سالم سهيل..أول الشهداء

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان يلازمني شعور غريب وخلجات متباينة وذبذبات طولية من الأحاسيس الجميلة والمشاعر الدافقة من معين طفولة شهيد الإمارات الأول الجندي «سالم سهيل خميس الدهماني» رقم 190 الذي أبى أن يتوانى عن الدفاع عن سيادة الإمارات على جزيرة طنب الكبرى التي احتلتها إيران في 30 نوفمبر من عام 1971، وظل مرابطاً يدافع عن ترابها بسلاحه البسيط، حتى سقط شهيداً بعد أن مزقت طلقات الرصاص جسده النحيل. وقال مشدداً لزملائه الخمسة: «لن يقترب منا هؤلاء حتى آخر قطرة دم.. وارفعوا رؤوسكم عالياً كعلو العلم الشامخ الذي يرفرف في السماء».

البداية

من قرية وادي المنيعي، كنت أستجمع الذكريات وأضم الأحداث والوقائع إلى بعضها حسب التواريخ، وأتمعن في أفق الزمان أقرأ وأحلل وأتذكر! ولكن أحملق عاجزة عن طرق الفكرة وبداية الكلمة التي قد تسعفني في الجود بكلمات معبرة عما يمكن أن أصف به الشهيد الذي جسد الـ30 من نوفمبر من كل عام تاريخاً وطنياً للاحتفاء بشهداء الوطن الذي كان هو أولهم، عندما جسد مشهداً ملحمياً لكفاح أهل الإمارات وتضحياتهم البطولية التي سطروا كلماتها بالدم برغم صغره سنه.

إعادة الأمل

هل هي مصادفة أن يستشهد شهيدنا الأول وشهداؤنا في عملية إعادة الأمل، ليجمع بينها سورة الغدر من العدو نفسه مع اختلاف السنوات، ففي وحشة الليل ذاتها ويقظة الجريمة، كان الباطل بما طبع عليه من غرور، وما جُبِل عليه من قسوة، وما مرد عليه من لؤم، كان مستخفياً ينساب على جزيرة طنب الغافلة، يجمع سلاحه، ويبث عيونه، ويسوق أذنابه مع الكبار والصغار، ويعد عدته في تشكيلات عسكرية تمثل مختلف القطاعات والأسلحة، لكي يغتال مع ساعات الفجر الأولى معاهدة الانسحاب الرسمي البريطاني من إمارات الخليج العربي التي لم تكد أن تنتهي.

نشأته

فقد ولد الشهيد البطل من والديه (سهيل بن خميس، وفاطمة بنت هلال) نحو عام 1955 وسط فرحة عارمة ملأت الكون كله وقتها، وذلك في قرية المنيعي التي يعود تاريخها إلى أكثر من 600 سنة، من هذه القرية الزراعية التي تنام على أحضان الجبال، وجارة الوديان التي تحيطها، حيث تقع على مسافة 130 كيلومتراً جنوب شرق مدينة رأس الخيمة. ويعد الشهيد آخر العنقود من بين 5 أشقاء وشقيقة واحدة وهم ترتيباً (عبد الله، خلفان، علياء، علي، حارب، ونصيب).

وترعرع الشهيد سالم وسط أسرة بسيطة الحال، شأنها شأن أغلب العائلات في تلك الفترة التي عاشت حياة صعبة، وكانت أسرته معروفة عنها بتدينها وتمسكها بالعادات والتقاليد، وحبها الشديد للوطن وروح الوطنية، وهي الروح التي تزود بها كل أفرادها، ونهجوا نهج أسلافهم وأجدادهم وتشبعوا بحب الوطن.

حب العلم

كما نشأ منذ صغره محباً للعلم، والتحق منذ صباه على يد «المطوع» ناهلاً منه العلم والمعرفة، وتمكن من حفظ القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، حينها قرر التوقف ليلتحق في عمل، وانخرط في العمل بعددٍ من المهن، وانضم إلى فرقة الموسيقى العسكرية في الشارقة غير أنه لم يكمل فيها، لينتقل بعدها إلى «شرطة رأس الخيمة» وكان عمره 16 عاماً، مقتدياً بإخوانه حارب وعلي وخلفان، وتم إعطاؤه الرقم العسكري: 190.

المكافح

وكان الشهيد سالم سهيل متفانياً في عمله، وظل مكافحاً لكسب قوته، وتميز بأنه كان الأكثر انضباطاً وجاذبية في العمل العسكري، ملتزماً بكل الأوامر العسكرية التي كان يتلقاها من رؤسائه، وذلك أثناء عمله في حصن الشرطة في مدينة رأس الخيمة، هي الأقدار وحدها التي رسمت طريق الشاب، حيث تم انتدابه إلى مركز طنب بدلاً من صديقه الذي رفض وقته الذهاب.

بدايات القصة

بدأت القصة في «مركز طنب»، كما يرويها أهل الشهيد والمقتبسة في أجزائها الأكبر من قصة مكتوبة عن الشهيد ومن ذاكرة عدد من الأهالي الذين عاصروا وقوع الحادثة: عندما كان أفراد الشرطة الستة (حنتوش، حسن علي محمد، محمد عبد الله عبيد، محمد علي صالح، علي محسن محمد) يترأسهم الشرطي الأول سالم سهيل يقفون على أهبة الاستعداد لأداء تدريبات الصباح المعتادة، أثناء ذلك لاحظ الشرطي المكلف بالحراسة وجود مدمرات حربية تدور حول الجزيرة. كما لاحظ تحليق ثلاث طائرات حربية إيرانية تحوم حول الجزيرة، ثم ألقت منشورات فوق المساكن مكتوبة بالغة الفارسية تدعوهم إلى الاستسلام وعدم المقاومة، وأنهم منذ اليوم أصبحوا من رعايا الدولة الإيرانية.

على أرض الجزيرة

ثم توجهت في ذلك الوقت زوارق طوربيدية برمائية من كل جانب وصعدت إلى البر على أرض الجزيرة من كل جهة والطائرات تحوم حولها، وبمجرد اقتراب الغزاة من مركز شرطة الجزيرة بادر العسكريون الستة بإطلاق النار على الغزاة الذين ردوا هم الآخر بوابل من الرصاص الذي كان يخترق مبنى المرك..

واستمر الأمر ساعات متواصلة، ثم أمر سالم سهيل زملاءه بالتجمع حول سارية علم رأس الخيمة، والدفاع والذود عنه والحرص على عدم إنزاله نهائياً من السارية، واستمروا في إطلاق النار على كل من يحاول من الغزاة اختراق مركز الشرطة، ثم هدأت المعركة قليلاً وطلب الغزاة التفاوض على استسلام الجنود الإماراتيين، لكن سالم سهيل ردّ عليهم أن علم بلاده لن ينزل من ساريته، فكان الردّ الإيراني بوابل كثيف من الرصاص لمبنى الشرطة، والجنود الإماراتيون يردّون عليهم، كل واحد من الستة اختار جانباً من جوانب المبنى لإطلاق النار.

وقتها أبلغوا شرطة رأس الخيمة عبر جهاز اللاسلكي لإرسال الدعم والمساندة اللازمة، وبمجرد اقتراب الغزاة من مركز شرطة الجزيرة بادر العسكريون الستة بإطلاق النار على الغزاة الذين ردوا هم الآخر بوابل من الرصاص الذي كان يخترق مبنى المركز، ثم أمر سالم سهيل زملاءه بالتجمع حول سارية علم رأس الخيمة، والدفاع والذود عنه والحرص على عدم إنزاله نهائياً من السارية..

واستمروا في إطلاق النار على كل من يحاول من الغزاة اختراق مركز الشرطة، ثم هدأت المعركة قليلاً وطلب الغزاة التفاوض على استسلام الجنود الإماراتيين، لكن سالم سهيل ردّ عليهم أن علم بلاده لن ينزل من ساريته، فكان الردّ الإيراني بوابل كثيف من الرصاص لمبنى الشرطة، والجنود الإماراتيون يردّون عليهم، كل واحد من الستة اختار جانباً من جوانب المبنى لإطلاق النار.

استشهاده

وقتها استمر تبادل إطلاق النار على المركز وعلى العلم محاولين إسقاطه وعندها خرج الشرطي الأول سالم زاحفاً نحو العلم عند علمه بأنهم خسروا المعركة ضد هذا الكم الهائل والأعداد الكبيرة، وحاول الشرطي علي محسن تغطية سالم وتعقب الإيرانيين المتراجعين، فخرج وهو يطلق النار بكثافة، ولكن رصاص المعتدين تركز عليهما، ما أدى إلى استشهاد سالم على الفور وإصابة علي الذي خر جريحاً على عتبة الباب الرئيس للمركز، وللحظات هدأ إطلاق النار من جانبهم، وبقي إطلاق النار من غرفة اللاسلكي..

حيث كان شرطي اللاسلكي يجري اتصالاً مع قيادة الشرطة برأس الخيمة، يشرح عن الوضع الراهن، ويطلق النار من رشاشه على المهاجمين والمعتدين. وبعد العزم والقوة حل الصمت المطبق الذي أكد القبض على الباقيين الذي وقعوا في الأسر على يد الجنود الغزاة. وفي 25 ديسمبر عام 1971، وصلت طائرة جمعية الصليب الأحمر الدولية إلى مطار دبي، حاملة فيها الجنود الخمسة أبطال «معركة طنب»، واستقبلوا بحفاوة كبيرة من زملائهم.

Email