.. ولحم الخنزير

ت + ت - الحجم الطبيعي

كثيراً ما يُفكّر الإنسان تفكيراً غير سوي، أو يتدرب تدبيراً غير مرضيّ، فيؤثر هذا التفكير الخاطئ والتدبر القاصر على عقيدته وتصرفاته، وساعتها تكون الطامة الكبرى، وذلك حينما يختلي الإنسان بنفسه، فيطلق لعقله القاصر وتفكيره المحدود عنان ما يسميه (التدبر في مخلوقات الله) – على حد زعمه – فيجول بفكره الضعيف في عجيب ما خلق الله تعالى من حيوان، وطائر، وإنس، وجن، وهو يحاول أن يقنع نفسه الأمارة بالسوء أن ما يفعله إنما هو من صميم العبادة، ويزداد الأمر صعوبة، وتعقيداً، عندما يتمكن منه شيطانه، فيوعز إليه ذلك أن بموجب العقل الذي فضله الله به على سائر المخلوقات.

أفلا يتدبرون!

وانطلاقاً من قوله تعالى «أفلا يتدبرون»، فقد أصبح من حقه أن يسأل ربه تعالى – حاشاه – عن سبب خلقه لما لا نرى له فائدة ظاهرة، أو لا ندرك له حكمة واضحة، ونسي هذا المسكين قول الله تعالى في كتابه العزيز: «لا يسأل عما يفعل» وقوله تعالى «ويخلق ما لا تعلمون» وقوله تعالى «هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه»، وقوله تعالى «فتبارك الله أحسن الخالقين»، ثم يزداد تحيراً وتعجباً، وتخبطاً، إذا رأى مخلوقاً من ذوات الأربع أعطاه الله تعالى بسطة في الجسم، ووفرة في اللحم.

، ومن ذلك كله يحرم علينا أكل لحمه، ويحظر علينا الانتفاع بشحمه، ويسجل هذا التحريم في كتابه العزيز سبحانه وتعالى، ليكون يوم العرض على رب العالمين حجة على من خالف وعصى، فأكل ما حرم الله عز وجل عليه، وفعل ما نهى الله تعالى عنه، ورغم هذا التحريم القاطع، والحظر الشامل، فإن بعض من غلبت عليه شقوته وأضله الله على علم طوعت له نفسه الدنيئة معصية الله، وتحكمت فيه شهوته الخسيسة، فأكل ما حرمه الله عليه.

أضرار لا حصر لها

وهذا العاصي إن لم يتب إلى الله من ذنبه، ويستغفره من إثمه فسيرى الآيات القرآنية الحكيمة، والأحاديث النبوية الشريفة، تلاحقه أينما كان وهو في موقف الذل والخذلان وينادي هو ومن على شاكلته: «ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين».

إنهم أولئك الذين هداهم تفكيرهم السقيم، واستحوذ عليهم شيطانهم الرجيم، فأكلوا لحم الخنزير، مستطيبين ما حرم الله عليهم، مستبيحين ما نهت عنه شريعة الإسلام، فضلاً عن شريعة أهل الكتاب، ولو علم هؤلاء العصاة أن ربهم بهم رؤوف رحيم، لأدركوا أن علة التحريم تكمن فيما يترتب على أكل لحم الخنزير من أضرار صحية، وأخلاقية، واجتماعية، واقتصادية، ونفسية، وسلوكية، وغير ذلك مما يتنافى مع شريعة الإسلام ويأباه شرع الله القويم.

من هنا جاءت النصوص الصريحة على تحريم لحم الخنزير بما لا يحتمل تأويلاً آخر غير الذي دل عليه النص القطعي، فقال سبحانه وتعالى في سورة البقرة في الآية 173 «إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير».

وقال تعالى في الآية 145 من سورة الأنعام «قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس». وقال تعالى في الآية 115 من سورة النحل «إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير».

التوراة والإنجيل

وكما حرمت شريعة الإسلام التعامل مع الخنزير أكلاً وبيعاً وشراءً ولمساً واقتناء، فقد حرمته أيضاً شريعة أهل الكتاب من اليهود والنصارى، حيث جاء في الكتاب المقدس «إلا هذه فلا تأكلوها.. والخنزير لأنه يشق ظلفاً ويقسمه ظلفين لكنه لا يجتر فهو نجس لكم من لحمها لا تأكلوا وجثتها لا تلمسوا إنها نجسة لكم» (لاويين 1: 11 -8).

وجاء في إنجيل متى «لا تعطوا القدس للكلاب، ولا تطرحوا درركم قدام الخنازير، لئلا تدوسها بأرجلها، وتلتفت فتمزقكم» (متى 7. 6)، وجاء في سفر التثنية «لا تأكل رجساً ما. هذه في البهائم التي تأكلونها.. والخنزير لأنه يشق الظلف لكنه لا يتجر فهو نجس لكم.. فمن لحمها لا تأكلوا وجثتها لا تلمسوا» (تثنيه 14: 3 -8). وهذه النصوص واردة في العهد القديم إذن فلماذا حرمت الشرائع السماوية أكل الخنزير؟

هناك أسباب جوهرية كثيرة ذكرها العلماء لتحريم لحم الخنزير على بني الإنسان منها على سبيل المثال: أن الحيوان المأكول لحمه تنعكس صفاته، وطباعه، وأخلاقه، وسلوكياته، على الأكل، ويؤكد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «والفخر والخيلاء في أصحاب الإبيل، والسكينة والوقار في أهل الغنم» مسند الإمام أحمد 3/42، ويقول الفخر الرازي في كتابه زاد المسير:

«الغذاء يصير جزءاً من جوهر المتغذي فلا بد أن يحصل له أخلاق وصفات من جنس ما كان حاصلاً في الغذاء، والخنزير مطبوع على حرص عظيم، ورغبة شديدة في المشتهيات، فحرم أكله لئلا يتكيف بتلك الكيفية»، وهذا يدل على تحريم الخنزير على سيدنا موسى وقومه، وعلى سيدنا عيسى وقومه.

أمراض خطيرة

وآكل لحم الخنزير يتعرض لمجموعة من الأمراض الخطيرة بسبب الفيروسات التي توجد في لحم الخنزير حتى تقضي على حياته، إضافة إلى كل ما سبق ما قاله الإمام السيوطي – رحمه الله تعالى – عن حكم الشرع في من أكل لحم الخنزير فيقول:

«أخرج عبد الرزاق في المصنف عن قتادة أنه قال: إذا أكل لحم الخنزير عرضت عليه التوبة فإن تاب وإلا قتل»، ومعنى هذا أن أكل لحم الخنزير جريمة عقوبتها القتل كما يرى بعض علماء الأمة، ولم تشدد الشريعة الغراء العقوبة على من أكل لحم الخنزير إلا لما في ذلك من الأضرار الخطيرة التي تعود على من أكل من هذا اللحم الخبيث، وهذا التحريم والنهي عن لحم الخنزير قد يطرح في أذهان بعض الناس سؤالاً وهو ما هي الحكمة من خلق الخنازير مع ما فيها من أضرار؟

فالجواب بكل بساطة إن الله تعالى لا يسأل عما يفعل، وليس كل حيوان خلق ليؤكل لحمه، فهناك الحمير والقطط والفئران وكلها غير مأكولة اللحم، فالخنازير تلتهم في كل يوم أطناناً من القمامة والقاذورات والأوساخ التي لو بقيت لملأت المنطقة كلها بالأوبئة والأمراض والجراثيم التي يعجز المسؤولون عن التخلص منها بما لا يترك أثراً سيئاً على البيئة، فسبحان من أخفى النعمة فيما يراه الخلق نقمة، وجل من لا يسأل عما يفعل.

Email