أناشيده فتحت أعين الشباب على بدائل إيجابية معاصرة

ماهر زين.. «صحوة» فنية تعانق العالمية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لكلٍّ من اسمه نصيب كما يقال، وهو ما انطبق على المنشد السويدي من أصل لبناني ماهر زين، الذي كانت مهارته في الاختيار والأداء، سبباً رئيساً في تقديمه لأفضل باقة من الأغنيات التي طغت عليها الروحانية، وتخللتها الأحاسيس العميقة من كل جانب.

وتربعت الأهداف الراقية على عرشها بلا منازع، حتى أصبح اليوم واحداً من أبرز الفنانين والمنشدين على الساحة، محققاً جماهيرية كبيرة، وجامعاً قلوب الكثير من المحبين حوله.

كانت الموسيقى شغفه منذ الصغر، فاتجه نحوها بكل أحاسيسه، ورغم نجاحه في مجال صناعة ألبومات الموسيقى في الولايات المتحدة الأميركية.

إلا أن شيئاً ما في داخله كان يشعره بالضيق والانزعاج، حتى عاد إلى السويد والتقى بمجموعة من الأصدقاء الملتزمين، الذين ساعدوه في التعمق بالدين الإسلامي ليشعر بأنه وصل بذلك إلى بر الأمان، ما دفعه لاتخاذ قرار الابتعاد عن إنتاج الأغاني، والاتجاه لفن آخر يشبع من خلاله شغفه ويسير مع مبادئه وقيمه في نفس الاتجاه.

فن معاصر

وبعد عدة تجارب فنية، وصل ماهر زين إلى تقديم مجموعة من الأغاني تحمل معاني أخلاقية إسلامية، وبشكل معاصر، لينطلق بألبومه الأول الذي قدم فيه 15 أنشودة، أبرزها «صحوة» و«شكراً يا الله» و«يا نبي» و«سبحان الله» وغيرها، ويبدأ مسيرته في هذا العالم الذي وجد فيه نفسه، وعرفه الجمهور من خلاله.

نجاح كبير ولافت حظي به هذا الألبوم الذي حمل عنوان «شكراً يا الله»، وصدر عام 2009، واجتاح من خلاله مواقع التواصل الاجتماعي، حتى أصبح اسم المنشد ماهر زين من بين أكثر الأشخاص بحثاً على غوغل، وحقق ألبومه نسبة مبيعات عالية جداً فاقت غيرها من ألبومات صدرت تلك الفترة.

بديل إيجابي

انطلاقة ماهر زين لم تكن عادية، فالشباب المسلم المولع بالموسيقى كان يبحث عن بديل للأغاني الصاخبة ذات الكلمات الهابطة والألحان الصارخة الرديئة، ليجدوا ضالتهم في النمط الذي قدمه زين بشكل فني حديث ومعاصر. اعتمد ماهر زين الإنجليزية كلغة أساسية في ألبوماته، إلا أن ذلك لم يمنعه من تقديم أغانٍ أخرى بلهجات مختلفة.

نجاحات متواصلة حققها ماهر زين بعد ألبومه الأول، إذ أطلق أغنيته «يا نبي سلام عليك» التي حازت على جائزة أفضل أغنية إسلامية في 2010، وحصد فيديو كليب الأغنية نسب مشاهدة مليونية عالية، تم اعتبارها الأعلى بين النسب التي يمكن أن تحصل عليها الأعمال الإسلامية الفنية على «يوتيوب».

يمتلك ماهر زين إيماناً كبيراً بدور الفنان وتأثيره في مجتمعه، ورغم قناعته بعدم قدرته هو أو غيره على تغيير العالم، إلا أنه يمتلك قناعة ذاتية بقدرته على التأثير من خلال صوته وفنه.

فالتغيير ليس حكراً على السياسيين وأصحاب القرار فقط، بل إن كل فرد جزء من التغيير في منظومة متكاملة، وهو من خلال فنه يسعى للتغيير الإيجابي الذي يضيف للمجتمعات على اختلافها. ولأن التحديات عادةً ما تلاحق الفنانين، فالتحدي الأكبر بالنسبة لماهر زين يكمن في تقديم الجديد والمبتكر.

ولأنه لا يتنازل عن حقه في تقديم الأفضل لجمهوره، يحرص زين على الاستعانة بأكثر من عقل وذوق ورأي ممن يثق بهم في وضع الخطط الجديدة قبل أي ألبوم أو أغنية يطرحها.

فن ملتزم

وساهم زين في بروز موجة الفن الملتزم والفنانين الملتزمين، وفتح أعين الشباب على خيارات وبدائل لم تكن مطروحة أمامهم، كما ساهمت أغنياته في توصيل رسائل إيجابية تحث على تعديل الكثير من السلوكيات والمفاهيم، وكان مثالاً متميزاً لأبناء جيله من الفنانين.

ونجح في تحقيق جماهيرية كبيرة، إذ تمتلئ حفلاته عن آخرها - عادة- بالحضور من فئة الشباب، كما يمتاز هذا الفنان بامتلاكه لقاعدة جماهيرية واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويظهر ذكاؤه واضحاً في استخدام هذه المواقع بتواصله الحضاري الراقي مع جمهوره.

وتوالت بعدها إنجازات ماهر زين الفنية، ليتلقى العديد من الجوائز، ويتربع على قوائم أفضل الألبومات مبيعاً، ويحيي حفلات كاملة العدد في مختلف الدول.

عالمية

في مختلف المجالات الفنية، يطمح الفنانون عادةً للوصول إلى العالمية، وقد نجح ماهر زين في تحقيق هذا الهدف، ليمتلك قلوب الجمهور داخل الوطن العربي، ويتخطى بشهرته الحدود إلى ما هو أبعد من ذلك، من خلال تركيزه على إتقان عمله، واختياره لأشخاص يساعدونه في توسيع آفاق ما يقدمه، وإصراره على تقديم الأفضل والأجمل في كل مرة.

كلمة جميلة، ومضمون هادف، ورسالة راقية، هذا ما يحمله الإنشاد بين ثناياه، ليكون البديل الصحي للسمعيات الرديئة، والخيار الأنسب الذي يمزج بين الترفيه والمتعة وبين تعزيز القيم الإيجابية وترسيخها في النفوس.

سماء هذا الفن الهادف، تألق المنشدون كنجوم وأقمار، ليصدحوا بأصواتهم في فضاءات روحانية مملوءة على آخرها بالإبداع، ويحلِّقوا في عوالم الإيجابية والسعادة، ويتهادوا على وقع الحب والخير والسلام، معانقين الوطن، وتاركين على جبين كل أمٍّ قبلة امتنان وتقدير.

Email