الجــزء الـخـامـس عـشــر

الليل للسكون والراحـة والنـوم

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يبـدأ هـذا الجـزء منَ القرآن الكريم، منْ الآيـة [ 1 ] من سورة الإســراء ، وحتى الآيـة [ 74 ] من سورة الـكـهف ، ومـمّـا ورَد فيـه :

(أسـرى بعـبده ليـلاً )[ الإسراء 1 ]:

الإسْـراءُ: الحـركَةُ الأفقيَّـة مـا بيْنَ مكّـةَ المكرّمة وَالقـدْسِ الشـريف، المِعْراجُ: الحَرَكَـةُ العموديّـةُ صُـعوداً نحـْوَ السَـماءِ .

(فَـمَحونا آيَ اللـيل)[الإسراء 12]:

إنّ مُخالَفَة السَاعَةِ البيولوجيّةِ هوَ شَيْءٌ خَطيرٌ عَلى الصحّةِ، وَ قَدْ أرَادَ الله سبحانهُ أَنْ يَكونَ اللَّيْلُ لِلسُكونِ والراحَـةِ وَالنَـومِ [ إلاّ في حَالَـةِ الضرورَةُ النافِعَـةِ كالدراسَـةِ أوِ الحراسـَةِ أوِ العبادَةِ ] : ( وَ مِـنَ اللـيلِ فَاسْـجُـدْ لَـهُ وَ سَـبِّحْـهُ لـَيْلاً طَـوِيلاً ) الإنسان 26 ] ، وَ عَنِ السُـكونِ في اللَّيْلِ قال تعالى: ( هُـوَ الـذي جَـعَـلَ لَـكُـمُ اللَّـيْلَ لِـتَسْـكُـنُوا فيِهِ )[ يونس 67 ] ، ( وَجَـعَـلَ اللَّـيْل َسَـكَـنَاً )[ الأنعام 96 ] ، ( ألَـمْ يَروْا أنّا جَـعَـلـْنَا اللـيْلَ لِـيَسْـكُـنُوا فِيهِ )[ النمل 86 ] ، ( اللّـهُ الـذي جَـعَـلَ لـَكُـمُ اللـيْلَ لـِتَسْـكُـنُوا فِيهِ )[ غافر 61 ]، ( وَجَـعَـلـْنَا اللَّـيْلَ لِـبَاسَـاً )[ النبأ 10 ] ، ( وَهُـوَ الـذي جَـعَـلَ لَـكُـمُ اللَّـيْلَ لِـبَاسَـاً وَالـنَوْمَ سُـبَاتاً )[ الفرقان 47 ] ، وَ الليْلُ مَادّةٌ مَخْلُوقَةٌ: ( وَهُـوَ الـذي خَـلَـقَ اللـَّيْلَ وَالـنَهَـارَ )[ الأنبياء 33 ] ، وَ الليلُ مادّةٌ مُسَخّرَة : ( وَسَـخَـرَ لَـكُـمُ اللَّـيْلَ وَالـنَهَـارَ)[ إبراهيم 33 ][ النحل 12 ] ، وَسُـكُونُ الليلِ رَحْمَةٌ إلهيّةٌ : ( وَمِـنْ رَحْـمَـتِهِ جَـعَـلَ لَـكُـمُ اللـيْلَ وَالـنَهَـارَ لِـتَسْكُـنُوا فِـيهِ وَلِـتَبْتَغُـوا مِـنْ فَضْـلِـهِ)[ القصص 73 ] ، ( وَهُـوَ الـذي جَـعَـلَ لَـكُـمُ اللّـيْلَ لِـبَاسَـاً وَالـنَوْمَ سُـبَاتَاً ) [ الفرقان 48 ]، لِـبَاسَـاً : إحْسَاسٌ بالهُدُوءِ ، سُـبَاتَاً : حالةُ وفاة ، ( وَهُـوَ الـذي يَتَوَفَّاكُـمْ بِاللّـيْلِ )[ الأنعام 60 ] ، فالنَوْمُ في اللّيْلِ هُوَ حَالَةُ وَفَـاةٍ، وَ بِهَذِهِ الوَفَاةُ راحَةٌ للنَفْسِ وَالجِسْمِ بَعْدَ تَخْفيفِ الروحِ، مِنْ قِبَلِ الخَالِقِ تعالى، وَ التي في حَالِ بَقَائِهَا مَعَ النَفْسِ وَ الجِسْمِ تُسَبِّبُ لَهُمَا الإرْهَاقَ الذي لاَ يُطَاقُ، وَ يَتَّضِحُ ذَلِكَ الإرْهَاقُ جَلِيَّاً إذَا بَقِيَ الإنْسَانُ دُونَ نَوْمٍ لِفَتْرَةٍ طَويلَةٍ، فالسَهَرُ الطَويلُ هُوَ الكَارِثَةُ الصِحِيَّةُ ، التي تُبْقِي الرُوحَ بِكَامِلِ طَاقَتِهَا مَعَ النَفْسِ وَالجِسْمِ مُسَبِّبَةً لَهُمَا الإرْهَاقَ وَالتَعَبَ الشديدَ: ( وَجَـعَـلْـنَا نَوْمَـكُمْ سُـبَاتَاً )[ النبـأ 9 ] ، ( وَمِـنْ آيَاتِهِ مَـنَامُـكُـمْ بِاللّـيْل ِ)[ الروم 23 ] ، فالنَـوْمُ آيَـةٌ مِنْ آيَاتِ اللّـهِ، ( اللّـهُ الـذي جَـعَـلَ لـَكُـمُ اللّـيْلَ لـِتَسْـكُـنُوا فِيهِ وَالـنَهَـارَ مُـبْصِـرَاً )[ غافر 61 ] ، ذَكَرَ مَعَ اللّيْلِ كَلِمَةَ تَسْـكُنُوا بِصِيغَةِ الفِعْلِ، للتَأكِيدِ عَلى حَقيقَةِ السُكُونِ في اللّيْلِ، بَيْنَمَا اسْتَعْمَلَ المَجَـازَ : مُبْصِراً مَعَ النهَارِ مَعَ أنَّ النَهَارَ لاَ يُبْصِرُ، فَلَمْ يَقُلْ عَنِ النَهَارِ: [ لِتُبْصروا فيهِ ]، ( وَلَـهُ مَـا سَـكَـنَ فـي اللّـيْلِ )[ الأنعام 13 ] ، إنَّ للسُـكُونِ أهَمِيَّة بالِغَـة في الوِقَايَةِ مِنَ الأمْراضِ العُضْوِيَّةِ ، فَفي دِراسَةٍ طبيَّةٍ نَشَرَتْهَا مَجَلَّةُ الجَمعِيَّةِ الطبيَّةِ الأمريكيَّةِ أنَّ السُكُونَ مِنْ أهَمِّ الوَسَـائِلِ التي تَقي مِنَ الأمْراضِ ، وَ تُخَلِّصُ مِنَ الآلامِ المُزْمِنَـةِ.

(وازِرةٌ وِزْرَ أخـرى )[ الإسراء 15 ]:

الأوْزارُ: هيَ الأثْقالُ بشَكْلٍ عَامّ: ( حُـمِّـلْـنَا أَوْزاراً مِـنْ زِينَةِ الـقَوْمِ )[ طه 87 ] ،( حَـتّى تَضَعُ الـحَـرْبُ أَوْزارَهَـا )[ محمد 4 ] ، وَ مِنْهُ الوَزيـرُ الذي يُسَاعِدُ الحاكِمَ في حَمْلِ عِبْءِ مَسْؤوليّةِ السُلْطَة: ( وَاجْـعَـلْ لـي وَزيـرا ًمِـنْ أَهْـلـي هَـارونَ أخـي )[ طه 25 ]، ( وَجَـعَـلْـنَـا مَـعـَهُ أَخَــاهُ هَـارونَ وَزيراً )[ الفرقان 35 ] ، ( وَوَضَـعْـنَـا عـَنْـكَ وِزْرَكَ الـذي أَنْقَضَ ظَـهْـرَكَ )[ الشرح 2 ]، وَ الـوَزَرُ: هوَ المَلْجَـأ : ( يَقولُ الإنْسَـانُ يَوْمَـئِـذٍ أَيْنَ الـمَـفَـرُّ كـلاّ لاَ وَزَرَ )[ القيامة 10 ] .

أمَّـا كَلِمَـةُ الثِقَـلِ: فَهُـوَ الـوَزْنُ ذو الفَـائِدَةِ وَ القيمَـةِ وَ المعَـاني العَـاليةِ: ( وَتَحْـمِـلُ أَثْقَـالَـكُـمْ إلـى بَلَـدٍ لَـمْ تَـكُـونُوا بَالِـغـيهِ إلاَّ بِشِـــقِّ الأَنْفُـسِ )[ النحل 7 ] ، ( إنَّـا سَــنُلْـقـي عَـلَـيْـكَ قَـوْلاً ثَقِـيلاً )[ المزمّل 5 ] .

بينمَـا كَلِمَـةُ الـوِقْر: فَهُوَ الحِمْلُ الكبيرُ جِدّاً وَ الذي يَخُصُّ شَيْئاً بِعَيْنِهِ : ( فـالـحَـامـلاَتِ وِقْـراً)[ الذاريات 2 ] ، فالرياحُ تَحْمِلُ الغُيُومَ ذات الأَوْزانِ الهَائِلَـةِ ، حَيْثُ كُلُّ لِيتْرٍ مِنْ مَاءِ المَطَرِ وَزْنُهُ / 1 / كيلو غرام ، وَ يوجَدُ في الغَيْمَةِ ملياراتٍ مِنَ الليتراتِ: ( وَنُنَـزِّلُ مِـنَ الـسَـمـاءِ مِـنْ جِـبَـالٍ فـيهَـا مِـنْ بَـرَدٍ )[ النور 43 ] ، وَ تَبْقى كَلِمَـةُ الحَمْـلِ : وَ هُـوَ لِحَمْلِ الجنينِ في البطْنِ : (حَـمَـلَـتْ حَـمْـلاً خَـفيفَـاً)[ الأعراف 189 ] ، ( وَأُولاَتِ الأَحْـمَـالِ أَجَـلَـهُـنَّ أَنْ يَضَـعْـنَ حَـمْـلَـهُـنَّ)[ الطلاق 4 ] .

(وبالوالدين إحساناً)[الإسراء 23] :

حُسْـناً: الطاعة وَ الوَلَدُ عِنْدَ أهْلِه ، إحْسَـاناً : عطـاء مَعَ تَودّد بَعْدَ زواجِ الوَلَدِ : ( وَصَّـيْنَا الإنْسَـانَ بِوالِـدَيْهِ حُـسْناً )[ العنكبوت 8 ] ، ( وَصَّـيْنَا الإنْسَـانَ بِوالِـدَيْهِ إحْـسَـانَاً ) [ الأحقاف 15 ] ، و كلمة أوْصَـى : لأُمُـورٍ كَثـيرَةٍ و َعَـامَّةٍ ، بينمـا كلمة وَصَّـى : لأَمْـرٍ واحِـدٍ شَـديدِ الأَهَمِيَّـةِ : ( وَأوْصَـاني بِالـصَـلاَةِ وَالـزَكَـاةِ )[ مريم 31 ] ، ( يُوصِـيكُـمُ اللّـهُ فـي أوْلاَدِكُـمْ )[ النساء 11 ] ، بَيْنَمَا وَصَّـيْنَا : المُبالَغَةُ بالوصيَّةِ : ( وَوَصَّـيْنَا الإنْسَـانَ بِوالِـدَيْهِ )[ العنكبوت 8 ][ لقمان 14 ][ الأحقاف 15 ]، ( شَـرَعَ لَـكُـمْ مِـنَ الـدينِ مَـا وَصَّـى بِهِ نُوحَـاً وَالـذي أوْحَـيْنَا إلَـيْكَ وَمَا وَصَّـى بِهِ إبراهِـيمَ وَمُـوسَـى وَعِـيْسَـى )[ الشورى 13 ] ، ( وَوَصَّـى بِهَـا إبراهِـيمُ بَنيهِ وَيَعْـقُوبَ )[ البقرة 132 ].

(وَاخْـفِضْ لَـهُـمَا جَـنَاحَ الـُلّ)[الإسراء 24]:

الذُلُّ: وَيَكُونُ بالهيبَةِ أو الإكْراهِ مِنَ الآخَرينِ ( وَاخْـفِضْ لَـهُـمَـا جَـنَاحَ الـذُلِّ )[ الإسراء 24 ] ، وَ هُنا [ استعارة تخيليّة ] ، حيْثُ استخْدمَتْ كلمَةُ [ جَناح ] في غيْر معناها الأصْليّ، و السَبَبُ هو: إظْهارُ المعقُولِ في صُورَة المحسوس، لتلطيفِ الكلام و زيادةِ الإيْضاح، حَيْثُ ذَكَرَتْ جَناحَ الذُلّ وَ صَاحِبُ الجَناحِ هُوَ الطَائِرُ، وَ مِنْ عَادَةِ الطَائِرِ الصَغيرِ أنْ يَطِيرَ مِنَ العُشِّ دُونَ عَوْدَةٍ مَتى مَا تَمَكَّنَ مِنَ الطَيرانِ ، فالقُرْآنُ يَطْلُبُ مِنَ الإنْسَانِ أنْ لاَ يَكونَ مِثْلَ الطَائِرِ الذي يَهْجُرُ أبَوَيْهِ دُونَ رَجْعَةٍ عِنْدَما يُمَكِّنُهُ جَنَاحُهُ مِنَ الطَيَرانِ ، فَطَلَبَ مِنَ الإنْسَانِ أنْ يُخَالِفَ الطَائِرَ بِأنْ يَخْفِضَ جَناحَ الذُلِّ لِوالِدَيْهِ ، بَلْ طَالَبَهُ بأنْ يَكُونَ وَالِدَاه عِنْـدَهُ ، وَ لَيْسَ في بَيْتِهِمَا ، أثْنَاءَ كِبَرِهِمَا ، فَقَالَ : ( إمَّـا يَبْلُـغَـنَّ عِـنْـدَكَ الـكِـبَرَ أَحَـدُهُـمَـا أوْ كِـلاَهُـمَـا )[ الإسراء 23 ] ، أمّـا ذُلُّ الإكْراهِ : ( خَـاشِـعِـينَ مِـنَ الـذُلِّ يَنْظُـرونَ مِـنْ طَـرَفٍ خَـفِيٍّ )[ الشورى 45 ] ، ( وَقُلِ الـحَـمْـدُ لِلَّـهِ الـذي لَـمْ يَتَّخِـذْ وَلَـدَاً وَلَـمْ يَـكُـنْ لَـهُ شَـريكٌ فـي الـمُـلْـكِ وَلَـمْ يَكُـنْ لَـهُ وَلِـيٌّ مِـنَ الـذُلِّ وَكَـبِّرْهُ تَكْـبيراً)[ الإسراء 111 ] .

(بالـقِـسْـطَـاسِ الـمُـسْـتَـقيمِ)[الإسراء 35 ] :

القَاسِطُ: هُوَ الذي يَأخُذُ قِسْـطَ غَيْرِهِ وَ حِصَّتَهُ : ( وَأَمَّـا الـقَـاسِـطُـونَ فَكَـانُوا لِـجَـهَـنَّمَ حَـطَـباً )[ الجن 5 ] ، كالذي يَأْخُذُ قِسْـطَهُ وَ قِسْـطَ غَيْرِهِ مِنَ المَــاءِ وَ الكَهْرباءِ وَ المَـوادّ الغِـذَائِيَّةِ وَ غيْرِها ... ، و المُقْسِطُ : هُوَ الذي يُعْطِي لِلآخَرينَ أقْسَاطَهُمْ : ( إنَّ اللَّـهَ يُحِـبُّ الـمُـقْـسِـطِـينَ )[ الممتحنة 8 ][ الحجرات 9 ][ المائدة 42] ، أمَّا القِسْـطُ فَهُوَ : النَاحيَةُ التنفيذيّةُ لإعْطَاءِ الآخَرينَ أقْسَاطَهُمْ : ( كُـونُوا قَوَّامِـينَ بالـقِسْـطِ )[ النساء 135 ] ، ( قُـلْ أَمَـرَ رَبّـي بِالـقِـسْـطِ )[ الأعراف 29 ] ، ( وَأَقِـيمُـوا الـوَزْنَ بِالـقِـسْـطِ )[ الرحمن 9 ] ، أمّا القِسْطَاسُ فَهُوَ : الميزَانُ الذي يَزينُ القِسْطَ الصَحيحَ : ( وَزِنُوا بالـقِـسْـطَـاسِ الـمُـسْـتَـقيمِ )[ الإسراء 35 ] .

الإصباح والإمساء لا ينطبق على الله تعالى

(سُـبْحَـانَ الـذي أَسْـرى بِعَـبْدِهِ لَـيْلاً)[ الإسراء 1 ] :

إنَّ سُـبْحَانَ هِيَ: نَائِبُ مَفْعُولُ مُطْلَقٍ، وَ تَعْني تَعَالى أوْ تَنَزَّهَ عَنِ المَوْضُوعِ الذي يَجْري الحَديثُ عَنْهُ: ( سُبْحَـانَ الـذي أَسْـرى بِعَـبْدِهِ لَـيْلاً )[ الإسراء 1 ] ، فالموضُوعُ هُنَا مَوْضُوعُ إسْرَاءٍ، وَ بَدَأَ بِكَلِمَةِ سُـبْحَانَ، لأنَّ الذي يَسْري يَتَحَرَّكُ في فَراغٍ أوْ مَكَانٍ أكْبَرَ مِنْهُ، وَ الله تعالى لاَ يُوجَدُ فَراغٌ أوْ مَكَانٌ أكْبرَ مِنْهُ كَيْ يَتَحَرَّكَ [ يَسْري ] بِهِ ، فَـ[اللّهُ أكْبَرُ اللّهُ أكْبَرُ] بِإطْلاَقٍ ، وَ لِذَلِكَ وَرَدَتْ كَلِمَةُ سُبْحَانَ : ( فَسُبْحَـانَ اللّـهِ حِـيْنَ تُمْـسُـونَ وَحِـيْنَ تُصْـبِحُـونَ )[ الروم 17 ] ، الموضُوعُ هُنَا مَوْضُوعُ إصْباحٍ وَ إمْسَـاءٍ ، وَ بَدَأَ بِكَلِمَةِ سُبْحَانَ لِلدَلاَلَةِ عَلى أنّ الإصْبَاحَ وَ الإمْسَاءَ لاَ يَنْطَبِقُ عَلى الله تَعَالى ، لأَنَّ اللّـهَ لاَ يوجَدُ عَلى كَوْكَبٍ يَدورُ بِـهِ ، حَتّى يَتَحَقَّقَ عِنْدَهُ الإصْبَاحُ وَ الإمْسَاءُ ، مِنْ شَمْسٍ أوْ قَمَرٍ فَوْقَهُ : ( سُـبْحَـانَ رَبِّكَ رَبِّ الـعِـزَّةِ عَـمَّـا يَصِـفُونَ )[ الصافات 180 ] ، الموضُوعُ هُنَا مَوْضُوعُ وَصْفٍ وَ بَدَأَ بِكَلِمَةِ سُبْحَانَ لِلدَلاَلَةِ عَلى أنَّ مَوْضُوعَ الوَصْفِ لاَ يَنْطَبِقُ عَلى الله تعالى، لأنَّـهُ يَستَحيلُ وَصْفُ الإلـهِ : ( سُـبْحَـانَ الـذي خَـلَـقَ الأزْوَاجَ كُـلَّـهَـا )[ يس 36 ] ، وَ كَلِمَةُ سُبْحَانَ قَدْ سَبَقَتْ مَوْضُوعَ الأزْواجِ لِلدَلاَلَةِ عَلى أنَّ مَوْضُوعَ الأزْواجِ لاَ يَنْطَبِق عَلى الله تَعَالى، بَيْنَمَا يَنْطَبِقُ عَلى جَميعِ مَخْلوقَاتِهِ، وَ كَذَلِكَ: ( قَالُـوا اِتَّخَـذَ اللّـهُ وَلَـداً سُـبْحَـانَهُ ) [ يونس 68 ] ، ( مَـا كَـانَ لِلّـهِ أَنْ يَتَّخِـذَ مِـنْ وَلَـدٍ سُـبْحَـانَهُ )[ مريم 35 ] ، ( سُـبْحَـانَهُ وَتَعَـالـى عَـمَّـا يَقُولُـونَ عُـلُـوّاً كَـبِيراً )[ الإسراء 43] ، ( وَيَجْـعَـلُـونَ لِلَّـهِ الـبَنَاتِ سُـبْحَـانَهُ ) [ النحل 57 ] ، ( لَوْ أرَادَ اللّهُ أَنْ يَتّخِذَ وَلَـداً لاصْـطَـفَى مِـمَّـا يَخْـلُـقُ مَـا يَشَـاءُ سُـبْحَـانَهُ هُـوَ اللّـهُ الـواحِـدُ الـقَهَّـارُ )[ الزمر 4 ] .

وَ مِنْهُ التَسْبيحُ أيْ الإقْرارُ بأنَّ الله : ( لَـيْسَ كَـمِـثْلِـهِ شَـيْءٌ )[ الشورى 11] ، وَ لاَ تَنْطَبِقُ عَلَيْهِ القَوانينُ التي تَنْطَبِقُ عَلى مَا سِوَاهُ في الموجُوداتِ ، وَهَذَا الإقْرَارُ [ التَسْبيحُ ] يُنْجي صَاحِبَهُ مِنَ المهَالِكِ ، كَمَا حَدَثَ لِـ[ يُونُسَ ] عليه السلام عِنْدَمَا ابْتَلَعَهُ الحُوتُ : ( فَالْـتَقَـمَـهُ الـحُـوتُ وَ هُـوَ مُـلِـيمٌ فَلَـوْلاَ أنَّهُ كَـانَ مِـنَ الـمُـسَـبِّحِـينَ لَلَـبِثَ فِي بَطْـنِهِ إلـى يَوْمِ يُبْعَـثُونَ )[ الصافات 142 / 144 ] ، وَكَذَلِكَ وَرَدَ في مَوْضِعٍ آخَرَ : ( فَنَادى فِي الـظُـلُـمَـاتِ أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ أنْتَ سُـبْحَـانَكَ إنّي كُـنْتُ مِـنَ الـظَـالِـمِـينَ )[ الأنبياء 87 ] ، فَكَانَ بِذَلِكَ نَجَاتُهُ : ( فَاسْـتَجَـبْنَا لَـهُ وَنَجَّـْيْنَاهُ مِـَن الـغَـمِّ )[ الأنبياء 88 ] ، وَ نَحْنُ مُطالبونَ بِهذا الإقْرارِ أي [ التسبيح ] : ( فَسَـبِّحْ بِاسْـمِ رَبِّكَ الـعَـظِـيْمِ )[ الواقعة 74 / 96 ][ الحاقة 52 ] ، ( سَـبِّحِ اِسْـمَ رَبِّكَ الأَعْـلـى )[ الأعلى 1 ] ، ( فَسَـبِّحْ بِحَـمْـدِ رَبِّكَ وَكُـنْ مِـنَ الـسَـاجِـدينَ )[ الحجر 98 ] ، ( فَسَـبِّحْ بِحَـمْـدِ رَبِّكَ وَاسْـتَغْـفِرْهُ )[ النصر 3 ] ، ( أنْ سَـبِّحـوا بُكْـرَةً وَعَـشِـيّاً )[ مريم 11 ] .

(لَـئِنْ أَخَّـرْتَنِ)[الإسْراء 62]:

(قالَ أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الـذي كَـرَّمْـتَ عَـلَـيَّ لَـئِنْ أَخَّـرْتَنِ إلـى يَوْمِ الـقِيَامَـةِ لأَحْـتَنِكَـنَّ ذُرِّيَّتَهُ إلاَّ قَلِـيْلاً )[ الإسْراء 62 ] ، ( مِـنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَـدَكُـم الـمَـوْتُ فَيَقُـولُ رَبِّ لَـوْلا أَخَّـرْتَنـي إلـى أَجَـلٍ قَـريبٍ فَأَصَّـدَّقَ وَأَكُـنْ مِـنَ الـشَـاكِـرينَ )[ المنافقون 10 ] ، نُلاَحِظُ أنَّ إبْليسَ قَالَ : [ أَخَّرْتَنِ ] بِدونِ حَرْفِ اليَاءِ ، بَيْنَمَا يَقُولُ الإنْسَانُ عِنْدَ المَوْتِ : [ أَخَّرْتَنـي ] بِوُجُودِ حَرْفِ اليَـاءِ ، وَ السَبَبُ أَنَّ الإنْسَانَ يَطْلُبُ التَأْخيرَ لِمَصْلَحَتِهِ الشَخْصِيَّةِ ، بَيْنَما إبْليسُ يَطْلُبُ التَأْخيرَ لِضَرَرِ الآخَرينَ .

(وَلَـقَـدْ كَـرَّمْـنَا بَـني آدَمَ) [الإسراء 70]:

حينَما يَسْـتَخْدِمُ القُرْآنُ عِبارَةَ : [ بَـني آدَمَ ] ، أيْ حينَمَا [ يَنْسِـبُ الإنْسَـانَ لآدَمَ المُتَعَلِّمَ الذي يَعْلَمُ الأسْمَاءَ كُلَّهَـا ] ، فَإنَّهُ يَتَحَدَّثُ باللطْفِ وَ اللينِ وَ التكْريمِ ، تَقْديراً للمَعْرِفَـةِ وَ العِـلْمِ : ( وَلَـقَـدْ كَـرَّمْـنَا بَـني آدَمَ )[ الإسراء 70 ] ، أمّـا حينَما يَسْتَخْدِمُ لَفْظَةَ : [ الإنسـَان ] فَقَطْ ، المُجَـرَّدِ مِنَ المَعْرِفَةِ ، فَإنَّهُ يَتَحَدَّثُ عنهُ كَـكَافِرٍ وَ جَاحِدٍ وَ ذي صِفَاتٍ سيّئَةٍ : ( قُـتِـلَ الإنْسَـانُ مَا أَكْـفَـرَهُ )[ عبس 17 ] ، ( إنَّ الإنْسَـانَ لَــكَــفُـورٌ )[ الزخرف 15 ][ الحج 66 ] ، ( إنَّ الإنْسَـانَ لَـظَــلُـومٌ كَــفَّـارٌ )[ إبراهيم 34 ] ، ( كَـلاّ إنَّ الإنْسَانَ لَــيَطْـغَـى )[ العلق 6 ] ، وَعَنْ طَبيعَةِ النَفْسِ الإنسانيّةِ قالَ تعالى : ( وَلَــئِــنْ أذَقْـنَا الإنسَانَ مِــنَّا رَحْـمَــةً ثُـمّ نَزَعْـنَاهَـا مِـنـْهُ إنَّـهُ لَــيَـؤوسٌ كَــفُـورٌ وَلَــئِـنْ أذَقْـنَاهُ نَـعْـمـَاءَ بَعْـدَ ضَـرّاءَ مَــسّـتْـهُ لَـيَقُولَـنَّ ذَهَـبَ الـسَـيـّئَـاتُ عَــنّي إنَّـهُ لَـفَـرِحٌ فَـخُـورٌ )[ هود 9 ] ، ( إنَّ الإنْسَانَ لِـرَبِّـهِ لَـكَـنُودٌ )[ العاديات 6 ] ، (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا)[ الإسراء 83 ] ، ( خَـلَـقَ الإنْسَـانَ مِـنْ نُطْـفَـةٍ فَإذا هُـوَ خَـصِـيمٌ مُـبينٌ )[ النحل 4 ] ، ( أوَ لَـمْ يَرَ الإنْسَـانُ أنَّا خَـلَـقْـنَاهُ مِـنْ نُطْـفَـةٍ فَإذا هُـوَ خَـصِـيمٌ مُـبينٌ )[ يـس 77 ] .

( سَـبْعَـةٌ وَثَامِـنُهُـمْ كَــلْـبُهُـمْ )[ الكهف 22 ] :

المُعْتَقَدُ أنَّ عَدَدَ فِتْيَةِ أهْلِ الكَهْفِ سَـبْعَةُ فِتْيَـةٍ : ( سَــيَـقُـولُـونَ ثَـلاثَةٌ رَابِعُـهُـمْ كَــلْـبُهُـمْ وَيَقُـولُـونَ خَـمْـسَـةٌ سَـادِسُـهُـمْ كَـلْـبُهُـمْ رَجْـمَـاً بالـغَـيْبِ وَ يَقُـولُـونَ سَـبْعَـةٌ وَثَامِـنُهُـمْ كَــلْـبُهُـمْ )[ الكهف 22 ] ، وَسَمّاها البَعْضُ [ واو الثَمانِيَة ] ، لأنَّ القُرْآنَ يَذْكُرُها أثْناءَ التَعْدادِ بَعْدَ الرقم سَبْعة، وَالذي اعْتَبروه الرقم الكامِلَ : ( الـتَائـِبُونَ الـعَـابِدونَ الـحَـامِـدونَ الـسَائِـحُـونَ الـراكِـعُـونَ الـسَـاجِـدونَ الآمِـرونَ بِالـمَـعْـروفِ وَالـنَاهُـونَ عَـنِ الـمُـنْكَـرِ ) [ التوبة 112 ] ، ( مُـسْـلِـمَاتٍ مُؤْمِـنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِـباتٍ عَابِداتٍ سَائِحَـاتٍ ثَيِّـباتٍ وَأبْكَـاراً ) [ التحريم 5 ] .

(مَـجْـمَـعَ الـبـحْـرين) [الكهف 60]:

مِنْ بَعْضِ أُمُـورِ التَثْنِيـَة في اللغَةِ العَرَبيّـةِ ، مَـا يُلْفِتُ النَظَرَ ، حَيْثُ تُوجَدُ مُصْطَلَحَاتٌ لاَ تُحَقِّقُ شَـرْطَ تَطَـابُقِ المَعْنى في الاسـمَينِ ، بَـلْ تَغْليبُ اسْـمٍ عَلى الآخَـرِ ، وَ مِنْهـا:

البَحْـرانِ : النَهْـرُ وَ البَحْـرُ : ( مَـرَجَ الـبَحْـرَيْنِ يَلْـتـَقـِيَانِ بَيْنَهُـمَـا بَرْزَخٌ )[ الرحمن 19] ، ( وَمَـا يَسْـتَوي الـبَحْـرانِ هَـذَا عَـذْبٌ فُراتٌ ... وَهَـذَا مِـلْـحٌ أُجَـاجٌ )[ فاطر 12 ] ، ( وَجَـعَـلَ بَيْنَ الـبَحْـرَيْنِ حَـاجِـزَاً )[ النمل61 ] ، ( وَهُـوَ الـذي مَـرَجَ الـبَحْـرينِ هَـذَا عَـذْبٌ فُراتٌ وَهَـذَا مِـلْـحٌ أُجَـاجٌ وَجَـعَـلَ بَيْنَهُـمَـا بَرْزَخٌ وَحِـجْـراً مَـحْـجُـوراً)[ الفرقان 53 ] .

 

كـل هـذا واللـه أعـلـم.

Email