مذابح الحجر الرملي الثلاثة تجعل من معبد الدور أحد أهم المواقع الأثرية

امتزاج حضارتي الشرق والغرب على ربوع الإمارات

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تعرضنا في الحلقة الأولى من هذه السلسلة الرمضانية الصحفية البحثية من أخبار وآثار التاريخ الإسلامي في الإمارات والمنطقة إلى ملامح من رحلة دعوة التوحيد بين المدينة المنورة إلى أجدادنا الأزديين في اقليمي عمان والبحرين وبينهما الإمارات منذ السنة السادسة للهجرة النبوية، ذلك بعد أن أتاح صلح الحديبية للقيادة الاسلامية في المدينة أن توجه الدعوة إلى قلب الجزيرة العربية وأطرافها.

وأن يتوجه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ملوك العالم لتحقيق وحدة بلاد العرب ثم الانطلاق لتحقيق عالمية الدعوة الاسلامية، وتوقفنا مع وقائع المجلس الرمضاني الإسلامي الذي يتصل حبله بتاريخ بداية الدعوة في القرن الثامن الهجري، وأخبارتشاور الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين بشأننا، ثم نصوص رسائله ومبعوثيه إلى عمان والبحرين واليمامة، وبالإشارة إلى نظرة الرسول صلى الله عليه وسلم للمنطقة الممتدة من البحرين الى داخل عمان نظرة واحدة من حيث الامتداد الجغرافي والموقع الاستراتيجي .

وكذلك من ناحية الحكام والشعب العربي الموجود هناك. كان لابد أن نتساءل ونحاول الإجابة من مراجع التاريخ والجغرافيا والآثار وسجلات التاريخ الاسلامي للوطن عن موقعنا بين اقليمي (البحرين وعمان)؟ آنذاك وعن حال الانسان والحياة والديانات والمعتقدات الضالة التي بدد ظلماتها الجاهلية نور الاسلام ونعمة الدين الحق. وكنا قد توقفنا مع انطلاقة الرحلة والرسالة من المدينة المنورة إلى اقليم عمان يحملها عمرو بن العاص يرافقه أبا زيد الأنصاري بينما توجه أبوالعلاء الحضرمي يرافقه أبوهريرة رضي الله عنهم جميعا إلى اقليم البحرين ..

وبانتظار وصولهم وبزوغ نور الإسلام في قلب المكان والإنسان والزمان، نستكمل في صفحة اليوم ملامح الصورة الجغرافية لموقعنا بين اقليمي عمان والبحرين ونبحث مع المؤرخين ن عن أخبار المكان في فترة ماقبل الإسلام مستعرضين أبرز المكتشفات الاثرية من المواقع واللقى حصيلة جهود السنوات الماضية من التنقيبات لعشرات من الفرق والبعثات اللآثارية المحلية والأجنية الخبيرة العاملة على مستوى الدولة، وسنتوقف أيضا مع بعض تقاريرهم عن الجوانب الجغرافية للمكان من وجهة النظر الآثارية.

كما يخبرنا المؤرخون عن واقع الخليج والجزيرة العربية الإجتماعي والثقافي والاقتصادي حيث يبرز في ذلك التاريخ ( سوق دبا) كواحد من أشهر المراكز الحضرية والتجارية في الجزيرة العربية، وجغرافيا نحاول البحث عن ملامح وإشارات لمناطق ومواقع ومعالم من أرض الإمارات في الخرائط المبكرة، وبهذه الصفحات التمهيدية والتي ستتناول أيضا أخبار السكان والمعتقدات والديانات القديمة فإننا في محاولة للارتحال في ربوع المكان قبل الإسلام.

 

 

في السياق الزمني لما نحن بصدده في رحلة اليوم، فإن الوثائق الأثرية تحدد فترة ما قبل الإسلام فيما بين (300ق.م 600 ميلادي( وهي الفترة التي عاصرت الحضارة الهلينستية، وكان هذا قد تم مع غزوات الإسكندر الأكبر لمنطقة الشرق القديم في أواخر القرن الرابع قبل الميلاد. وبالرغم من أن المنية عاجلت الإسكندر عام (323 ق.م)؛ فقد عجز من بعده خلفاؤه السلوقيون عن بسط نفوذهم على جنوب شبه الجزيرة العربية ومع ذلك ظهرت مواقع استيطانية لهذه الحضارة في دولة الإمارات مثل مليحة والدور ودبا )دبا الحصن).

ولعل مرد ذلك إلى أن خلفاء الإسكندر قد احتفظوا بسيطرتهم على طرق التجارة البحرية المؤدية إلى الهند حتى القرن الثاني قبل الميلاد. وقد ظهر مستوطن رئيسي كبير يعتمد في اقتصادياته على الزراعة والتجارة في موقع مليحة الواقع على بعد 50 كم شرق مدينة الشارقة، ويبدو أن هذا الموقع استمر منذ القرن الثالث ق.م وحتى القرن الثالث الميلادي.

ومن أبرز المواقع مبنى كبير يسمى )الحصن (والذي ربما كان مركزاً إدارياً. ومن المكتشفات ذات الطابع التجاري وجود عدد من جرار الامفورا الإغريقية ومقابضها التي لا تزال تحمل علامة صانعيها، حيث تم التعرف على أنها كانت تصنع في جزيرة رودس في شرق البحر المتوسط في بداية القرن الثاني ق.م مما يشكل أول دليل على ممارسة التجارة بين منطقة الإمارات والحضارات الإغريقية. ومن المكتشفات البارزة في مليحة التي حققها فريق التنقيب المحلي في العام 1994 م، العثور على مقبرة تضم 26 قبراً كان 12 منها مخصصا لدفن الجمال.

وقد عرفت مليحة الكتابة ومن خلال المكتشفات الأثرية تم العثورعلى مجموعة من اللقى الأثرية التي عليها كتابات قديمة من المسند (خطوط عربية جنوبية( منها نقش على كسرة إناء برونزي عثر عليه في إحدى مدافن مليحة، وقد ذكر اسم رجل يدعى امرئ الشمس وجاءت الخطوط على النحو التالي ) م ر ا ش م س (وكذلك كتابات آرامية. وكذلك اسم المعبود ود حيث ذكر بصيغة ) وا د ب( وكتب على النحو التالي ) و ا د ب ( وكذلك على كسرة فخارية أخرى بصيغة (ود ( وكتبت على النحو التالي ) و د أ (وأما موقع الدور الواقع في إمارة أم القيوين على الخط الساحلي.

والذي يعد من المدن التجارية في هذا العصر على مستوى الخليج العربي. ويتكون من حصن مربع وبيوت سكنية وعدد كبير من المدافن، ويعد المعبد المكتشف في الدور من أهم المواقع المكتشفة في دولة الإمارات ووجد خارج المعبد ثلاثة مذابح مبنية من الحجر الرملي وعثر كذلك على حوض حجري عليه تسعة اسطر باللغة الآرامية، وتصعب قراءته إلا انه أمكن تحديد اسم المعبود شمس عليه.

وقد عثر في الدور على مجموعة كبيرة من العملات المحلية التي حملت تقليدا لعملات الإسكندر وقد سكت في كل من مليحة والدور بالإضافة إلى مجموعة من العملات الأجنبية بلغ عددها 33 عملة أمكن تصنيفها على النحو التالي :عملات مملكة شراكس عددها ) 11 عملة( (عملات جنوب شبه الجزيرة العربية عددها ) 2 عملة( (عملات بارثية عددها ) 4 عملات((عملات نبطية فلسطينية وغيرها من عملات البحر المتوسط عددها ) 6 عملات( (عملات رومانية عددها ) 4 عملات( (عملات هندية عددها ) 5 عملات( (عملة ساسانية واحدة). كما كشفت إدارة الآثار في إمارة الشارقة مدفنا ومستوطنة تدل مكتشفاتهما على وجود حضارة تعود إلى نفس الفترة.

فقد عثر على مواد كثيرة ومتنوعة من الفخار المزجج والأواني والقوارير الزجاجية المستوردة ومواد الزينة بالإضافة إلى مشطين من العاج على مستوى عال من الإبداع الفني، عليهما زخارف محززة تمثلان أشكالا آدمية ونباتية وعثر كذلك على أختام وعملات وسبائك زجاجية وجرار تخزين القار وقد أرخت هذه المواد بالقرن الأول قبل الميلاد حتى القرون الأولى الميلادية. ووجدت آثار تعود لنفس الفترة في أماكن متفرقة في الإمارات داخل مدافن أقدم عهدا وذلك عن طريق إعادة استخدامها. أما من حيث حجم هذه المكتشفات فتعتبر مجموعة إمارة الفجيرة الأكبر .

حيث عثر على آثار متنوعة جميلة في مدافن البدية ودبا والبثنة وحصن المضب، وكذلك وجدت في مدافن شمل واعسمه ووادي المنيعي في إمارة رأس الخيمة، وأيضا في خورفكان وكلباء في إمارة الشارقة. بهذا الموجز من إفادات الوثائق الأثرية للوطن في أحدث اصدارات المجلس الوطني للسياحة والآثار في الإمارات نكون قد عرضنا لملامح من الحياة والمواقع والمكتشفات من عصور ماقبل الإسلام، ولاشك أن الاهتمامات الأثرية المكثفة على مستوى الدولة سوف توفر لنا المزيد من أخبارتلك الأعماق التاريخية لفترة ما قبل الإسلام.

 

أسواق تجارية شهيرة

ومن منطلق تلك النظرة الجغرافية والإستراتيجية لوحدة المنطقة كما يقرؤها المؤرخون في واحدة من الرسائل الأولى من رسائل الرسول صلى الله عليه وسلم لملوك وأمراء الخليج والجزيرة العربية آنذاك، وهو الأمر الذي أشرنا له في الصفحة السابقة، وفي هذا الإطار الجغرافي التاريخي العام للموقع الخليجي العربي ومناطقه بين اقليمي البحرين وعمان، يفيدنا المؤرخ عمران بن سالم العويس بالقول:

"إن واقع الخليج الاجتماعي والثقافي هو واقع الحياة في شبه الجزيرة العربية بشرائحها وقطاعاتها المختلفة بحيث يمكن ان نقف على جوانب هذه الحياة في امور كثيرة برزت بشكل أوبآخر في شبه الجزيرة العربية ومنها منطقة الخليج. ولعل أدل ما يستوقفنا على العلاقات الداخلية التجارية من المصالح الاقتصادية قبل الاسلام هو تواجد اسواق تجارية يؤمها سكان شبه الجزيرة العربية من مختلف مناطقها واقاليمها فهناك مثلا سوق(عكاظ) الشهير بالادب والتجارة وسوق(حجر اليمامة) في الرياض وسوق(عدن) في اليمن وسوق(دبا) المشهور انذاك ايضا وغير ذلك من الاسواق المنتشرة في شبه الجزيرة العربية في العهود المنصرمة.

وفيما يخص بعض هذه المناطق فإنها إضافة إلى دورها في إقامة الاسواق المذكورة فإنها كانت على اتصال تجاري مع شبه الجزيرة العرببة من السند والهند والصين وكان ملتقاها جميعا سوق ( دبا) وكان حضورهم مفيدا تمثل في دفعه العشور للحكومة وفي الصفقات التي يبرمونها مع السكان في كل من سوق ( صحار) وسوق ( دبا) وكانت المنطقة على علاقات تجارية مع البلدان الآسيوية الاخرى أيضا. ولم تقتصر هذه العلاقات على الصفقات التجارية فحسب وإنما سرت إلى الجوانب الاجتماعية و الدينية الاخرى.

وحسب الباحث محمد عبيد فإنه يمكن القول إن (دبا ) كانت عاصمة شتوية لجيفر و(صحار)عاصمة صيفية له، أما المؤرخ (ابن حبيب) وفي كتابه (المحبر) فإنه وصف مدينة (دبا) بأنها: "أحد ميناءين عربيين يرتادهما التجار من بلاد السند والهند والصين.

وأيضا أناس من الشرق والغرب". وكانت (دبا) تدفع ضريبة إلى الجلندي بن المستكبر بمناسبة المعرض الذي يعقد سنويا لخمس ليال اعتبارا من اليوم الأول من شهر رجب. ولنا في (دبا) شأن غيرها من المواقع والمناطق التي برزت في صدر الإسلام والمراحل الإسلامية اللاحقة رحلة أخرى في الصفحات القادمة من هذه السلسلة.

Email