الجــزء الـسابـع عـشـر

نشأة الكون

6666_41

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبـدأ هـذا الجـزء منَ القـرآن الكريم ، منْ الآيـة [ 1 ] من سورة الأنبيـاء ، و حتى الآيـة [ 78 ] من سورة الحـج ، و مـمّـا ورَد فيـه :

( أنَّ الـسَـمَـاواتِ وَ الأرْضَ كَـانَتا رَتْـقاً فَفَـتَقْـنَاهُـمـا )[ الأنبياء 30]:

قبل الرتْق لَمْ يكُنِ الزمَانُ مَوجـوداً، لأنَّ الزمَانَ ينتجُ أصْلاً مِنْ حَرَكَةِ المكَانِ، ثمَّ أذِنَ الله بانفجَـارِ هـذهِ الكتلةِ، فَبَدأَ الزمَـانُ، وَ بَدأَ الكَوْنُ بالتوسُّـعِ وَ التمَدُّدِ وَ التَباعُدِ: (أوَ لَـمْ يرَ الـذِينَ كَـفروا أنَّ الـسَـمَـاواتِ وَالأرْضَ كَـانَتا رَتْـقاً فَـفَـتَقْـنَاهُـما)[ الأنبياء 30 ] ، رَتْـقاً : قطعـةً واحدةً متماسـكة ، فَفَـتَقْـنَاهُـمـا: إشارَةً إلى الانْفِجَارِ أو التَباعُدِ الأعْظَمِ، وَ لاَ يَزالُ الكَوْنُ في حَالَةِ تَمَدُّدِ وَ تَوسُّعٍ حتَّى الآنَ:

 ( وَ الـسـمَـاءَ بَنَيْنَـاهـَا بِأيْـدٍ وَ إنَّـا لَـمُـوسِـعُـونَ )[ الذاريات 47 ] ، بِأيْدٍ: بقوةِ، لَـمُـوسِـعُـونَ: دونَ زِيَادَةٍ في الكتْلَةِ، فالتَوَسُّعُ يَعْني التَبَاعُـدَ فَقَطْ، مِثْلَ القَوْلِ: تَوَسَّعُوا في المَجَالِسِ، أيْ تَبَاعَدُوا فيمَا بِيْنَكُمْ، إلى أنْ يُعِيدُهُ الخَالِقُ تعالى في نِهَايةِ دَوْرَتهِ إلى حَالتِهِ الأولى، أي [ قِطْعَةً واحِدَة مُتراصّةً وَ مُتَمَاسِكَةً بِشَكْلٍ هائِلٍ ]: (يَوْمَ نَطْوي الـسـمَـاءَ كَـطَـيِّ الـسِجِـلِّ لِلـكُـتُبِ كَـمَـا بَدَأْنَا أوَّل َ خَـلْـقٍ نُعِـيدُهُ وَعْـداً عَـلَـيْنَا إنَّا كُـنَّا فَـاعِـلـينَ)[الأنبياء 104] ، (وَ الـسَـمَـاواتُ مَـطْـويّـاتٌ بِـيَـمِــينِهِ)[ الزمر 67] .

لَقَدْ تمَّ وِفْقَ نظرياتِ [ المَجَالِ الموحَّدِ]، تَمَّ وَضْعُ تَصَوُّرٍ لِمـَا حَدَثَ في الثَواني القليلةِ الأولى التي أعْقَبَتِ الانفجَارَ الكبيرَ عِنْدَ نَشْأةِ الزَمَانِ، حيثُ كانَ الكونُ لاَ يزالُ كُرَةً ناريةً تَدورُ بشَكْلِ دوَّامَةٍ تَتكوَّنُ مِنَ [ الكُواركات وَ الكمَّاتِ الفيزيائيّةِ ] الأُخْرى ، وَ قَدْ أوْضَحَ القرْآنُ الكريمُ أنَّ الإنسَانَ سَيَتَمَكَّنُ يَوْمَـاً مـَا مِنْ مَعْرِفَـةِ مَا حَـدَثَ عِنْدَ بِدايَـةِ النَشْـأَةِ الأُولى: ( وَ لَـقَـدْ عَـلِـمْـتُـمْ الـنَـشْـأةَ الأولـى فَـلَـوْلاَ تَـذَكَّـرونَ )[ الواقعة 62 ] ، تَـذَكَّـرونَ: لِلمعْلوماتِ التي في الذاكِـرةِ الأزلِيّـَةِ.

فَـقَبْلَ زَمَنٍ قَدْرُهُ أقل مِنَ الثانيةِ الأولى، لَمْ يَسْتَطِعِ العُلمَاءُ وَضْعَ تَصَوُّرٍ لِمَا حَدَثَ، أمَّا بَعْدَ هَذهِ الفترةِ الزمنيَّـةِ المتناهيـَةِ في الصِغَرِ فَقَدْ كانتْ دَرَجَةُ حَرَارَةِ الكَوْنِ تُقَدَّرُ بِ [ مَائةِ مِلْيارِ دَرَجَةٍ مُطُلَقَةٍ - كَلْفِنْ - ] ، وَ كانَتِ المادَّةُ عَلى شَكْلِ [ هَيُولى أوْ حِسَاءٍ ذَرّيٍ ] ، وَ لَمْ تَكُنِ الذرّاتُ قَدْ أَخَذَتْ هَوِيَّتَهَا حَسَبَ جَدْوَلِ مَنْدَلْييفْ لترتيبِ العَنَاصرِ، وَ هَذا الحِسَـاءُ الذَرّيُّ كانَ عِبارةً عَنْ إلكتروناتٍ و فوتوناتٍ و بوزيتروناتٍ و نيوترونو مُضَـادّ :

 ( وَ مِـنْ كُـلِّ شَـءٍ خَـلَـقْنَا زَوْجَــينِ )[ الذاريات 49 ] ، إلى آخِرِ ذلكَ مِنَ العناصِرِ الدقيقَةِ ، وَ كانَتْ هَذِهِ الجُسَيْماتُ تَخْلَقُ وَ تَتَلاشى باسْتِمْرارٍ في كَثَافَةٍ وَ حَرارَةٍ عالِيَتَيْنِ ، وَ كانَ ناتِجُ ذلِكَ هُوَ الفوتوناتِ التي كانَتْ تَتَصَادَمُ مَعَ بَعْضِهَا وَ مِنْ هَذا الذي حَصَلَ تَشَكَّلَ الكَوْنُ [ السَماواتُ وَ الأرْضُ وَ مَا بيْنَهُمَا ]، وَ في أثْنَاءِ تَحَطُّمِ التَنَاظُرِ :

[ الجُسَيْمُ وَ ضِدَّهُ ] هَذَا ، فَقَدْ تَمَّ حَبْسُ أوْ تَقْييدُ بَعْضِ حَالاَتِ التَفْريغِ هَذِهِ دَاخِلَ خُيُوطٍ في الفَضَاءِ هيَ الأوْتَارُ ، وَ كَانَ تَحَطُّمُ التَنَاظُر ِهَذَا لَيْسَ تَامّاً في الكَوْنِ بَلْ كَانَ مُتَصَدِّعَاً فَنَجَـا فَائِضٌ مِنَ البروتونَاتِ وَ الإلِكِتْرونَاتِ بِنِسْبَةِ : وَاحِدٍ إلى مِلْيَارٍ لِكُلٍّ مِنْهَا ، وَ هَذِهِ النِسْبَةُ الضَئِيلَةُ التي نَجَـتْ ، شَكَّلَتِ الكَوْنَ المرْئيّ وَ مَا فيهِ ، وَ الإنْسَـانَ ، وَ لَوْلاَ ذَلِكَ لاَ يُوجَدُ كَـوْنٌ أصْلاً .

(وَ جَـعَـلْـنَا مِـنَ الـمَـاءِ كُــلَّ شَـيْءٍ حَـيٍّ)[ الأنبياء30] :

إنَّهُ المَـاءُ: ( وَ جَـعَـلْـنَا مِـنَ الـمَـاءِ كُــلَّ شَـيْءٍ حَـيٍّ )[ الأنبياء30 ] ، وَ لَمْ يَقُلْ تعالى : [ خَلَقْنا ] ، لأنَّ الجَعْـلَ: هُوَ الإبْداعُ وَ الإنْشَاءُ في الخَلْقِ، وَ فيهِ مَعْنى التَقْديرِ: ( وَالـذي قَدَّرَ فَـهَـدى )[ الأعلى 2 ]، وَ فيهِ مَعْنى التَسْويَةِ : ( خَـلَـقَـكَ فَـسَـوَّاكَ )[ الإنفطار 6 ] ، فَكَلِمَةُ جَـعَـلْـنَا أَعَمُّ وَ أَشْمَلُ مِنْ كَلِمَةِ خَلَقْنا، و بدايَةُ تكوينِ الإنسانِ في الرَحِمِ تكونُ في [ السائل الأمينوسيّ ] الذي يتكوّنُ 99 % منه مـاء .

المـاءُ الخَفيفُ:

صِيْغَتُهُ الكيميائِيَّةُ هيَ : H2O ، أيْ يَتَكَوَّنُ جُزَيْئُهُ مِنْ ذَرَّتَيْنِ مِنَ الهيدروجينِ الخَفيفِ ، ذي الوَزْنِ الذَريّ / 1 / ، وَ مِنْ ذَرَّةٍ واحِدَةٍ مِنَ الأُوكْسجين ، ذي الوزنِ الذريّ / 16 / فَيَكونُ مَجْموعُ الوَزْنِ الجُزَيْئيِّ لِجُزَيْءِ المَاءِ الخَفيفِ = / 18 / وحدة ، ( وَ أَسْـقِيْناكُـمْ مَـاءً فُـراتَاً )[ المرسلات 27 ] ، وَ يَتَمَتَّعُ المَاءُ الخَفيفُ بِخَاصِيَّةِ التَفَكُّكِ الضَعيْفِ إلى شَوارِدِH+ ، OH- ، وَ يُظْهِرُ الماءُ خَواصّاً تُشْبِهُ خواصّ الحُمُوضِ وَ الأُسُسِ ، وَ هَذَا يَجْعَلُهُ شُـمْولِيّاً كَمُذِيْبٍ لِلْعَدَدِ الأعْظَميِّ مِنَ المَوادّ الضَروريّةِ لِلحَيـاةِ وَ يَضْمَنُ وُجُودَها ، وَ خُطُوطُ الاتِّصَالِ في جُزَيْءِ المَاءِ مَا بَيْنَ [ الأوكْسجيْنِ وَ الهيْدروجيْنِ ] ، تَتَقاطَعُ في مَرْكَزِ ذَرَّةِ الأوكْسجيْنِ ، مِمَّا يَجْعَلُ المَاءَ يُحَافِظُ عَلى حَالَتِهِ السَائِلَةِ في الطبيعَةِ مَعَ أَنَّهُ يَتَكَوَّنُ مِنْ غَازَيْنِ [ أوكسجين وَ هيدروجين ] ، مَعَ العِلْمِ أنَّ الغازَاتِ لاَ تَكُونُ سَائِلَةً إلاَّ تَحْتَ الضَغْطِ وَ البُرودَةِ [ مِثْلَ غَازِ الطَبْخِ مَثَلاً ] ..

وَ تَتَوَضَّعُ خُطُوطُ الاتِّصَالِ هَذِهِ بالنِسْبَةِ لِبَعْضِها بِزاوِيَةٍ قَدْرُها / 104 درجات + 27 دقيقة مِنَ الدَرجة / ، وَهَذَا مَا يَكْفلُ لِلْماءِ خَواصَّهُ الفَريْدَةِ كَأسَاسٍ لِلْحياةِ، وَ كَمادّةٍ تُسَاعِدُ عَلى النَشَاطِ الحَيَويِّ، وَكَعُنْصُرٍ في بُنْيانِ الشَبَكَةِ البلّوريَّةِ لِلْثَلْجِ وَ الجَليْدِ ، بِحَيْثُ يَطْفو الجَليْدُ عَلى سَطْحِ المَاءِ، بِعَكْسِ السَوائِلِ الأُخْرى، التي يَنْزِلُ القِسْمُ الجَامِدُ مِنْها لِلأَسْفَلِ [ مِثْلَ الشَمْعِ وَ الزَيْتِ ...]، كَما أنَّ هَذِهِ البُنْيَةَ البَلَّوريَّةَ تُبْقي الماءَ في حَالَةِ الذَوبانِ في الكائِنِ الحيِّ مَا بَيْنَ دَرَجَتَيْ الحَرارَةِ المِئَويَّةِ / 30 – 40 /، مِمَّا يَجْعَلُ المَـاءَ حَامِلَ الحَيَـاةِ الأسَاسيِّ:

( أَ فَرَأَيْتُمُ الـمَـاءَ الـذي تَشْـرَبُونَ أَ أَنْتُمْ أَنْزَلْـتُمُـوهُ مِـنَ الـمُـزْنِ أَمْ نَحْـنُ الـمُـنْزِلُـونَ لَـوْ نَشَـاءُ جَـعَـلْـناهُ أُجَـاجَـاً فَلَـوْلاَ تَشْـكُـرونَ ... أَ فَـرأيْتُـمُ الـنَـارَ الـتي تُورون .... أَ فـرأيْتُـمْ مَـا تحْـرثُـونَ )[ الواقعة 68 / 83 ] ، فهذه الآيات الكريمة شَملتْ [ المـاء + النَـارَ + التُراب ]، و هي عنـاصر الحياة الأساسيّة، و لـمْ يذْكُـر العنصُرَ الرابع [ الهـواء ] ، لأنّ الآيات تتحدّثُ عن اُمورٍ مَـرئيّةٍ للعيْـن: ( أَ فَـرَأَيْتُـمُ )، و الهواءُ غيْـرُ مـرئيّ .

(وَ جَعَـلْـنَـا الـسَـمَـاءَ سَـقْـفاً مَحْـفوظاً)[الأنبياء 32] :

بالنَظَرِ في قَوْلِهِ تعالى: ( وَ بَـنَيْـنا فَوْقَكُـمْ سَـبْعـاً شِداداً )[ النبأ 12 ] ، ( وَالسَـمَـاءَ بِنَاءً ) [ البقرة 22 ] ، بِناء وَ لَيْسَتْ فراغاً، ( أَ أَنْتُمْ أَشَـدُّ خَـلْـقَـاً أَمِ الـسَـمَـاءَ بَنَاهـَا )[ النازعات 27 ] ، ( وَ جَـعَـلْـنَـا الـسَـمَـاءَ سَـقْـفـاً مَـحْــفوظـاً )[ الأنبياء 32 ] ، سَـقْـفـاً : سَـقْفٌ لِلأرْضِ ، بِكلِّ ما في هـذِهِ الكلِمَـةِ مِنْ مَعْـنى: ( وَ الـسَـقْـفُ الـمَـرْفوعُ )[ الطور 5 ] ، وَ نَحْنُ مُطالَبونَ بالنَظَرِ في كيْفيَّـةِ رَفْعِ هذِهِ السَمَاءِ الدُنيا التي هيَ الغِلافُ الجـوّيُّ للأرْضِ ، لأنَّ السَمَاواتِ العُـلى تَقَعُ خارِجَ حُدودِ الإمكاناتِ البشَـريَّةِ لِبُعْدِهَا الهائِلِ عَنَّـَا ، وَ هيَ مِنْ عالَمِ الغَيْبِ في الحيَاةِ الدُنْيا ، فَقَدْ قالَ تعالى:

( أ فَـلاَ يَـنْـظُـرونَ إلـى الإبِـلِ كَـيْـفَ خُـلِـقَـتْ وَ إلـى الـسَـمَـاءِ كَــيْـفَ رُفِـعَـتْ )[ الغاشية 17 / 18 ] ، ( أَ فَلَـمْ يَـنْظُـروا إلـى الـسَـمَـاءِ فَوْقَهُـمْ كَـيْـفَ بَنَيْـناهَـا وَ زَيَّنَّاهَـا )[ ق 6 ] ، وَ بِمَا أنَّ الزينَةَ لِلسَماءِ التي فَوْقَنا [ أي السَبْع الشِداد حسْبَ آيَةِ : النبأ 12 السابقة ] ، فَهي إذاً السَماءُ الدُنيا لقَوْلِهِ تعالى : ( وَ لَـقَدْ زَيَّنَّا الـسَـمَـاءَ الـدُنْيَا بِمَـصَـابيحَ وَ جَعَـلْـنَاهـَا رُجُـوماً لِلشَـيَاطينِ )[ الملك 5 ] ، جَعَـلْـنَاهـَا :

أي السماء الدنيا، ( إنَّـا زَيَّنَّا الـسَـمـَاءَ الـدُنْيا بِـزينَةٍ الـكَـواكِـبِ )[ الصافات 6 ] ، وَ هذا البنـاءُ وَهذا السَقْفُ المرفوعُ يَحْفَظُهُ اللهُ تعالى مِنَ السُقوطِ عَلى الأرْضِ ذاتِ الجاذبيّةِ : ( وَ يُـمْـسِـكُ الـسَـمَـاءَ أَنْ تَـقَـعَ عَـلى الأرْضِ )[ الحج 65 ]، ( اللَّـهُ الـذي رَفَـعَ الـسَـمَـاواتِ بِغَـيْـرِ عَـمَـدٍ تَرونَهَـا )[ الرعد 2 ]، بِغَـيْـرِ عَـمَـدٍ تَرونَهَـا: أي يوجد أعمِـدَةٍ و لكن غَـيْرَ مَرْئيّـةٍ لكم و هي خيوط الجاذبية: ( خَـلَـقَ الـسَـمَاواتِ بِغَـيْرِ عَـمَـدٍ تَرونَها )[ لقمان 10 ] ، فَالغِـلافُ الجـوّيُّ إذاً : هوَ السَـمَاءُ الدُنيَـا.

أسـماء أهم مراحل حيـاة الإنسـان

أوِّبي : ردّدي مَعَهُ التسْبيحَ

(قالوا سَـمِعْنا فَتَـىً يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَـهُ إبْراهيـمُ )[ الأنبياء 60]:

أسْـمَاءُ أهَـمِّ مَرَاحِلِ حَيـَاةِ الإنْسـَانِ :

مَرْحَلَةُ الطِفْـلِ: مُنْـذٌ الولاَدَةِ: ( يُخْرِجُكُمْ طِفْـلاً )[ غافر 67 ] ، وَ حتّى الحُلُـم: ( وَ إذا بَلَغَ الأَطفـالُ منْكُمُ الحُلُـمَ )[ النور 59 ] ، ثُم مَرْحَلَةُ الصِبـَا: تَلي البُلُوغَ وَهيَ بدايَـةُ سنَّ المُراهَقَـةِ، وَ فيها أُوتِيَ يَحْيَى عليه السلام الحِكْمَةَ: ( وَ آتَيْناهُ الحُكْمَ صَبِيّـاً )[ مريم 12 ] ، ثـمّ مَرْحَلَةُ الفَـتى: وَ تُسَمَّى في الوَقْتِ الحاليِّ سِـنُّ المُراهَقَـةِ:

( قالوا سَـمِعْنا فَتَـىً يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَـهُ إبْراهيـمُ )[ الأنبياء 60 ] ، ثـمّ مَرْحَلَةُ الشَـباب: وَ هيَ مَرْحَلَةُ القُـوّة ِ [ منْ سِن 25 إلى 40 سَنَة ]: ( حتّى إذا بَلَـغَ أَشُـدّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعينَ سَـنَةً )[ الأحقاف 15 ] ، ثُـم ّ مَرْحَلَةُ الكُهولَـةِ: [ منْ سِن 40 إلى 50 سَـنَة ] وَ هيَ مَرْحَلَةُ تَكْليفِ الرُسُلِ بالرسَالات: ( تُكَلِّمُ الناسَ في المَهْدِ وَ كَهْلاً )[ المائدة 110 ] ، ثُـمّ مرْحَلَةُ الشَيْخِ :

[ بَعْدَ سِن 50 سَنَة ] : ( ثُمّ لِتَكونوا شُيوخاً )[ غافر 67 ] ، وَ المرأةُ تُدعى عَجوزٌ : ( وَ أنا عَجوزٌ وَ هَذا بَعْلي شَيْخاً )[ هود 72 ] ، ثُـمّ أرْذَلُ العُمُـرِ : ( وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العُمُـرِ لكيْ لاَ يَعْلَـمَ مِنْ بَعْـدِ عِلْمٍ شَيْئـاً )[ النحل 70 ] ، وَهيَ مَرْحَلَةُ الخَـرَفِ.

( وَ سَـخَّـرْنا مَـعَ داوودَ الـجِـبَالَ يُسَـبِّحْـنَ وَ الـطَـيْرَ )[ الأنبياء 76 :

دَامَ عَهْدُ داوود عليه السلام / 94 / سَنَةً ، مَا بَيْنَ 1025 _ 931 قَبْلَ المِيْلادِ ، كَانَ داوودُ نَبِيّاً وَ رسُولاً مِنْ أصْحابِ الكُتُبِ السَماويَّةِ : ( وَآتَيْنَا داوودَ زَبُوراً )[ النساء 163 ][ الإسراء 55 ] ، وَ كَانَ قاضِيَاً : ( يَا داوودُ إنّا جَـعَـلْـنَاكَ خَـلِـيْفَةً في الأرْضِ فَاحْـكُـمْ بَيْنَ الـنَاسِ بِالـحَـقِّ )[ ص 26 ] ، وَ كَانَ يتَمَتَّع بِالحِكْمَةِ وَ القُوَّةِ :

( وَ شَـدَدْنا مُـلْـكَـهُ وَ آتِيْنَاهُ الـحِـكْـمَـةَ وَ فَصْـلَ الـخِـطَـابِ )[ ص 20 ] ، ( وَ اذْكُـرْ عَـبْدَنا داوودَ ذَا الأيْدِ إنَّهُ أوَّابٌ ) [ ص 18 ] ، وَ كانَ يَتَمَتَّعُ بِجَمالِ الصَوْتِ ، حَتّى أنَّ صَوْتهُ كانَ يُؤثِّرُ في الصَخْرِ: ( وَ سَـخَّـرْنا مَـعَ داوودَ الـجِـبَالَ يُسَـبِّحْـنَ وَ الـطَـيْرَ )[ الأنبياء 76 ] ، ( وَ لَـقَدْ آتَيْنَا داوودَ مِـنّا فَضْـلاً يَا جِـبَالُ أوِّبي معـه وَ الـطَـيْرَ )[ سَـبَأ 10 ] ، أوِّبي :

ردّدي مَعَهُ التسْبيحَ ، وَ الـطَـيْرَ : أيْضاً يُرَدِّدُ مَعَهُ التسبيح : ( إنَّا سَـخّـرْنَا الـجِـبالَ مَـعَـهُ يُسَـبِّحْـنَ بِالـعَـشِـيِّ وَ الإشْـراقِ وَ الـطَـيْرَ مَـحْـشُـورَةٌ كُـلٌّ لَـهُ أوّابٌ )[ ص 18 ] ، وَ تُسَمّى مَزَامِيْرُ داوود ، وَ قَدْ أسَّسَ داوودُ مَا يُسَمَّى في الوَقْتِ الحالي الصِناعَةَ الحَرْبِيَّة : ( وَعَـلَّـمْـنَاهُ صَـنْعَـةَ لَـبُوسٍ لَـكُـمْ ) [ الأنبياء 80 ] ، لَـبُوسٍ : دُروع ، مَعَ الدِقَّةِ وَ المَهارَةِ في صِناعَتِها :

( وَ قَدِّرْ في الـسَـرْدِ )[ سَـبأ 11 ] ، الـسَـرْدِ : حلقات الدِرْع ، فَهُوَ أوَّلُ مَنْ اسْتَخْدَمَ في المنطِقَةِ الصِناعات المَعْدنيَّة : ( وَألَـنّا لَـهُ الـحَـديْدَ )[ سَـبأ 10 ] ، مِنْ أجْلِ ذَلِكَ يَذْكُرُ التاريْخُ أنَّ الكَنعانِيّينَ أوَّلُ مَن اكْتَشَفَ الحديْدَ ، فَقَدْ أُعْطِيَ سُلَيْمانُ عليه السلام مَناجِمَ النُحاسِ :

( وَ أسَـلْـنَا لَـهُ عَـيْنَ الـقِـطْـرِ )[ سَـبأ 12 ] ، الـقِـطْـرِ : النحاس ، فَكانُوا السَبَّاقِيْنَ في صِناعَةِ التَعْديْنِ ، وَ سَاهَموا بِبنـاءِ [ الحَضَارة المِيْغالِيْثِيَّة ] المُمْتدّة حَوْلَ العَالَمِ ، حَيْثُ أعْطى اللّهُ داوودَ و ابْنَهُ سُـلَيْمانَ إمْكاناتٍ خَارِقَة مثل : [ الريح ، الجِنّ ، الحديد ، النُحاس ... ] ، وَ قالَ لَهُمْ : ( اِعْـمَـلُـوا آلَ دَاوودَ شُـكْـراً )[ سَـبأ 13 ] ، وَ كَانَ المِصْريُّونَ يَنْقلونَ الحَدِيْدَ وَ النُحاسَ مِنْ فلسْطِيْنَ لِمِصْرَ .

( تَـذْهَـلُ كُـلُّ مُـرْضِـعَـةٍ عَـمَّـا أَرْضَـعَـتْ )[ الحـج 1 ] :

بَعْدَ أنْ تَصْدُمَ قذيفَةُ الأَرْضَ ، كَأشْـبَهَ مَا يكونُ بِحادِثِ سَـيْرٍ هَـائِلٍ : ( وَ حُـمِّـلَـتِ الأَرْضُ وَ الـجِـبَالُ فَـدُكَّـتَا دَكَّـةً وَاحِـدَةً )[ الحاقة 14 ] ، سَتَعْمَلُ هَذِهِ الصَدْمَةُ عَلى عَكْسِ اتّجـَاهِ حَرَكَةِ دَوَرانِ الأَرْض ، وَ يَصْدُقُ بِذَلِكَ الحديثُ الشريفُ : [ تُشْرِقُ الشَمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَـا ] ، وَ يَنْتُـجُ عِنْ ذَلِكَ زَلْزَلَةٌ هائِلَةٌ لِلأَرْضِ :

( يَـا أَيُّـهَـا الـنَاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إنَّ زَلْـزَلَـةَ الـسَـاعَةِ شَـيْءٌ عَـظـيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَـلُ كُـلُّ مُـرْضِـعَـةٍ عَـمَّـا أَرْضَـعَـتْ وَ تَضَـعُ كُـلُّ ذاتِ حَـمْـلٍ حَـمْـلَـهَـا وَ تَرى الـنَاسَ سُـكَـارى وَ مَـا هُـمْ بِـسُـكـَارى وَ لَـكِـنَّ عَــذابَ اللَّـهِ شَـديدٌ )[ الحج 1/ 2 ] ، الـنَاسُ : وَ لَيْسَ يا أيّها الذينَ آمنوا ، لأنّ الذينَ آمنوا يكونونَ قَـدْ مَـاتوا في ذَلِكَ الحين ، تَرَوْنَهَا :

بالجمْعِ لأنَّ كُلَّ الناسِ الذين على قيد الحياة َيرَوْنَهَا ، مُـرْضِـعَـةٍ : المُرضِعَةُ بالتاء المربوطة هيَ التي يكون طِفْلُهَا على صَدْرِهَا ، أمَّا المُرْضِع بدون التاء المربوطة فهي الأمُّ خِلاَلَ سَنتَيْ الرَضَاعَةِ ، تَرى :

بالمفردِ أيْ الذي يَنْظُرُ للنَاسِ فَقَطْ وَ لَيْسَ لِكُلِّ الأحْداثِ ، ( قُـلْ أَرَأيْتُمْ إنْ أَتَاكُـمْ عَـذابُ اللَّـهِ بَغْـتَةً )[ الأنعام 47 ] ، ( مِـنْ قَـبْلِ أَنْ يَأتِيَكُـمْ الـعَـذابُ بَغْـتَةً وَ أَنْتُمْ لاَ تَشْـعُـرونَ )[ الزمر 55 ] ، ( لَـجَـاءَهُـمُ الـعَـذابُ وَ لَـيَأْتِـيَـنَّهُمْ بَغْــتَةً )[ العنكبوت 53 ] ، وَ قُوّةُ هَذِهِ الصَدْمَةِ سَتُفَتِّتُ صَخْرَ الجِبالِ : ( إذا رُجَّـتِ الأَرْضُ رَجّـاً وَ بُـسَّـتِ الـجِـبَالُ بَسّـاً )[ الواقعة 4 / 5 ] ، بُـسَّـتِ الـجِـبَالُ : تَفَتّتت قِطَعاً صغيرة ، ( يَوْمَ تَرْجُـفُ الأَرْضُ وَ الجِـبَالُ وَ كَانَتِ الجِـبَالُ كَثيباً مـَهِـيلاً )[ المزمل 14 ] .

( وَ إنَّ يَوْمَـاً عِـنْدَ رَبِّكَ كَـألْـفِ سَنَةٍ مِـمَّـا تَعُـدُّونَ )[ الحج 47 ] :

إنّ السِنينُ هيَ وِحْدَةُ زَماَنِ المُعَاناةِ عَلى الأرْضِ : ( وَ إنَّ يَوْمَـاً عِـنْدَ رَبِّكَ كَـألْـفِ سَنَةٍ مِـمَّـا تَعُـدُّونَ )[ الحج 47 ] ، ( في يَوْمٍ كَانَ مِقْـدارُهُ أَلْـفَ سَـنَـةٍ مِـمَّـا تَعُـدُّونَ )[ السجدة 5 ] ، لقد تَحَدَّثَ القُرْآنُ الكَريمُ عَنْ نِسْـبيّةِ الزَمَنِ : ( وَ إنَّ يَـوْمَـاً عِـنْـدَ رَبِّكَ كَـألْـفِ سَـنَةٍ مِـمَّـا تَعُـدُّونَ )[ الحج 47 ] ، يَـوْمَـاً عِـنْـدَ رَبِّكَ : في عَذاب جهنّـم ، كَـألْـفِ سَـنَةٍ مِـمَّـا تَعُـدُّونَ :

الكاف للتشبيه و ليس للمساواة الحقيقة كمـا ورَد في سورة السجدة ، مِمّا نَعـُدّ على الأرْضِ ، وَ لَوْ كانَ هُناكَ أناسٌ على المريّخِ مَثَلاً سَيَعُدّونَ أيّاماً أخرى ، ( وَ يَوْمَ تَقُـومُ الـسَـاعَـةُ يُقْـسِـمُ الـمُـجْـرِمُـونَ مَـا لَـبِثُـوا غَـيْرَ سَـاعَـةٍ )[ الروم 55 ] ، ( قَالَ كَـمْ لَـبِثْـتُمْ فِـي الأَرْضِ عَـدَدَ سِـنينَ قَالـوا لَـبِثْـنا يَوْمـاً أوْ بَعْـضَ يَوْمٍ )[ المؤمنون 112 ] ، ( كَـأنَّهُـمْ يَوْمَ يَـرَوْنَهَـا لَـمْ يَلْـبَثُـوا إلاّ عَـشِـيّةً أوْ ضُـحَـاهَـا )[ النازعات 46 ] .

إنَّ اليَـوْمَ في القرآنِ الكريمِ أطوَلُ مِنَ السَنَـةِ ، حَيْثُ اعْتَبَرَ القرآنُ الكريمُ أنَّ اليومَ هوَ رَمْزٌ لِزَمَـانِ الحادِثَةِ طَـالَ أمْ قَصُرَ [ بالمعنى الفيزيائيِّ : الزمان اللازم للقيام بالحدث لِمَرَّةٍ واحدةٍ ] : ( كُـلَّ يَـومٍ هُـوَ في شَـأْنٍ )[ الرحمن 29 ] ، أيْ : كل شَـأن أو حادِثة لَها يَوْمُهـا الخاص بِها ، بينَمَا السَـنةُ هيَ مِقْدارُ هَذا الزمَـانِ ، وَ لكِنْ حسبَ وَسائِل حِسَابِ الزَمَان الأرضيّةِ [ الأيامَ وَ السنينَ ] .

 

كـلّ هـذا و اللـه أعـلم.

Email