وهزي إليك بجذع النخلة

ت + ت - الحجم الطبيعي

 معنى الجذع في هذه الآية »وهزي إليك بجذع النخلة« الجذع هو ساق النخلة، وهو الشجر المعروف، وكان ميتاً بلا رأس يابساً في أيام الشتاء، حيث لا يثمر، وجمعه جذوع، قال تعالى »ولأصلبنّكم في جذوع النخل«. ومعنى كلمة الهز في الآية »وهزي إليك بجذع النخلة« أي حركي ذلك الجذع، الإعجاز القرآني بقوله تعالى »وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنيا، فكلي واشربي وقَري عيناً«.

هز الجذع

هكذا أمرها ربها بهز الجذع، وأمرها بالأكل والشرب، وأن تفرح وأن تقر عينها فهذه يتجلى فيها السر الإلهي والإعجاز القرآني، حيث أثبتت دراسات علمية أن الحزن يضرّ بالجنين، فنهيت الحامل ومن وضعت حديثاً عن الحزن، ونصح الباحثون أن تتمتع الحامل بحالة نفسية جيدة، وتبتعد عن أي مظهر من مظاهر الحزن والاكتئاب وحيث تسبب الضغوط النفسية أثناء فترة الحمل للمولود خطر الإصابة بالرّبو، أو التشوّهات أو تؤثّر في مستوى ذكائه.

والحركة والرياضة الخفيفة تفيد المرأة التي جاءها المخاض، فأمرها أن تهز جذع النخلة لأنها تحسّن صحة الجنين، وتساعد على نمو جهازه العصبي، وأن أفضل غذاء للحامل هو التمر لاحتوائه على عناصر غذائية ضرورية فأمرها بأكل هذه الثمرة، وأنّ التمر بما فيه من عناصر غذائية غذاء مثالي للأم، ويساعد على تقلص عضلات الرحم، ما يسهل عملية الولادة..

ويفيد الأمعاء لسهولة امتصاصه، ومفيد للجنين لما يحتويه من الفيتامينات والمعادن الضرورية لنموّ الطفل، من الحديد وفيه مجموعة من فيتامين (B) وهذه العناصر الغذائية نسبتها في التمر أكثر نسبة من الفواكه الأخرى بخمس أضعاف.

لمسات بيانية

هناك لمسات بيانية من هذه الآيات، ابتداءً من كلمة »تساقط«، إذ جاءت اللفظة تساقط بدل تسقط لأن تساقط تفيد تتابع السقوط، وتسقط مرة واحدة، فربنا أراد أن يفهمها أن الثمر لا ينقطع بل يبقى مستمراً. أما »فكلي واشربي«، نلاحظ أن القرآن حينما يذكر الأكل والشرب يقدم الأكل على الشرب حتى في نعيم الجنة »كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية«، والسبب أن الحصول على الأكل أصعب من الحصول على الشرب.

وذكر الله في السياق القرآني »أتت به قومها«، وهنا استعمل القرآن كلمة أتت بدل جاءت »فأتت به قومها«، لأن التعبير بجاء، يعبر فيه عن المجيء إذا كان فيه صعوبة، وأن التعبير بأتي، إذا كان في القدوم يسر، ومجيء مريم اليهم سهل في نفسها لأنها واثقة بأن الله هو الذي يدافع عنها، فلم يكن في نفسها ثقل في مجيئها إليهم..

فلذلك جاءت كلمة »أتت«، أما قومها حينما رأوا طفلها بيديها، عبروا بقدومها إليهم بلفظة تدلل على صعوبة المجيء »لقد جئتِ شيئاً فَرياً« إذاً، المجيء صعب في نظرهم، فلا ترادف في دلالة ألفاظ القرآن على المعاني، بل كل لفظة لها دلالة تخصها.

سؤال ملح

وهنا سؤال ملح، فحواه لماذا أمرت السيدة مريم بهز الجذع اليابس الذي لا حياة فيه ولا سعف. فمريم العذراء كانت امرأة متبتلة عابدة منقطعة عن البشر، فجاءها الملك فبشرها بغلام فتعجبت من أين يأتي هذا الغلام ولم يمسها بشر وهي الطاهرة العفيفة، سؤال في منتهى التعجب!

أراد الله تعالى أن يأتيها الجواب مشاهداً أمام عينها، لتأنس ولتطمئن بما تراه من لطف الله بها وأن الله لن يتخلى عنها، فجاءها المخاض إلى جذع نخلة رأسه يابس نخر وفي أيام الشتاء، حيث لا يثمر النخيل، جاءها الأمر بأن تهز جذع النخلة حتى يتساقط إليها الرطب من هذا الجذع اليابس ومعلوم أن النخلة لا تثمر في الشتاء وأن النخلة الوحيدة من بين الأشجار لا تثمر إلا بوساطة التلقيح »التأبير« وهو أخذ الطلع من الشجرة الذكر ووضعه في طلع الشجرة الأنثي.

فلمّا تعجبت مريم وطرحت السؤال »أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر ولم أكُ بغيا«، فجاءها الجواب »قال ربك هو عليّ هيّن« فأراها مشهداً تبصره بأم عينها يثبت لها الجواب، وهو أن الله عندما يقول للشيء كن فيكون، فما إن هزّت مريم جذع النخلة اليابس الميّت حتى أثمرت الرطب في الحال من دون تلقيح، فتساقط رطب مذاقه طيب..

وكأن المولى يقول لها يا مريم من جعل النخلة تعود إليها حياتها وتثمر من دون تلقيح، هو الذي جعلكِ تحملين دون أن يمسسك بشر، فلما رأت ذلك علمت أن الله تعالى معها، فقابلت قومها بقوة واطمئنان حينما سألوها فأشارت إلى الطفل ليتولى الإجابة عن سؤالهم، فتكلم ذلك الوليد في أول أيامه بأنه عبد الله تعالى، آتاه الكتاب وأوصاه بالبرّ بأمه، والقوم يسمعون كلامه بوضوح.

Email