شجر وحجر

الموز.. أجــــــــــود أنــــــــواع اللؤلؤ فــــــــي العالـــــــــم

ت + ت - الحجم الطبيعي

الذاكرة الشعبية عماد نبع مهم من ينابيع التراث الثقافي، فهي بمثابة المصنع للتراث، تتم فيها صناعة أنماط جديدة من التراث وأدبياته، في الحياة العامة تتبع التقاليد بشكل دقيق و نمطي، لكن الخروج على التقاليد لا يدوّن إلا في ثنايا الذاكرة الشعبية.

في هذه الإطلالة سوف نستعرض وإياّكم بعض ما سجلته الذاكرة الشعبية، والذي يعتبره الكثير من الباحثين من هوامش التراث، فهم لا يعدونه في متن التراث إلا فيما ندر.

عنواننا هو شعبيات عبر محطات، في كل جانب سنتناول موضوعا مختلفا حول معطيات الذاكرة ومخزوننا منها، في هذه المساحة تتنوع الموضوعات، وتتوالى اسماء الشخصيات.

موضوعنا اليوم.. موزّه (بتشديد الزاي) نوع من اللؤلؤ في الخليج العربي، ولهذا النوع من اللؤلؤ مكانة مميزة على غيره من اللؤلؤ، من حيث صفاء لونه و استدارته و حجمه، فالموزّه لؤلؤة كريمة جميلة غالية الثمن، وقد اشتهرت بلدان الخليج العربية تاريخياً بتصدير أجود أنواع اللؤلؤ في العالم، و هو يستخرج من بحر الخليج الغني بكل أنواع الخيرات، فاللؤلؤ والنفط والحكايات يمتلئ بها الخليج العربي كواحد من أهم وأغنى الممرات المائية في التاريخ، كان الخليج نقطة ارتكاز على طريق قوافل الحرير التاريخية وطريق اللبان، فحتى إن لم يكن خطاً رئيساً للعبور الاّ انه كان طريقا بديلا أو طريقا مساعداً.

صيغة دلال

والموز هو صيغة الدلال لإسم "موزّه" أحد أشهر أسماء الفتيات في الإمارات وبلدان شبه جزيرة العرب، و يصغر مويز، والكبيرة المسنّة تسمى موزانه، ومن صيغ الدّلال عند أهل الجبال المسماة (الحيور) موزيه ومواز، و للتحقير تسمى موزوه.

الموز أيضا هو نبات الموز المعروف، و في الإمارات تزرع أنواع مختلفة من فاكهة الموز، منه الموز البرحي أو البرشي كما يسميه أهل دبا، و هو كبير الحجم

يسبب آلام المغص في البطن لمن يتناوله لأول مرّة، و شبيه به نوع آخر يكثر في جبال الحجر والعين يسمى موز نغال، هذا الموز الكبير يسميه البعض أيضا موز عربي، و هناك نوع آخر يسمى الموز الفرضي وعند أهل دبا يسمى فريضي وهو صغير الحجم حلو المذاق خفيف على المعدة.

فاكهة وقصيد

الموز مشهور بشجرته الفريدة ذات الملمس الناعم و الجذع الممتلئ الأملس، وبجذع الموز تشبّه قدود النساء وتوصف، وفي ذلك قيل: لب طويل ولا القصر ياه/ رويان عوده في الهوى يليـن

شبّهت عود الموز شرواه/ ياللي ربا وسط البساتيـــــن

هكذا دائما يتم تشبيه الفتاة الجميلة معتدلة الطول ريـّانة العود، تشبَّه بشجرة الموز التي تنمو في البساتين، والبساتين هنا كناية عن الأهل والعشيرة والقبيلة، أما شاعرنا الآخر فيقول: الموز لي تايه ورويان/ إن هبّ له شرتا الصبا يميل

وهذا القول شبيه بقول شاعر آخر:

ما تنام عيني بايتــه سهرانــه

                زايد عليها الهـم والوسواسي

شروات عود الموز في بستانه

                 ايميل من هب الهوى ميّـاسي

ويوافقهم بالقول شاعر الإمارات الكبير الماجدي بن ظاهر فيقول :

يميل عود الموز لي عاد مورج

                ولي عاد عريان فهل كيف يميل

كل الآراء تتحدث عن امتلاء ورقــّة عود الموز الذي يتأثر بنسمات الهواء فيميل، ولكنه لا يميل إلا إذا كان كاسياً مستوراً على رأي الماجدي.

وحول رقة عود الموز واقترانه بالنساء يقول الشاعر:

يا عود موزِ في الخوافي ناسع

                يالمغز ياللي في الخدر مكنونه

يا بو عجيل العلم كانه ياسع

                 غض النسا ترف الشباب اغصونه

وتتوالى الأوصاف والنعوت التي يكون الموز محورا فيها على طريق الحسن والجمال، لكن يأتينا آخر فيجد صفة سيئة في الموز فهو سريع الفساد ولا يحتمل حتى المناورة، ومن ذلك ما حدث لمحبوبة ذلك العاشق رغم أنه دفع صداقها رغبة في الارتباط بها، لكن إشاعة أطاحت بكل شيء فقال: الموز ياللي خاس واسوّد/ والمال يا ناصر خسرناه

كد شاع خبْره عند كل حد

                ايلوف وامكوّد ومدْنــــاه

حكاية غرام

هكذا نجد بأن الموز مادة غنية تحث المخيّلة وتلهم الأفكار، ومن ذلك قصة ذلك الشاب الذي أحب فتاة اسمها " موزّه " وهي من أسرة كبيرة ذات مقام عال لا تقبل أن يرتبط مصير ابنتهم بهذا الفقير المعدم، ولكن بعد أن تطوّرت علاقتيهما وخافت أسرة الفتاة من أن يحدث ما لا يحمد عقباه سارعوا إلى دعوة الشاب عندهم وأكرموه وأحسنوا استقباله ووعدوه خيراً بشأن ابنتهم على أن يتريث قليلاً ويبتعد عنها لفترة من الزمن، وبعد خروج الشاب من بيت الفتاة أحس بإحساس غريب وآلام قوية في سائر أنحاء جسده! فعرف بعد فوات الأوان أنه كان ضحية مؤامرة دنيئة، وأن أهل الفتاة قد خدعوه ودسوا له السم في الطعام الذي تناوله عندهم، فذهب إلى بيته وبقي فيه يصارع آلام الموت وهو طريح لا يستطيع أن يبرحه، إلى أن زاره ذات يوم أحد أصدقائه الذي وجده يحتضر فأخبره بالقصة وأنشده:

يالموز عوق السم ضيجي

                اصبْرت له والقاه ما هان

 أزمن وخلاّني عويجي

                من عقب ما كنـّي أنا حصان

 كلما بغيت أوصل صديجي

                 أبرحت وسط البيت حيران

 سلموا على يملة صديجي

                  ترانيه في اللحد سكـّان

استنزاف حتى الرمق

العجيب في شجرة الموز ما يذكره هذا المثل الشعبي "يوم غاية نفعه... جتل أمه" فشجرة الموز تحمل صغيرها وترعاه حتى يقوى ويشتد، لكنه ما أن يتقوى حتى يقتل أمه، فلا حياة له الا بعد أن يقتلها، والمثل يستخدم دائماً للإشارة إلى عقوق الوالدين ونكران الأبناء لهم. يبقى الموز شاخصاً بحضوره الكبير في الذاكرة الشعبية سواء من باب اللؤلؤ الذي اشتهرت به بلدان الخليج العربية كأجود أنواع اللؤلؤ في العالم، أو كفاكهة وشجرة بيئية جميلة، أو كاسم من أسماء البنات عند العرب.

 

كاتب وشاعر وباحث في التراث

 

من قاموس اللغة

 

 

في لسان العرب: المِزُّ بالكسر: القَدْرُ، و المَزُّ: الفضل، والمعنيان مقتربان. و شيء مِزٌّ يمَزُّ و مزيز وأمز أي فاضل.

و قد مز يمز مزازةَ و مززه: رأى له فضلاً أو قدرا. و مززه بذلك الأمر: فضله.

جتل: قتل

Email