الجــزء الـتـاسـع في القرآن الكريم

الفِسْق .. قَلْبُ الحَقائِقِ إلى بَاطِلٍ عَنْ سَـابِقِ مَعْرِفَةٍ

6666_19

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبـدأ هـذا الجـزء منَ القرآن الكريم، منْ الآيـة [ 88 ] من سورة الأعـراف، وحتى الآيـة [ 40 ] من سورة الأنفـال، ومـمّـا ورَد فيـه  :

(فَأخَـذَتْهُـمُ الـرَجْـفَةُ فَأصْـبَحُوا فـي دَارِهِـمْ جَـاثِمِـينَ ) [ الأعراف 91 ] :

مَدْيَنْ اسْمٌ مَعْناهُ: مَحْكَمَة، وَتَقَعُ مَدْيَنَ في أرْضِ [ مَعَانَ ] شَرْقَ خَليجِ العَقَبَةِ، وَسَكَنَها قَوْمُ مَدْيَنَ وَرَسُولُهُمْ هُوَ شُعَيْبٌ: (وَإلـى مَـدْيَنَ أخاهم شُـعَـيْباً )[ الأعراف 85 ] قـال أخَـاهُمْ: لأنَّ شُـعَيْباً كانَ من قَـوْمِ مَـدْيَن، وَلَمّا كَذّبوا شُعَيْباً أُهْلِكُوا بالصَيْحَةِ وَالرَجْفَةِ مَعَاً، مِثْلَ قَوْمِ ثَمُودَ:

(وَإلـى مَـدْيَنَ أَخَـاهُـمْ شُـعَـيْبَاً فَقَالَ يَا قَـوْمِ اعْـبُدُوا اللَّـهَ وارجوا اليوم الآخر وَلاَ تَعْـثَـوْا فـي الأرْضِ مُـفْـسِـدينَ فَـكَـذَّبُوه ُفَأخَـذَتْهُـمُ الـرَجْـفَةُ فَأصْـبَحُوا فـي دَارِهِـمْ جَـاثِمِـينَ )[ العنكبوت 36 / 37 ] ، هنا قال : فـي دَارِهِـمْ بالمفـرد، بينمـا في آية أخرى: ( وَ لَـمَّـا جَـاءَ أَمْـرُنَا نَجَّـيْنَا شُـعَـيْباً وَ الـذينَ آمَـنوا معه برحمة منا وَ أَخَـذَتِ الـذينَ ظَـلَـمُـوا الـصَـيْحَـةُ فَأَصْـبَحُـوا فـي دِيَارِهِـمْ جَاثِمِـينَ).. (أَلاَ بُعْـداً لـمَـدْيَنَ كَـمَـا بَعِـدَتْ ثَمُـودُ )[ هود 94 / 95 ] ، هنـا قال : فـي دِيَارِهِـمْ بالجمـع ، وقال : بُعْـداً لـمَـدْيَنَ كَـمَـا بَعِـدَتْ ثَمُـودُ : أيْ بِنَفْسِ الطَريقَةِ التي أُهْلِكَتْ بِهَـا ثَمُـودُ ، وَ هيَ الصَـيْحَةُ وَ الرَجْفَة ُ مَعَـاً ، وَ هَذه كانَتْ لِقَوْمِ مَـدْيَنَ فَقَطْ ، وَ لَيْسَ لأصْحَـابِ الأيْكَـةِ .

( أوَ أمِـنَ أهْـلُ القُـرى أنْ يأتيهُم بأسُـنا )[ الأعراف 98 ] :

القَرْيـةُ: سُكَّانُهَا مُتَّفِقُـونَ عَلى أفْكَارٍ وَاحِدَةٍ ، أوْ عَلى مِهْنَةٍ واحِدَةٍ ، وَ نَقُولُ : القَرْيَةُ السِيَاحِيَّةُ وَ القَرْيَةُ الرِيَاضِيَّةُ وَ القَرْيَةُ الزِراعِيَّةُ ... ، وَ حينَمَا اتَّفَـقَ قوْمُ لُوطٍ عَلى فِعْلِ اللُّواطَـةِ أسماهـا قرية : ( وَ نَجَّـيْـنَاهُ مِـنَ الـقَرْيَـةِ الـتي كَـانَتْ تَعْـمَـلُ الـخَـبَائِـثَ )[ الأنبياء 74 ] ، ( وَ مَـا كَـانَ جَـوابُ قَوْمِـهِ إلاَّ أنْ قَالُـوا أخْـرِجُـوهُـمْ مِـنْ قَرْيَتِـكُـمْ إنَّهُـمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّـرونَ )[ الأعراف 82 ] ، وَ في سُورَةِ الكَهْفِ حينَمَا اتَّفَقَ السُكَانُ عَلى البُخْلِ : ( حَـتّى إذَا أتَيَا أهْـلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْـعَـمَا أهْـلَـهَـا فَأبَوْا أنْ يُضَيِّفُوهُـمَا )[ الكهف 77 ] ، وَ في سُورَةِ يس حينَمَا اتَّفَقَ السُكَانُ عَلى الكُفْرِ: ( وَ اضْـرِبْ لَـهُـمْ مَـثَلاً أصْـحَـابَ الـقَرْيَةِ إذْ جَـاءَهَـا الـمُـرْسَـلُـونَ إذْ أرْسَـلْـنَا إلَـيْهِـمُ اثْنَيْنِ فَـكَـذَّبُوهُـمَـا )[ يس 13 ] ، لذلك في كل القرآن الكريم كان [ الهـلاك ] للقرى ، وليس للمدن.

(وَإنْ وجـدْنا أكـثرهُـم لـفـاسـقين )[ الأعراف 102 ] :

 

إنَّ الفِسْقَ هُوَ: قَلْبُ الحَقائِقِ إلى بَاطِلٍ، عَنْ سَـابِقِ مَعْرِفَةٍ وَ تَصْميمٍ ، أيْ هُوَ مُخَـالَفَةُ المنطِقِ وَ الحقّ: ( وإنَّ كَـثِـيْراً مِــنَ الـنَـاسِ لَـفَـاسِــقُونَ )[ المائدة 49 ] ، أيْ يَقْلِبُونَ الحَقَّ إلى باطِلٍ وَ كَذِبٍ ، ومنهـم : ( وَمَـا يُضِـلُّ بِهِ إلاَّ الـفَاسِـقِـينَ الـذينَ يَنْقُضُـونَ عَـهْـدَ اللَّـهِ مِـنْ بَعْـدِ مِـيْثَاقِهِ وَيَقْطَـعُـونَ مَـا أَمَـرَ اللَّـهُ بِهِ أنْ يُوصَـلَ وَيُفْسِـدونَ فـي الأَرْضِ أُولَـئِـكَ هُـمُ الـخَـاسِـرونَ )[ البقرة 26 / 27 ] ، ( وَ الـذينَ يَنْقُضُـونَ عَـهْـدَ اللَّـهِ مِـنْ بَعْـدِ مِـيْثَاقِهِ وَ يَقْطَـعُـونَ مَـا أَمَـرَ اللَّـهُ بِهِ أنْ يُوصَـلَ وَ يُفْسِـدونَ فـي الأَرْضِ أُولَـئِـكَ لَـهُـمُ اللَّـعْـنَةُ وَ لَـهُـمْ سُـوءُ الـدَارِ )[ الرعد 25 ] ، وَ الذينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ هُمْ فَاسِـقُونَ :

( وَ الـذينَ يَرْمُـونَ الـمُـحْـصَـنَاتِ ثُمَّ لَـمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَـةِ شُـهَـداءَ فَاجْـلِـدُوهُـمْ ثَمَـانِينَ جَـلْـدَةً وَ لاَ تَقْبَلُـوا لَـهُـمْ شَـهَـادَةً أَبَدَاً وَأُولَـئِـكَ هُـمُ الـفَاسِـقُونَ )[ النور 4 ] ، لأنّهم يقلبون الحقّ إلى باطل، وَالذينَ يُمَارِسُونَ اللُّواطَةَ فاسِقُونَ أيضَاً: (وَ لُـوطَـاً آتَيْنَاهُ حُـكْـمَـاً وَعِـلْـمَـاً وَ نَجَّـيْنَاهُ مِـنَ الـقَـرْيَةِ الـتي كَـانَتْ تَعْـمَـلُ الـخَـبَائِـثَ إنَّهُـمْ كَـانُوا قَوْمَ سُـوءٍ فَاسِـقِـيْنَ ) [ الأنبياء 74 ] ، لأنهم يقلبون الحقائق الجنسية، وَالذينَ نَسُوا اللَّهَ فاسقون : (وَلاَ تَكُـونُوا كَـالَّـذينَ نَسُـوا اللَّـهَ فَأَنْسَـاهُـمْ أَنْفُسَـهُـمْ أُولَـئِـكَ هُـمُ الـفَاسِـقُونَ )[ الحشر 19 ]، ( إلـى فِرْعَـوْنَ وَقَوْمِـهِ إنَّهُـمْ كَـانُوا قَوْمَـاً فَاسِـقِيْنَ )[ النمل 12 ] ، وَ المُنَافَقُونَ فاسِـقُونَ أيْضَاً:

( الـمُـنَافِـقُـونَ وَالـمُـنَافِـقَاتُ بَعْـضُـهُـمْ مِـنْ بَعْـضٍ يَأْمُـرونَ بِالـمُـنْـكَـرِ وَيَنْهَـوْنَ عَـنِ الـمَـعْـروفِ وَيَقْبِضُـونَ أَيْدِيَهُـمْ نَسُـوا اللّـهَ فَنَسِـيَهُـمْ إنَّ الـمُنَافِقِيْنَ هُـمُ الـفَـاسِـقُونَ )[ التوبة 67 ] ، وَ عَمَلُهُمْ مَرْفُـوضٌ: ( قُلْ أَنْفِقُوا طَـوْعَـاً أَوْ كَـرْهَـاً لَـنْ يُتَقَبَّلَ مِـنْكُـمْ إنَّكُـمْ كُـنْتُمْ قَوْمَـاً فَاسِـقِيْنَ ) [ التوبة 53 ] ، وَ لاَ تَجُوزُ الصَلاَةُ عَلَيْهِمْ : ( وَ لاَ تُصَـلِّ عَـلـى أَحَـدٍ مِـنْهُـمْ مَـاتَ أَبَدَاً وَ لاَ تَقُمْ عَـلـى قَبْرِهِ ... وَ مَـاتُوا وَهُـمْ فَاسِـقُونَ )[ التوبة 84 ] .

( فَأَلْـقَـى عَـصَـاهُ فَإِذَا هِـيَ ثُعْـبَانٌ مُـبيْنٌ )[ الأعراف 107 ] :

لاَ بُدَّ في هَذَا السِيَاقِ مِنْ شَرْحِ مَوْضُوعِ [ الحَيَّـةِ وَ الثُعْبـَان وَ الجَـانَّ ] ، فَفي هَذَا المَوْضُوعِ ، أوْرَدَ القُرْآنُ الكَرِيْمُ مُسَمَّىً واحِدَاً مَعَ أَسْماءَ مُخْتَلِفَة لَـهُ ، وَ هُوَ أَحَدُ أنْواعِ البلاغَةِ القُرْآنِيَةِ الرائِعَةِ ، وَ صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ التَنَوُّعِ ، لَيْسَ في الجُمَلِ وَ الأَسَالِيْبِ فَحَسْبُ، بَلْ وَ في المُفْرداتِ أَيْضَاً، حَيْثُ ذَكَرَ القُرْآنُ [ الحَيَّـةَ ] في بَعْضِ المَواقِفِ، بَيْنَمَا ذَكَرَ [ الثُعْبـَان ] في مَواقِفَ أُخْرى، فَعْنْدَما كَانَ مُوسى لِوَحْدِهِ قُرْبَ جَبَلِ الطُورِ: ( وَمَـا تِلْـكَ بِيَمِـيْنِـكَ يَا مُـوسَـى قَالَ هِـيَ عَـصَـايَ أتَوَكَّـأُ عَـلَـيْهَـا وَأَهُـشُّ بِهَـا عَـلـى غَـنَمِي وَلِـيَ فِيْهَـا مَـآرِبُ أُخْـرى قَالَ أَلْـقِـهَـا يَا مُـوسَـى فَأَلْـقَـاهَـا فَإِذَا هِـيَ حَـيَّةٌ تَسْـعَـى )[ طه 17 / 20 ] ، ( فَلَـمَّا رَآهَـا تَهْـتَزُّ كَـأَنَّهَـا جَـانّ وَلّى مُـدْبِراً وَلَـمْ يُعَـقِّبْ )[ النمل 10 ][ القصص 31 ] ، (يَا مُـوسَـى أَقْبِلْ وَلاَ تَخَـفْ إنَّكَ مِـنَ الآمِـنِيْنَ )[ القصص 31 ] ، فالحَيَّةُ اسْمُ جِنْسٍ، يَقَعُ عَلى الذَكَرِ وَالأُنثى وَالصَغِيْرِ وَالكَبيْرِ، أمَّا [ الجَـانّ ] فَهُوَ النَوْعُ الصَغِيْرُ مِنَ الحَيَّاتِ، وَقَدْ يَكُونُ فَرْخُ الحَيَّةِ، وَنُلاَحِظُ أنَّ عَصَـا مُوسى عليه السلام قَدِ اتَّخَذَتْ أوَّلَ أَشْكَالِهَا عَلى صُورَةِ [ حَيَّـةٍ ] ، بَيْنَمَا اهْتِزَازُهَا كَانَ يُشْـبِهُ اهْتِزَازُ الجَـانّ، لِمَا لِذِكْرِ الجَـانّ مِنْ أَثَرٍ مُرْعِبٍ في النُفُوسِ، وَدَلِيْلٍ نَفْسِيٍّ يَبْعَثُ عَلى الهَـرَبِ.

أمَّا عِنْدَ فِرْعَوْنُ ، وَأمَامَ حَشْدٍ ضَخْمٍ مِنَ الناسِ وَالسَحَرَةِ ، فَإنَّ حَيَّةً صَغِيْرَةً لَنْ تُخِيْفَ هَذَا الجَمْعِ لِذَلِكَ تَحَوَّلَتِ العَصَا إلى ثُعْبَـانٍ مُبِيْنٍ أَخَافَ الجَمِيْعَ : (فَأَلْـقَـى عَـصَـاهُ فَإِذَا هِـيَ ثُعْـبَانٌ مُـبيْنٌ )[ الأعراف 107 ][ الشعراء 32 ] ، وَ كَانَ قَادِراً عَلى ابْتِـلاَعِ كُلِّ أَدَواتِ السِـحْرِ وَ الشَعْوَذَةِ وَ الكَذِبِ ، ( وَ أَلْـقِ مَـا في يَمِـيْنِـكَ تَلْـقَفُ مَـا صَـنَعُـوا إنَّمَـا صَـنَعُـوا كَـيْدُ سَـاحِـرٍ )[ طه 69 ] ، (وَأوْحَـيْنا إلـى مُـوسَـى أَنْ أَلْـقِ عَـصَـاكَ فَإِذَا هِـيَ تَلْـقَفُ مَـا يَأْفِـكُـونَ )[ الأعراف 117 ] ، ( فَألْـقَى مُـوسَـى عَـصَـاهُ فَإِذَا هِـيَ تَلْـقَفُ مَـا يَأْفِـكُـونَ ) [ الشعراء 45 ] ، وَهَذِهِ بلاغَةُ القُرْآنِ.

(سَـحَـروا أَعْـيُنَ الـنَاسِ وَاسْـتَـرْهَـبُوهُـمْ )[ الأعراف 116 ] :

وَذَلِكَ بِسَبَبِ الخِداعِ البَصَريّ: (سَـحَـروا أَعْـيُنَ الـنَاسِ وَ اسْـتَرْهَـبُوهُـمْ )[ الأعراف 116 ] ، وَبِسَبَبِ خَوْفِ مُوسى عليه السلام : ( فَأَوْجَـسَ فـي نَفْسِـهِ خِـيْفَـةً مُـوسَـى )[ طـه 67 ] ، ظَنَّ أَنَّهَا تَسْعى، فَكَانَ الحَلُّ الإلَهيُّ: ( قُلْـنَا لاَ تَخَـفْ إنَّكَ أَنْتَ الأَعْـلى )[ طـه 68 ] ، الذي كَشَفَ كَذِبَهُمْ: (وَأَوْحَـيْنَا إلـى مُـوسَـى أَنْ أَلْـقِ عَـصَـاكَ فَإذَا هِـيَ تَلْـقَفُ مَـا يَأْفِـكُـونَ )[ الأعراف 117 ] ، ( فَأَلْـقَـى مُـوسَـى عَـصَـاهُ فَإذَا هِـيَ تَلْـقَفُ مَـا يَأْفِـكُـونَ ) [ الشعراء 45 ] ، لأَنَّ سِحْرَهُمْ خَديعَةٌ فيزيَـائِيَّةٌ : (وَأَلْـقِ مَـا فـي يَمِـيْنِـكَ تَلْـقَفُ مَـا صَـنَـعُوا إنَّمَـا صَـنَعُـوا كَـيْدُ سَـاحِـرٍ وَلاَ يُفْلِـحُ الـسَـاحِـرُ حَـيْث أَتى )[ طـه 69 ] ، لاَ يُفْلِـحُ الساحر: النتيجة خاسـرة، حَـيْثُ أَتى: مَهْما عَمِـلَ .

الأجساد شكل خارجي والأجسام كتلة كاملة مع الأحشاء

( عِـجْــلاً جَـسَـداً )[ الأعراف 148 ] :

التَجَسُّـدُ: هُوَ الظُهُورُ عَلى هَيْئَـةِ أجْـسَادٍ، مِثْلَ ظُهُورِ جِبريل إلى مَرْيَمَ عليها السلام عَلى هَيْئَةٍ بَشَرٍ سَـوِيِّ: ( فَأرْسَـلْـنَا إلَـيْهَـا رُوحَـنا فَـتَمَـثَّـلَ لَـهَـا بَشَـراً سَـوِيَّاً )[ مريم 17 ] ، بينمـا : [ الأجْسَادُ : هيَ شَكْلٌ خَارجيٌّ فَقَطْ، أمَّا الأجْسَـامُ : مِثْلَنَـا، فَهيَ كتْلَةٌ كامِلَةٌ مَعَ الأحْشَاءِ الداخليةِ ] : ( وَ إذا رأيْتَهُـمْ تُعْـجِـبُـكَ أجْـسَـامُـهُـمْ )[ المنافقون 4 ] ..

وَ عَنْ طَبيعَةِ الأجْسَـادِ قَالَ تعالى : ( وَ مَـا جَـعَـلْـنَاهُـمْ جَـسَـداً لاَ يَأْكُـلُـونَ الـطَـعَـامَ )[ الأنبياء 8 ] ، وَ السَامِريُّ أَخْرَجَ لِـبَني إسْرائيلَ جَسَداً فَقَطْ ، لأنَّهُ مِنَ المُسْتحيلِ عَليْهِ أَنْ يُكوِّنَ جِسْـماً كامِلَ الأحْشَاءِ : ( فَأخْـرَجَ لَـهُـمْ عِـجْـلاً جَـسَـداً )[ طه 88 ] ، (وَاتَّخَـذَ قَـوْمُ مُـوسَـى مِـنْ بَعْـدِهِ مِـنْ حُـلِـيِّـهِـمْ عِـجْــلاً جَـسَـداً )[ الأعراف 148 ] .

(غَـضْـبَانَ أسِـفَاً) [ الأعراف 150 ] :

فَأصْبَحَ مُوسَى أسِـفَاً [ بِكسْرِ حَرْفِ السينِ ] وَ مَعْناهُ : الغَضَبُ الشَـديدُ : ( فَرَجَـعَ مُـوسَـى إلـى قَوْمِـهِ غَـضْـبَانَ أسِـفَاً )[ طه 86 ] ، ( رَجَـعَ مُـوسَـى إلـى قَوْمِـهِ غَـضْـبَانَ أسِـفَاً )[ الأعراف 150 ] .

[ انفجـرت ، انبجسـتْ ] :

( وَ إذِ اسْـتَسْـقَـى مُـوسَـى لِـقَـوْمِـه فَقُلْـنَا اضْـرِبْ بِعَصَـاكَ الـحَـجَـرَ فَانْفَجَـرَتْ مِـنْهُ اثْنَتا عَـشَـرَةَ عَـيْنَاً قَـدْ عَـلمَ كُـلُّ أُنَاسٍ مَـشْـرَبَهُـمْ )[ البقرة 60 ] ، هنا ( اسْـتَسْـقَـى مُوسَـى ) مِنَ اللّهِ ، لذلك : (فَانْفَجَـرَتْ) دليلُ كَثْرَةِ المَـاءِ وَالكَرَمِ الإلَهيّ، لأنَّ مُوسـى يَطْلُبُ مِنَ اللّـهِ مُباشَـرَةً، بينمـا الآية الأخـرى : (وَأوْحَـيْنا إلـى مُـوسَـى إذِ اسْـتَسْـقَاهُ قَوْمُـهُ أَنِ اضْـرِبْ بِعَصَـاكَ الـحَـجَـرَ فَانْبَجَـسَـتْ مِـنْهُ اثْنَتا عَـشَـرَةَ عَـيْنَاً قَـدْ عَـلـمَ كُـلُّ أُنَاسٍ مَـشْـرَبَهُـمْ )[ الأعراف 160 ]، هنـا (اسْـتَسْـقَاهُ قَوْمُـهُ ) أي القَوْمُ يطلبون من موسى ، لذلك : (فَانْبَجَـسَـتْ ) والانبِجـاسُ أقَلُّ مِنَ التَفْجير لأنَّ الطَلَبَ من موسى وليْس من اللّه، وَتدْعى حتى الآنَ : [ عُـيُونُ مُوسى ] عَلى خليجِ السويسِ .

( يَنْـزَغَـنَّـكَ مِـنَ الـشَـيْطَـانِ نـَزْغٌ )[ الأعراف 200 ] :

النَــزْغُ : وَهُوَ وَسْـوَسَـةٌ خَطِيرَةٌ تُوصِلُ لِلشَـكِّ في العَقِـيدَةِ: (وَإمَّـا يَنْزَغَـنَّـكَ مِـنَ الـشَـيْطَـانِ نـَزْغٌ فَـاسْــتَعِـذْ بِاللّـهِ )[ الأعراف 200 ] ، وَ قَالَ صلى الله عليه و سلم : [ يَأْتي الشَيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولَ : مَنْ خَلَقَ كَذَا مَنْ خَلَقَ كَذَا ، حَتّى يَقُولُ مَنْ خَلَقَ رَبُّكَ ؟!، فَإذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ باللهِ ][ رواه البخاري ، وَمُسْلم في الإيمان عن أبي هُريرة رضي الله عنه ] ، وَالنَـزْغُ هُوَ أَيْضَاً إفْسَـادُ العَلاَقَـاتِ ، يَقُولُ يُوسُفَ عليه السلام: (مِـنْ بَعْـدِ أَنْ نَزَغَ الـشَـيْطَـانُ بَيْني وَبَيْنَ إخْـوَتي)[ يوسف 100 ] .

(فَاسْـتَمِـعُـوا لَـهُ وَأنْصِـتُوا )[ الأعراف 204 ] :

فالمَطْلُوبُ هُوَ الاسْتِمَاعُ [ فَهْمُ المَسْمُوعِ ] لِلقُرْآنِ بَعْدَ الإنْصَاتِ [ السُكُوتُ مِنْ أجْلِ السَمَاعِ ] : ( فَإذَا قُـرِئ الـقُـرْآنُ فَاسْـتَمِـعُـوا لَـهُ وَأنْصِـتُوا)[ الأعراف 204 ] .

[ الـمـؤمنـون ، المـؤمنون حـقاً ] :

المؤمنون هُم : ( الـتَائِـبُونَ الـعَـابِدُونَ الـحَـامِـدُونَ الـسَـائِحُـونَ الـراكِـعُـونَ الـسَـاجِـدُونَ الآمِـرونَ بِالـمَـعْـروفِ وَالـنَاهُـونَ عَـنِ الـمُـنْـكَـرِ وَالـحَـافِظُـونَ لِـحُـدودِ اللّـهِ وَبَشِّـرِ الـمُـؤْمِـنِيْنَ )[ التوبة 112 ] .

أمّا المُؤْمِنُونَ حَقـاً : ( إنَّمَـا الـمُـؤمِـنُونَ الـذينَ إذا ذُكِـرَ اللَّـهُ وَجِـلَـتْ قُـلُـوبُهُـمْ وَ إذا تُلِـيَتْ عَـلَـيْهِـمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُـمْ إيْمَـانَاً وَعَـلـى رَبِّهِـمْ يَتَوَكَّـلُـونَ الـذينَ يُقِـيْمُــونَ الـصَـلاَةَ وَ مِـمَّـا رَزَقْنَاهُـمْ يُنْفِـقُونَ أُولَـئِـكَ هُـمُ الـمُـؤمِـنُونَ حَـقَّـاً )[ الأنفال 2 / 4 ] .

[ يـعـذّبـهُـم ، مُـعـذّبـهُـم ] :

( وَ لَـوْ أنَّـهُـمْ إذْ ظَـلَـمُـوا أنْفُسَـهُـمْ جَـاؤوكَ فَاسْـتَغْـفَروا اللَّـهَ وَاسْـتَغْـفَرَ لَـهُـمُ الرَسُـولُ لَـوَجَـدوا اللَّـهَ تَوّابَاً رَحِـيمَـاً )[ النساء 64 ] ، وَهَذَا يُبَيِّنُ الأهَميَّةَ البالِغَةَ لِزِيارَتِهِ صلى الله عليه وسلم، (وَمَـا كَـانَ اللَّـهُ لِـيُعَـذِّبَـهُـمْ وَأنْتَ فِيهِـمْ وَمَـا كَـانَ اللَّـهُ مُـعَـذِّبَـهُـمْ وَهُـمْ يَسْـتَغْـفِرونَ )[ الأنفال 33 ] ، وردت : ( يُعَـذِّبَـهُـمْ ) بالصِيغَةِ الفِعْليّـةِ ( يُعَذِّبُ ) للدَلاَلَةِ على أنَّ وُجُودَ الرسُولِ هُوَ حَالـةٌ مُؤَقَّتَـةٌ ، ووردت: مُـعَـذِّبَـهُـمْ بالصيغَةِ الاسمية ( مُعَذِّبُ ) للدَلاَلَةِ على الـدَوامِ.

كل هـذا واللـه أعـلم.

Email