لحظة.. تسامح الإسلام

ت + ت - الحجم الطبيعي

في لحظة تعكس روح التسامح في الإسلام، عبّر أب مسلم عن تعاطفه مع قاتل ابنه، عملاً بتعاليم الإسلام السمحة، واحتضنه خلال المحاكمة، ونصحه بأن يستقيم في حياته القادمة.

كانت جلسة النطق بالحكم قد شهدت حضور والد المقتول، وهو من أصل آسيوي، حيث حُكم على القاتل بالسجن لمدة 31 سنة، بتهمتي التخطيط للسطو على الضحية، وقتله طعناً، أثناء توصيله آخر طلب بيتزا ذلك اليوم، وبعد أن قال الوالد كلمة قصيرة، قام لقاتل ابنه واحتضنه.

وخلال المشهد المؤثر الذي دعت فيه القاضية إلى رفع الجلسة للحظات بعد أن دمعت عيناها هي ومعظم الحاضرين للجلسة، قال الأب للقاتل، إنه ليس غاضباً منه لأنه يعلم أن الشيطان هو من دفعه لذلك، وإنه سامحه نيابة عن ابنه المقتول، وكذلك عن أمه التي ماتت قبله بعامين، لأن الإسلام أوصى بذلك، وهمس في أذنه: «اعمل الصالحات عندما ‏تخرج من السجن، وسيغفر لك الله‎.( ‎

حدث هذا في العام 2015، بعد أن أقدم الأمريكي «تري ألكسندر ريلفورد» بقتل الأمريكي المسلم، من أصل تايلندي، صلاح الدين عبدالمنعم جتمود، صاحب الثانية والعشرين عاماً، الذي كان يعمل سائق توصيل بيتزا في مدينة لينكغستون بولاية كنتاكي الأمريكية.

وفي يوم جلسة الحكم، تفاجأ الحضور بوالد صلاح الدين، واسمه عبدالمنعم سمباط جتمود، يطلب الكلام، فلما سمح له القاضي قال مخاطباً القاتل:

«لو كان ابني، المقتول، صلاح الدين، موجوداً بيننا هنا، حياً، كان ليسامحك. أما بالنسبة لي، فأنا أطبق تعاليم الإسلام من كل قلبي. أما والدة ابني فقد توفيت مسبقاً. إنها متوفية وهو أيضاً متوفى؛ لذا أنا هنا بالنيابة عنها وعنه. عن ابني ووالدته».

«ومع أني أشعر بالأسى، إلا أنني لا ألومك على جريمتك. لست غاضباً منك لأنك قتلت ابني وآذيت اخوته بحرمانهم منه. أنا غاضب على الشيطان، وألومه بسبب إضلاله لك، وقيامه بإغوائك للقيام بهذه الجريمة الشنيعة. لا لست ألومك، ولست غاضباً منك اطلاقاً. أريدك أن تعلم هذا. وأتمنى لو أنني استطيع الاقتراب منك واحتضانك الآن، لتشعر بالراحة من عبء الجريمة الشنيعة التي ارتكبتها بسيرك في طريق الضلال، في خطأ ستتحمل نتائجه يا عزيزي. ليس الشيطان من سيتحمل تبعات هذه الجريمة، ولكن أنت يا عزيزي من سيدفع أغلى ثمن من حياته».

وأضاف الوالد المكلوم قائلاً: «سوف يصدر القاضي حكماً وهذا ليس من شأني. ولكنك ستضطر للجلوس في الزنزانة لوقت طويل جداً. ومن المحزن رؤية رجل في مقتبل العمر، بكامل صحته، ووسيم مثلك، محتجزاً في زنزانة، بدلاً من أن يكون عنصراً منتجاً في المجتمع. خصوصاً في مدينة مثل هذه تمثل عاصمة للقضايا الإنسانية في العالم».

وتابع: «أنا حقاً أشعر بالأسى حيال والديك. كأب أشعر بالأسى تجاه والديك. لقد بذلوا جهدهم في تربيتك وتنشئتك، وأرادوك أن تصبح ناجحاً. وكان نجاحك سيكون نجاحهم. وسعادتك سعادتهم. ولكن الآن سيتوجب عليهما البكاء بسبب الجريمة التي ارتكبتها. أشعر بالأسى تجاههم. أشعر بالأسى أيضاً حيال مدينة ليكسينغتون العظيمة. وأشعر بالأسى حيال الولايات المتحدة الأمريكية التي اعتبرتها وطني».

وقال: «أنا من تايلند، ولكني شاكر لهذه البلاد لأنني أتنفس الهواء منها. وآكل الطعام من أرضها. وربيت أبنائي هنا في هذه البلاد. وزوجتي فون أنجريسا أصبحت مسلمة في هذه البلاد؛ وهي بذلك بلادي، وبالطبع موضع عنايتي. وأنا موقن أن الله قد أرسل لي أو أرسلني إلى الولايات المتحدة كي أثقفهم؛ فخلال 31 عاما، مرت منذ قدومي إلى الولايات المتحدة وإلى هذا اليوم، لم يرتكب أحد أبداً أي جريمة في حضوري، وفي مدرستي، وأكبر جريمة شهدتها هي مضغ العلكة بممرات. لا مخدرات ولا تدخين.. هؤلاء هم أطفال الولايات المتحدة الذين ربيتهم. وأشعر بالأسى حيالك لأنك لم تحصل على فرصة للتمسك بمبادئك، ولم تنل فرصة في نيل مساعدة تبعدك عن الجريمة وتحصنك ضد إغواء الشيطان».

وقال الوالد المكلوم: «بني عزيزي؛ أسامحك بالنيابة عن ابني صلاح الدين وعن أمه على فعلك وتورطك في قتله. وبما أنك هنا اعترفت بقتلك له، أنا الآن بدلاً من أن أتعامل مع شخص كاذب، أعرف الشخص الذي قتله، ولن أنتقم لمقتله».

وواصل: «آه يا بني العزيز، لقد أضلك الشيطان وخدعك لتقترف جريمة بحق ابني وتجاه الإنسانية، وجعلك بذلك قاتلاً. قاتل سوف أصافح يده. وإن سمحوا لي سوف احتضنه وأقبله مئة مرة في اليوم انطلاقاً من مبدئي. ولأمنحه الطمأنينة، ولأتأكد من أنه يوماً ما سيصبح ناجحاً في هذه البلاد مفيداً لها ولهذه المدينة».

وختم: «هذا هو مبدئي لثلاثة عقود عشتها هنا. فالمسامحة هي أعظم هدية نمنحها في الإسلام. يجب علي أن أتماسك وأسامح الشخص الذي دمر عائلتنا».

وهنا اقترب القاتل من الوالد المكلوم، فاحتضنه الأخير طويلاً، في مشهد مؤثر دعا القاضية إلى رفع الجلسة للحظات بعد أن دمعت عيناها هي ومعظم الحاضرين للجلسة.‎

Email