الحقد.. السمّ وبلسم التسامح

ت + ت - الحجم الطبيعي

تمثل الصين واحدة من أعرق الثقافات الشرقية، التي تعلي من قيمة التسامح، وتعتبره واحداً من مظاهر الحكمة الإنسانية، وقيمة عليا، تحدد مستوى رقي المجتمع وعقلانيته؛ ولهذا، فإن التسامح يشغل حيزاً كبيراً في القصص الشعبية الصينية، ومنها الحكاية التالية، وهي تقول:

منذ زمان بعيد، كانت تعيش في الصين فتاة اسمها «لي لي»، تزوَّجت وذهبت إلى بيت حماتها لتعيش مع زوجها في بيت أسرته، حسب عادة البلاد هناك.

ولم يمضِ قليل وقت إلا ووجدت «لي لي» أنها لم تَعُد قادرة على المعيشة مع حماتها على الإطلاق. فإنها وجدت أن شخصيتها لا تتناسب، بل وتختلف كل الاختلاف مع شخصية حماتها؛ وكذلك شخصية حماتها نفس الشيء تختلف معها! فقد كانت «لي لي» تغضب من كثير من عادات حماتها، بالإضافة إلى أن حماتها كانت تنتقد «لي لي» دائماً.

ومرَّت الأيام، وعَبَرَت الأسابيع، و«لي لي» وحماتها لا تكفَّان عن العراك والجدال. ولكن، ما جعل الأمر أسوأ وأسوأ، هو أنه بحسب التقاليد الصينية يجب على الكنَّة (زوجة الابن) أن تخضع لحماتها وتطيعها في كل شيء. وقد تسبَّب كل هذا الغضب والشقاء لزوجها بالحزن والألم الشديد. وأخيراً، وجدت «لي لي» أنها لا يمكنها أن تقف هكذا في مواجهة سوء أخلاق حماتها وتحكُّمها فيما بعد، فقررت أن تفعل أي شيء لتلافي ذلك.

وفي اليوم التالي توجَّهت «لي لي» إلى صديق حميم لوالدها، السيِّد هويانج، تاجر أعشاب طبية في القرية التي تعيش بها. وأخبرته بكل الوضع وسألته إن كان يمكنه أن يعطيها بعض الأعشاب السامة حتى تحل مشكلتها مع حماتها مرة واحدة وإلى الأبد. وفكَّر هويانج مليّاً برهة من الزمن، وأخيراً قال:

- انظري، يا «لي لي»، سوف أساعدك على حل مشكلتك، ولكن عليكِ أن تنصتي لِمَا أقوله لكِ وتطيعيني.

فردَّت عليه «لي لي»:

- حاضر، يا هويانج، سوف أفعل كل ما تقوله لي.

ودخل هويانج إلى الغرفة الداخلية لدكانه، ورجع بعد عدة دقائق حاملاً رزمة من الأعشاب. وقال لـ«لي لي»:

- انظري، أنتِ لا تستطيعين استخدام سمّ سريع المفعول لتتخلَّصي من حماتكِ، لأن ذلك سوف يثير الشك في نفوس أهل القرية. لذلك فقد أعطيتكِ بعض الأعشاب التي تبني السموم في جسمها. وعليكِ يوماً دون يوم أن تُعدِّي لحماتك أكلة لذيذة الطعم وتضعي فيها قليل أعشاب في إناء للطبخ. ولكي تتأكَّدي من أنه لن يشكَّ فيكِ أحد حينما تموت، فلا بد أن تكوني واعية جداً أن تتصرفي معها بطريقة ودية جداً. فلا تتجادلي معها وأطيعيها في كل رغباتها، بل عامليها كأنها ملكة البيت!

وسُرَّت «لي لي» جداً، وشكرت السيد هويانج، وأسرعت إلى البيت لتبدأ خطة القتل لحماتها! ومرت الأسابيع، وتتابعت الشهور، و«لي لي» تُعِدُّ الطعام الخاص الممتاز كل يومين لحماتها، وتعاملها كأنها أُمها.

وبعد مرور ستة أشهر، تغيَّر كل شيء في البيت. فقد بدأت «لي لي» تمارس ضبطها لغضبها من حماتها، حتى إنها وجدت أنها لم تَعُد تتصرَّف معها بحماقة أو بغضب.

وظلَّت «لي لي» لا تدخل في مجادلات مع حماتها لمدة 6 شهور، لأن حماتها بدأت تعاملها بحنوّ أكثر وبتبسُّط أكثر. وهكذا تغيَّر اتجاه الحماة تجاه «لي لي»، وبدأت تحبها كأنها ابنتها! بل صارت تحكي لصديقاتها وأقاربها أنه لا توجد كنَّة أفضل من «لي لي». وبدأت «لي لي» مع حماتها يتعاملان معاً كأُمّ حقيقية مع ابنة حقيقية! أما زوج «لي لي» فعاد سعيداً جداً وهو يرى ما يحدث.

ولكن «لي لي» كانت منزعجة من شيء ما. فتوجَّهت إلى السيد هويانج وقالت له:

- سيدي هويانج، أرجوك أن تساعدني لتجعل السمَّ الذي أعطيته لي لا يقتل حماتي! فقد تغيَّرتْ إلى سيدة طيبة، وصرتُ أحبها كأنها أُمي. أنا لا أُريدها أن تموت بالسمِّ الذي وضعته لها في الطعام.

وابتسم هويانج وأطرق برأسه قليلاً ثم قال لها:

- يا «لي لي» ليس هناك ما يثير انزعاجك! فأنا لم أعطِكِ سمّاً، فالأعشاب التي أعطيتها لكِ كانت فيتامينات لتقوية صحتها. السمُّ الوحيد كان في ذهنكِ أنتِ وفي مشاعرك تجاهها. ولكن كل هذا قد زال بمحبتكِ التي قدَّمتِها لها.

أحياناً، تتحدد علاقتنا بالآخرين بمقتضى طريقتنا في التعامل معهم. وما إن نحسن من طريقة تعاملنا مع الآخرين حتى نجد أنهم تغيروا في علاقتهم بنا. ولكن علينا دائماً أن نكون متسامحين، فالتسامح يمدنا بالصبر، الذي يتيح لنا أن نفكر بروية، ما يمنحنا الفرصة لفهم أي خلل ينغص علينا علاقتنا بالآخرين.

وبالأصل، ليس شرطاً أن يكون سبب علاقتنا المضطربة مع الآخرين هي طبيعتهم هم أنفسهم. بل ربما يكون سببها طريقتنا المغلوطة في التعامل معهم.

 

نقاط

المشاعر الإنسانية مشاعرٌ طبيعيّةٌ وفطريّةٌ أوجدها الله تعالى في الإنسان مُنذ خلقه للتعايش مع أبناءِ جنسهِ بطريقةٍ سليمة، وتنقسم هذه المشاعر إلى مشاعرَ إيجابية وأخرى سلبيةٍ، أما الإيجابية فهي تُشيع المحبة والتسامح بين الناس، أمّا المشاعر السلبية فتؤدي إلى انتشار البغضاء بين الناس.

 

يُعتبر الحقد من أكثر المشاعر التي قد تَقضي على العلاقات الإنسانية بشكلٍ كبيرٍ، وتسبب الضرر للشخص الحاقِد نتيجةَ كثرة الأفكار السلبية التي قد تراوده. وللحقد معانٍ كثيرة منها أنّه الضغن والانطواء على البغضاء، وحفظ العداوة في القلب والتربص لفرصتها؛ حيث إنّ الحقد يقود إلى التسبب بالضرر للشخص المحقود عليه بأيِ وسيلةٍ كانت.

 

يختلف حكم الحقد في الإسلام حسب السبب الباعث له؛ فهو عندما يكون من دون حقٍ فإنّه مذموم شرعاً لأنّه يُورث البغضاء، والكره، والعداوة بين الناس؛ أما حقد المظلوم غير القادرٍ على أخذ حقه لا يُعدّ مذموماً في الشرع، ولكنْ عندما يظفر هذا المظلوم بالظالم فيمكنُ له أنْ يأخذ حقه منه أو العفو وذلك أفضل.

Email