القناعة.. كنز لا يفنى

ت + ت - الحجم الطبيعي

القناعة كما يقولون كنز لا يفنى. والأهم انه كنز يؤدي إلى التسامح، ويهيئ النفس له، ويجعلها قادرة عليه. ومن أهم أنواع القناعة، أن يطمئن الإنسان إلى «قسمته» في الحياة، فلا يبتعد بعينيه عما هو له إلى ما هو لغيرة، وأن يفهم أن الحياة فيها دورة للرزق والنصيب، وأن الأعمال مترابطة، وكذلك الأرزاق، كل منها يقوم على الآخر، ويرتبط به. وهي دورة لا يحسن إرباكها أو خلخلة دورتها.

هذا هو جوهر الحكاية، التي تتحدث عن عقل صيادين بسطاء يمتازون بالقناعة، وعقل سائح حطت رحاله في رحابهم، فأدهشه أنهم لا يسعون للحصول على المزيد.

وتقول الحكاية:

ذهب سائح إلى المكسيك فامتدح الصيادين المَحليين في جودة أسماكهم ثُمَّ سألهم: كم تحتاجون من الوقت لاصطياد هذه الأسماك؟

فأجابه الصيادون بصوتٍ واحد: ليس وقتا طويلاً.

فسألهم: لماذا لا تقضون وقتاً أطول وتصطادون أكثر؟

فأوضح الصيّادون أن صيدهم القليل يكفي حاجتهم وحاجة عوائلهم !

فسألهم: ولكن ماذا تفعلون في بقية أوقاتكم؟

أجابوا: ننام إلى وقت متأخر..

سألهم: وماذا بعد؟

قالوا: نصطاد قليلاً..

سألهم: وماذا بعد؟

قالوا: نلعب مع أطفالنا..

وماذا بعد؟

قالوا: نأكل مع زوجاتنا..

وماذا بعد؟

نزور الأقرباء والأصدقاء..

وماذا بعد؟

في المَساء نلهو ونضحك ونردد بعض الأهازيج والأغاني.

فقال السائح مقاطعاً: لدي ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة هارفرد وبإمكاني مساعدتكم!

فسألوه مستغربين: وهل تعتقد أننا بحاجة للمساعدة..؟

قال: نعم؛ عليكم أن تبدؤوا في الصيد لفترات طويلة كل يوم..

ولماذا علينا نصطاد لفترة أطول..؟

لتبيعوا السَّمك الإضافي بعائد أكبر..

وما حاجتنا إلى العائد الأكبر..؟

لتشتروا قارب صيد أكبر..

سألوه: وما حاجتنا إلى ذلك القارب؟

أجاب: مع القارب الكبير والنقود الإضافية تستطيعون شراء قارب ثان وثالث وهكذا حتّى يصبح لديكم أسطول سفن صيد متكامل..

ولماذا نفعل هذا..؟

قال: هذا يجعلكم قادرين على أن تبيعوا صيدكم مباشرة للمصانع، بدلاً من أن تبيعوه لوسيط، يتربح من جهدكم وصيدكم..

قالوا: وما الضير في أن يتربح الآخرون من صيدنا..؟

قال: لأنكم أولى بهذا المال الفائض، الذي ربما يتيح لكم أيضاً إنشاء مصنع خاص بكم، وربما سيكون بإمكانكم حينها إنشاء مشاريع عملاقة..

وما حاجتنا إلى هذه المشاريع العملاقة؟

قال: لأنه سيكون بإمكانكم حينها مغادرة هذه القرية، والانتقال للعيش في مكسيكو العاصمة، أو لوس أنجليس أو حتى نيويورك!

هنا، صمت الصيادون، ثم لم يلبثوا أن سألوا السّائح:

كم من الوقت سنحتاج لتحقيق هذه الخطة؟

أجاب: حوالي عشرين، أو ربما خمسة وعشرين سنة..

فسألوه:

وماذا بعد ذلك؟

أجاب: عندما تكبر تجارتكم سوف تقومون بالمضاربة في الأسهم وتربحون الملايين..

سألوه في دهشة: الملايين؟ حقاً؟

قال: إن أحسنتم العمل، وبذلت ما يلزم من جهد، ستحققون ذلك مع قليل من الحظ.

سألوا: وماذا سنفعل بعد ذلك؟

أجاب مُبتسماً: بعد ذلك يمكنكم أن تتقاعدوا، وتعيشوا بهدوء في قرية على الساحل، تنامون إلى وقت متأخر..

قال الصيادون: ونلعب مع أطفالنا..

قال: بلى، وتتنزهون مع زوجاتكم. وتقضون الليالي في الاستمتاع مع الأصدقاء..

حينها قال الصيادون: مع كامل الاحترام والتقدير، ولكن هذا بالضبط ما نفعله الآن، فما هو المنطق الذي يتوجب علينا من أجله أن نضيع خمسة وعشرين سنة نقضيها شقاءً!!؟

 

كلمات

بحسب الإسلام فإن الأساس في الواجب التعبدي كما في الحديث: «يا أيها الناس، خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دام وإن قل». وهو الأساس في التعامل المادي بين الناس كما في الحديث: «رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى».

 

الأساس في كسب الرزق يحدده الحديث الشريف: «إن أحدكم لن يموت حتى يستكمل رزقه، فلا تستبطئوا الرزق، واتقوا الله أيها الناس، وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرم». وهو الأساس في التعايش بين الناس: «إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فليسعهم منكم بسط الوجه، وحسن الخلق».

 

دعا النبي صلى الله عليه وسلم، بالرحمة والبركة لمن تحلى بالتسامح وحسن المعاملة، ومعالي الأخلاق ومكارمها، في بيعه وشرائه، وطلب قضاء حقه، فمن أحب أن تناله بركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فليكن سمحاً. فإذا رجوت الرحمة من ربك، وأردت البركة في كسبك، والسعة في رزقك؛ فكن متسامحاً مع الآخرين في تعاملاتك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسمح يسمح لك».

Email