تاريخ المونديال

إيطاليا تحتفظ باللقب في 1938

ت + ت - الحجم الطبيعي

أقيمت النسخة الثالثة لكأس العالم وسط أجواء الحرب والصراعات، ولم يعكّر هذا الواقع على الجمهور الفرنسي استمتاعه بهذا العرس الكروي على مدى 15 يوماً، ألهب خلالها المنتخب البرازيلي المشاعر بقدرات لاعبيه، قبل أن يذهب اللقب في النهاية إلى إيطاليا عن جدارة واستحقاق.

ولم تضم تشكيلة بوتزو حسب موقع الفيفا في فرنسا 1938 سوى ثلاثة لاعبين من الفريق المتوّج بلقب 1934، حيث عوّل المدرب كثيراً على خدمات لاعبي الوسط جيوسيبي مياتزا وجيوفاني فيراري، بالإضافة إلى المهاجم النجم سيلفيو بيولا، الذي سجل هدفين من أصل أربعة في النهائي أمام المجر، لتُصبح إيطاليا بذلك أول فريق يحافظ على لقبه في كأس العالم.

كانت نهائيات 1938 آخر حدث رياضي دولي قبل انطلاق شرارة الحرب العالمية الثانية، إذ لم تُشارك إسبانيا بسبب تخبّطها في حرب أهلية، كما انسحبت النمسا بعدما أصبحت تابعة للحكم الألماني، إلا أنها كانت ممثلة ببعض اللاعبين ضمن منتخب ألمانيا. كما اتفقت أوروجواي والأرجنتين على عدم المشاركة بعد إخفاقهما في استضافة الحدث على أرضهما، بينما اختارت البرازيل السفر إلى فرنسا، حيث قدّمت مباراة غاية في الروعة أمام بولندا ضمن الدور الأول في ستراسبورج.

سُباعية ليونيداس

بقيت مباراة البرازيل وبولندا راسخة في ذاكرة كأس العالم، حيث فاز منتخب السامبا بنتيجة 6-5 بعد التمديد لانتهاء الوقت الأصلي بالتعادل 4-4. وتعملق ليونيداس في هذا المهرجان التهديفي بتسجيله ثلاثية كانت كفيلة بمنح البرازيل بطاقة التأهل إلى الدور ربع النهائي، إلا أنه لم يكن الوحيد الذي تألق في هذه الموقعة، حيث سجل البولندي إيرنست فيليموفسكي رباعية سمح من خلالها لمنتخب بلاده بقلب تخلفه من 1-3 إلى تعادل 3-3 ثم 4-4، لكنه استسلم بعدها لتفوق رفاق ليونيداس الذي فاز بلقب هداف البطولة بسبعة أهداف.

وودع فيليموفسكي فرنسا بجائزة ترضية، حيث أصبح أول لاعب يسجل رباعية في كأس العالم ، فيما واصل ليونيداس مشواره مع منتخب بلاده في طريقه للتتويج بلقب هداف البطولة برصيد 7 أهداف، متقدماً على المجري جيولا زينجيلر صاحب 6 أهداف، والتي سجل منها هدفين في الدور الأول أمام جزر الهند الهولندية الشرقية، التي ظهرت للمرة الأولى والأخيرة في هذا الحدث، قبل أن تودّعه إلى الأبد بهزيمة ثقيلة على يد المجر بسداسية نظيفة. كما كانت كوبا ضمن الوافدين الجدد على البطولة، لكن مشاركتها كانت بطعم آخر، إذ حققت مفاجأة من العيار الثقيل عندما أطاحت برومانيا بنتيجة 2-1 في مباراة معادة، بعد انتهاء المواجهة الأولى بالتعادل 3-3. ويرجع الفضل في ذلك إلى المهاجم سوكورو، الذي هز الشباك الرومانية في المباراتين. لكن حلم رفاق سوكورو - الذي يعني اسمه بالإسبانية "النجدة" - انتهى عند الدور ربع النهائي بهزيمة قاسية جداً على يد السويديين قوامها ثمانية أهداف نظيفة.

وعند هذا الدور انتهى المشوار الألماني أيضاً وكان ذلك على يد السويسريين الذين فازوا 4-2 في مباراة معادة، بعد تعادل الطرفان 1-1 في اللقاء الأول. وكان مدرب المنتخب الألماني حينها سيب هيربيرج الذي قاد الفريق إلى اللقب العالمي بعد 16 عاماً في سويسرا بالضبط. لكن من لفت الأنظار في مواجهة 1938 كان على مقعد الاحتياط في الجهة المقابلة، حيث طبّق النمساوي كارل رابان مع المنتخب السويسري خطة دفاع محكمة عرفت لاحقاً مع الإيطاليين باسم "كاتيناتشيو".

ولم يلق الوجود الألماني والإيطالي على الأراضي الفرنسية ترحيباً كبيراً، حيث نظّم الجمهور المحلي مظاهرات حاشدة ضد النظام الفاشي، إلا أن ذلك لم يؤثر على بوتزو ومنتخبه الذي أظهر مستوى تصاعدي من مباراة إلى أخرى، بينما ودّع الألمان البطولة مبكراً.

إيطاليا تُقصي أصحاب الأرض

بدأ منتخب "الأزوري" مشواره بالفوز على النرويج 2-1 بعد التمديد بفضل هدف من بيولا، ثم تخطى صاحب ذهبية أولمبياد 1936 نظيره الفرنسي في ربع النهائي 3-1 بعد هدفين آخرين من توقيع بيولا أمام 59 ألف متفرج احتشدوا في ملعب "كولومب" في ضواحي باريس، ليؤكد أن فوزه بلقب 1934 لم يكن فقط بسبب لعبه على أرضه وبين جمهوره. ولم يكن موسوليني بعيداً عن أجواء مواجهة ربع النهائي أمام فرنسا، حيث ارتدى لاعبو المنتخب الإيطالي قمصاناً سوداء بناء على أوامر الديكتاتور الفاشي.

ولم يكن التوتر والتعصب محصوراً فقط بمباراة فرنسا وإيطاليا، حيث كانت المواجهة الأخرى في ربع النهائي بين البرازيل وتشيكوسلوفاكيا ضارية بكل ما للكلمة من معنى، بعدما شهدت ثلاث بطاقات حمراء، فضلاً عن إصابات وكسور متعددة قبل أن تنتهي بالتعادل 1-1 بعد التمديد. وتعرّض الحارس التشيكوسلوفاكي فرانتيزك بلانيكا لكسر في يده وزميله المهاجم أولدريخ نييدلي، هداف نسخة 1934، لكسر في ساقه لحظة تسجيله هدف التعادل لبلاده، بعد أن افتتح ليونيداس التسجيل لمصلحة البرازيل.

واحتكم الفريقان إلى مباراة معادة شهدت مشاركة لاعبَين فقط من المباراة الأولى مع المنتخب البرازيلي، كان أحدهما المهاجم ليونيداس، والذي وجد طريقه مجدداً إلى الشباك في لقاء حسمه منتخب بلاده 2-1 ليخطف بطاقة التأهل إلى المربع الذهبي لأول مرة في تاريخه. وقرّر مدرب البرازيل أديمار بيمينتا أن يبقي ليونيداس خارج التشكيلة التي واجهت إيطاليا في مباراة نصف النهائي في مارسيليا، فدفع ثمن خياره هذا غالياً، حيث ودّع الفريق المنافسات على يد المنتخب الإيطالي لخسارته بنتيجة 2-1 في مباراة لم يقدم خلالها المنتخبان أي شيء يُذكر. وأكدّ ليونيداس، الذي أطلق عليه الجمهور الأوروبي لقب "الجوهرة السوداء"، فداحة الخطأ الذي ارتكبه مدربه عندما عاد إلى التشكيلة في مباراة تحديد المركز الثالث ليسجل هدفين وليقود البرازيل للفوز على السويد 4-2.

وكانت السويد قد خسرت المواجهة الثانية ضمن دور نصف النهائي أمام المجر 1-5 في مباراة تألق خلالها زينجيلر بتسجيله ثلاثية حرمت السويديين من منح ملكهم جوستاف الخامس هدية التأهل إلى النهائي في الذكرى الثمانين لولادته.

وكان المنتخب المجري بقيادة مدربه ألفرد شافر وزينجيلر الأوفر حظاً للفوز باللقب، عندما دخل لمواجهة إيطاليا في باريس. ولكن منتخب بوتزو خالف كل التوقعات وخرج فائزاً من المواجهة عن جدارة واستحقاق، بفضل الثنائي فيراري ومياتزا، أو "مهندسي النصر" بحسب صحيفة "لوتو" حينها. واستهل المنتخب الإيطالي المباراة بطريقة مثالية فافتتح التسجيل منذ الدقيقة السادسة بواسطة كولاوزي، ولكن الرد المجري جاء بعد دقيقتين فقط عندما أدرك بال تيتكوس التعادل. إلا أن التفوق الإيطالي كان واضحاً، حيث أنهى رجال بوتزو الشوط الأول متقدمين بنتيجة 3-1، بعدما أضاف بيولا وكولاوزي هدفين في الدقيقتين 16 و35. إلا أن المجريين رفضوا الاستسلام وعادوا مجدداً إلى أجواء اللقاء بعدما قلص جريجوري ساروزي الفارق في الدقيقة السبعين قبل أن يُطلق بيولا رصاصة الرحمة في الدقيقة 82 بتسجيله هدفه الشخصي الثاني في المباراة والخامس في البطولة، مؤكداً جدارة تتويج منتخب بلاده باللقب للمرة الثانية على التوالي.

كلمات دالة:
  • #ايطاليا،
  • كأس العالم،
  • #فرنسا
Email