ردود الافعـــال الازديــة على خبــر وفـــاة الرســــول

ت + ت - الحجم الطبيعي

نواصل في صفحة اليوم استعراض الأخبار والروايات التاريخية الواردة عن السنوات الثلاث الأولى من بزوغ فجر الإسلام في حياة الإنسان والمكان ومسيرة الزمان والأجيال منذ العام الثامن الهجري مستمرا إلى قيام الساعة إن شاء الله ، ومازلنا وفق التسلسل التاريخي مواكبين لاستقرار عامل الرسول على عمان الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه .

والذي حدد مهامه في مناسبة لاحقة وموقف سنأتي عليه في هذه الصفحة قائلا وهو يخاطب وفدا من الأزد: (ياهؤلاء انكم قد علمتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بعثني إليكم عاملا وأميرا وداعيا) ، ومواكبين أيضا لمعلم القبائل والمسلمين الجدد في الأرجاء العمانية ومنها الإمارات آنذاك القرآن والسنة والصلاة والتعاون مع حاكمي عمان من أبناء الجلندي على جمع الزكاة والصدقات ومساعدة الفقراء .

وهو الصحابي الجليل أبوزيد الأنصاري رضي الله عنه ، وهكذا مع فعاليات وتعبيرات حرص الرسول (صلى الله عليه وسلم) على انتشار وتثبيت الدعوة في عمان وعلى استقبال الوفود وإرسال البعثات والرسائل المختلفة إلى زعماء قبيلة الأزد وإرسال الكتب المختلفة أيضا إلى شعب عمان وقبائلها. وهم كما عبر عنهم شاعرهم فيما بعد مخاطبا الرسول صلى الله عليه وسلم دون أن يراه فيقول سلمة الأزدي :

( رأيتك ياخير البرية كلها *** نشرت كتابا جاء بالحق معلما )ومن تجربة السنوات التي قضاها (بن العاص) في عمان وبين أهلها الذين استجابوا لدعوة الرسول (ص) عن قناعة تامة ودون تردد واعتنقوا الإسلام ، وقويت نفوسهم به فإن التاريخ يسجل عن هذا الأمير والداعية رضي الله عنه أبياتا شعرية ممتدحا فيها الأزد :

أقول وحولي آل فهر بن مالك

جزى الله عني الأزد خير جزاء

أتيت عمانا والحوادث جمة

وليست بأرض لي ولابسماء

فحي هلا بالأزد أرباب نعمة

واهل حباء صادق ووفاء

تضمني منهم عباد وجيفر

وظالم الداعي لكل علاء

وظالم هو ( أبوصفرة ) والد القائد الإسلامي الشهير المهلب واسمه ظالم بن سراق من شخصيات مدينة (دبا) الذين سيرافقون عمروبن العاص عند مغادرته إلى المدينة المنورة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ويعبر أبوصفرة في عبارته التاريخية عن ردود الفعل وموقف أهل المنطقة وايمانهم الراسخ في حياة الرسول صلى الله عليهم وسلم وبعد وفاته حين يرد على بن العاص بقوله :

« ياعمرو ..إنا نطيعك اليوم بطاعة امس ونطيعك غدا بطاعة اليوم ولاعصينا من أرسلك إلينا والسلام» .. إذن إلى موجز الأخبار والروايات التاريخية كما ترد في المصادر الإسلامية والكتابات المعنية لتكتمل الصورة عن هذه المرحلة من صدر الإسلام في الإطار الجغرافي الذي نحن بصدده بين اقليمي البحرين وعمان.

 

 

 

استمر عمرو بن العاص يدعوالناس إلى الإسلام ونبذ الشرك حتى علم بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد قيل إنه علم ذلك من يهودي من أهل عمان قال له: أرأيت إن سألتك عن شيء أأخشى علي منك قال: لا قال: أنشدك بالله من أرسلك إلينا قال: اللهم رسول الله، قال اليهودي:

اللهم إنك لتعلم أنه رسول الله، قال: اللهم نعم، قال: لإن كان حقا ما تقول لقد مات اليوم (أي رسول الله)، فلما رأى عمرو ذلك جمع أصحابه وحواشيه وكتب ذلك اليوم الذي قال فيه اليهودي ما قال ، ثم خرج بخفراء من الأزد وعبد القيس يأمن بهم فجاءته وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بهجر ووجد ذكر ذلك عند المنذر بن ساوي .

ويعلق الباحث محمد أعمد عبيد: إلا أن الخبر الذي ذكره الواقدي عن رجوع عمرو يخبرنا بعلم عمرو بوفاة النبي صى الله عليه وسلم وهو لم يزل في عمان ، إذ لما أقبل عليه كتاب أبي بكر رضي الله عنه أقبل على أهل عمان فقال: « ياهؤلاء انكم قد علمتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بعثني إليكم عاملا وأميرا وداعيا فقبلتم الأمر وأجبتم إلى الإسلام وكنتم على ما يحبه الله ورسوله غير أنه قد توفى رسول الله ص وقد قام بأمور المسلمين (أبوبكر الصديق ) رضي الله عنه ومن أطاع النبي حيا فيجب ان يطيعه ميتا ، وقد حدثت هذه الردة وأنا أعلم أن أبا بكر سيقاتلهم حتى يردهم إلى دين الإسلام وهذا كتابه إلي يأمرني فيه بالقدوم عليه فما الذي عندكم من الرأي» فوثب (أبو صفرة) واسمه ظالم بن سراق فقال ياعمرو :

«إنا نطيعك اليوم بطاعة أمس ونطيعك غدا بطاعة اليوم ولاعصينا من أرسلك إلينا والسلام « ، قال: ثم وثب إليه عبادة بن الجلندي فقال : «ياعمرو إن الخيار ليس لنا لكن لله عز وجل ولرسوله محمد صلى الله عليه وسلم وقد اختارك وأرسلك إلينا وطاعته ميتا كطاعته حيا لسنا نكره مقامك والأمر إليك والسلام «.

ثم وثب جعفر بن خشيم فقال: « ياعمرو إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلك إلينا فدعوتنا فأجبناك فإن يكن رسول الله صى الله عليه وسلم قد مات فإن الله عز وجل حي لايموت ، فإن أقمت عندنا أطعناك وإن شئت المسير خفرناك والسلام « ، فقال عمرو : «جزاكم الله خيرا لقد تكلمتم وأحسنتم بل أحببت أن تخفروني» فقالوا: « نفعل ذلك» فتجهز عمرو وخرج معه أبو صفرة ظالم بن سراق وجفير بن جعفر وعبادة بن الجلندي في 70 فارسا من أهل عمان فأنشأ عقبة بن نعمان العتكي يقول :

(وفينا لعمرو يوم عمرو كأنه

طريد نفته مذحج والسكاسك

رسول رسول الله أعظم بحقه

علينا ومن لايعرف الحق هالك)

إلى آخر الأبي ات ...

قال ومدحهم عمروبن العاص في قصيدة له حيث يقول :

(أقول وحولي آل فهر بن مالك

جزى الله عني الأزد خير جزاء

أتيت عمانا والحوادث جمة

وليست بأرض لي ولابسماء

فحي هلا بالأزد أرباب نعمة

واهل حباء صادق ووفاء

تضمني منهم عباد وجيفر

وظالم الداعي لكل علاء )

قال : وقد قدم القوم المدينة حتى دخلوا على أبي بكر رضي الله عنه وسلموا عليه ، ثم أخذوا بضبع عمرو بن العاص وقالوا : « ياخليفة رسول الله ويامعشر المسلمين ، هذا أميرنا عمرو بن العاص الذي وجه به رسول الله ص ونحن له شاكرون وهذه أمانة قد كانت في أعناقنا ووديعة كانت عندنا ، وقد تبرأنا منها إليكم والسلام .

« فاثنى أبو بكر رضي الله عنه والمسلمون عليهم ثناء حسنا وجزاهم خيرا). ويشي هذا الخبر بأن خروجهم كان من( دبا ) لوجود أبي صفرة معهم وهو من أهل دبا ، ولكن يمكن القول أيضا بأن الوفد قد انطلق من صحار لأن لقيط بن مالك الأزدي ألجأ جيفرا وعبادا إلى صحار بعد أن ارتد بعمان وعمرو بن العاص يشير إلى أن الردة موجودة وقت خروجهم كما أنه عندما وصل إلى المدينة أخبرهم أن عساكر المرتدين « معسكرة في دبا حيث انتهى إليهم « وشاعر الأزد وقتذاك عقبة بن النعمان العتكي يشجع عمروبن العاص لما خاف نفسه أيام الردة بقوله :

ياعمرو إن كان النبي محمد

أودى به الأمر الذي لايدفع

فلقد أصبنا بالنبي وأنفنا

والراقصات إلى الثنية أجدع

وقلوبنا قرص وماء عيوننا

جار وأعناق البرية خضع

فأقم فغنك لاتخاف وجارنا

ياعمرو ذاك هو الأعز الأمنع

 

وثائق آثارية ومتحفية

ونقرأ في صفحات التاريخ الاسلامي في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن التطورات التي اعقبت وفاة الرسول الله (صلى الله عليه وسلم) في عام 11 للهجرة فبعد مرور أقل من 3 سنوات شهدت هذه المنطقة فتنة عرفت تاريخيا بحروب (الردة) ، وكانت مدينة ( دبا) هي مسرح تلك الاحداث التي اتفق المؤرخون على وقوعها لكنهم اختلفوا في تفاصيلها وأسبابها .

ولنا مع الروايات المختلفة حول موقعة دبا أخبارا وآثارا رحلة تفصيلية في الصفحة القادمة ، ولكن جدير بنا أن نختتم هذه الصفحة بجولة بين مختارات مما توثقه لنا بعض متاحفنا الوطنية بدءا من وثائق متحف العين التي تخبرنا بأن «العصر الهلسنتي» كان قد انتهى في حدود القرنين الثاني أو الثالث بعد الميلاد ولا نزال لا نعرف عن القرون القليلة التي تلت ذلك والتي سبقت ظهور الإسلام إلا الشيء اليسير.

وفي عام 622 ميلادي بزغ فجر الإسلام في الجزيرة العربية وكان أهل الإمارات وعمان من أوائل الأقوام التي اعتنقت هذا الدين طوعاً بعد أهل اليمن. وبالرغم من غياب المواقع الأثرية في عصر صدر الإسلام يحدثنا المؤرخون عن مدينة (دبا) الكائنة شمال إمارة الفجيرة حيث وقعت فيها أكبر المعارك بعد وفاة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وثمة خلفية تاريخية موجزة عن العصر الإسلامي نقرأها في وثائق متحف الشارقة الأثرية تقول:

«إنه عند وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم سنة 622م كانت الجماعة المسلمة (الأمة) تضم كل شعوب الجزيرة العربية ومن ثم حاولت بعض القبائل الارتداد عن الإسلام كالأزد والمتحالفين معهم الذين تجمعوا في( دبا) وهي مدينة هامة منذ عدة قرون بفضل مينائها الطبيعي». ولكن الفرق المرسلة من قبل الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وضعت نهاية للردة. وبعد المعركة المعروفة باسم حروب الردة (حروب الجحور) دمرت دبا وانتصر المسلمون على المرتدين،

وحسب التقليد ما زال عشرة آلاف قتيل يرقدون في مقبرة كبيرة تقع خارج المدينة وتتميز تلك القبور بالشواهد الحجرية المرفوعة فوقها أما في متحف الفجيرة فتثار الأسئلة التالية: أين هي البقايا المعمارية لأولئك السكان؟ وماذا كانت طبيعتها؟ أو مدى انتشارها في المنطقة التي يدل حجم المعارك التي دارت فيها بين أناس كثيرين كانوا يعيشون في هذا الجزء من الساحل؟ إذن الأمل في أن نتعرف على كل ذلك أو على جزء منه على الأقل من خلال الاكتشافات الأثرية المستمرة.

ولنا في صفحة الغد إن شاء الله رحلة مع الروايات المختلفة التي ترصد لتلك الوقائع في دبا.

Email