الوصية والميراث

ت + ت - الحجم الطبيعي

إنَّ الله تعالى ذكر في سورة النساء حصصَ الورثة ثم قال: (مِنْ بعد وصيةٍ يُوصى بها أو دَيْن) [12]، فالذي نفهمه مِنْها تنفيذ الوصية أولاً وتسديد الدَّيْن ثانياً والتوزيع على الورثة ثالثاً. فكيف قال العلماءُ إنَّ تسديد الدَّيْن مُقدَّمٌ على الجميع؟

أمّا السؤال فوارد، وقد بحثَ فيه العلماء.

وأمّا الترتيب الذي ذكره السائلُ فغير صحيح، ولا يُفهم من الآية الكريمة، إذ ليس فيها إلا ترتيب واحد وهو تأخير الإرث عن الوصية والدَّيْن معاً. أي أنَّ توزيع التركة على الورثة لا يجوز إلا بعد الانتهاء مِنْ أمرين: تنفيذ الوصية إنْ كان الميت قد أوصى بشيء، وتسديد الدَّيْن إنْ كان الميت مديوناً.

الحق أنَّ هذا الجواب وحده يؤدّي بنا إلى نتيجةٍ وهي جواز تنفيذ الوصية قبل تسديد الدَّيْن، وجواز العكس. وهذا ما تفيدُه كلمة (أو). ولكن المطلوب إثباته هو وجوب تسديد الدَّيْن أولاً.

للتدليل على ذلك نقول: أجمع علماءُ المسلمين سلفاً وخلفاً على تقديم تسديد الدَّيْن؛ لأنَّه حق ثابت ومطلوبٌ تسديده مِنْ مال المدين حياً كان المدين أم ميتاً، وطوعاً أم كرهاً. فإذا مات شخصٌ وتركَ مالاً وعليه دَيْنٌ يستغرقُ جميع ماله وجب دفعُه إلى الدائن. ولو نفذنا الوصية قبله، أو وزعنا على الورثة لأدّى ذلك إلى حرمان صاحب الحق مِنْ حقه، وهذا مخالفٌ لما أمر الله به.

وقد استدل بعضُ المفسّرين على تقديم الدَّيْن بما روى الترمذي أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قضى بالدَّيْن قبل الوصية.

وقال صاحبُ «نيل الأوطار» عن الحديث المذكور: إنه وإن كان إسنادُه ضعيفاً، لكنه معتضد بالاتفاق الذي سلف اهـ 6/‏‏168 يقصد اتفاقَ العلماء على تقديم تسديد الدَّيْن.

أمّا سببُ ذكر الوصية قبل الدَّيْن في الآية فالظاهر أنَّ الدَّيْن لما كان مفروغاً مِنْه مِن حيث وجوب تسديده، وأنَّ الوصية نوعٌ من التبرع، فلئلا يتساهل الورثةُ في تنفيذها قدَّمها الله سبحانه على الدَّيْن، وعطف الدَّيْن عليها بأو ليدلَّ -والله أعلم- على أنَّها واجبةُ التنفيذ كالدَّيْن.

من كتاب «رسالة في التفسير» للمؤلف الأستاذ الشيخ عبد الكريم الدبان التكريتي

 

إدارة البحوث- دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي

Email