حديقة المونديال

ومن تحمّل أعباء الرحلة وواصل السير في الممرات الضيقة يكتشف في نهاية السوق حديقة جميلة تتوسطها بحيرة اصطناعية، وبها أشجار كثيفة تحتمي بها حشود من جماهير كأس العالم الذين جاؤوا للتنزه والتسوق من أشعة الشمس أحياناً والمطر أحياناً أخرى؛ لأن الطقس متقلب في موسكو هذه الأيام ولا يستقر على حال.

هاجس المباريات

وبعد نيل قسط من الراحة والتأمل في المباني الجميلة والابتعاد لدقائق عن صخب السوق الذي يعج بالناس، يتذكر المشجعون انطلاق مباريات ثمن نهائي المونديال فيهرعون مهرولين إلى خارج الحديقة. ويعودون إلى المقاهي الواقعة في السوق ويختارون أفضلها ما وفر شاشات تلفزيون كبيرة حتى يتابعوا المباريات ويعيشون الحدث الذي سافروا من أجله. بينما لا يكترث مشجعون آخرون كثيراً بمثل هذه المباريات ولا زالت حسرتهم كبيرة بخروج منتخباتهم من المونديال، فقد فقدوا نكهة البطولة وما عادت تعني لهم الكثير. تراهم يغادرون سوق «أزمايلوفو» يتجادلون حول ما عاينوه من جمال وروعة روسية، من سلع ومنتوجات ومعمار رفيع الذوق، ممنّين النفس بالعودة يوماً ما إلى مدينة جميلة سلبت عقولهم فوهبوها كل الحب.

Email