القلم.. أقسم به الخالق

ت + ت - الحجم الطبيعي

 القلم أداة العلم والمعرفة، به تملأ أوعية العقول، وتحفظ كنوز الأمم، ذكره الله في كتابه العزيز ذكراً مميزاً فأقسم سبحانه به في قوله: ((ن، والقلم وما يسطرون)) القلم: 1-2.

القسم يدل على عظمة المقسَم به، كالقسم بالسماء والنجوم والأرض والشمس، والقلم. ولا جرم أن الأشياء التي أقسم بها سبحانه لها عظمتها وشأنها، فهل القلم في الأهمية والعظمة كالشمس والقمر والسماء والأرض؟

القلم جعله الله وسيلة للعلم، فقال: ((علَّم بالقلم))، به وصلتنا علوم الأولين، وحفظ لنا سلفنا التاريخ وعرفنا سير السابقين، واعتبرنا بما كان من حوادث الزمان، ولولاه لدخلت علومهم وأخبارهم في غياهب النسيان.

- عن أبي هريرة، قال: كان رجل من الأنصار يجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيسمع من النبي صلى الله عليه وسلم الحديث فيعجبه ولا يحفظه، فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »استعن بيمينك« وأومأ بيده للخط. الترمذي: 2666

وقبل هذه الآيات جاء قوله سبحانه: ((اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم)) العلق: 1-5، فأول كلمة تنزلت على الرسول الكريم هي الأمر بالقراءة، ثم الإشادة بالقلم، وسيلة نقل العلوم.

القلم عظيم بعظمة ما يتعلق به من العلم، فبه كتب القرآن الكريم الذي هو أشرف الكتب وبه سطّر العلماء كتب التفسير والتاريخ والعلوم الإسلامية والإنسانية التي استفاد منها العالم ليتخذ منها مناراً يهتدي به لعمارة الأرض وبناء مجدها.

الله تعالى أقسم بالقلم وأقسم بما يسطرون، قال علماء التفسير: المراد بما يسطرون أي ما يكتب بالقلم، وهذا من أروع ما يدعو الإنسان للفخر بهذا الدين العظيم، الذي كرّم العلم حتى أقسم الله سبحانه بما يُكتب من العلوم التي تنهض بها الأمم وتستخرج ما فيه عزها وكيانها.

والعجب أنّ القرآن الكريم نزل وسط مجتمع ساده التخلّف والجهل والأُميّة، وكان من يجيد القراءة والكتابة في العصر الجاهلي لا يتجاوز عدد الأصابع، ومع ذلك يعود القرآن ليؤكد بالقسم على مكانة القلم والكتابة في الحضارة الإسلامية، وأنها بالقلم احتلّت مكانتها بين الحضارات.

وقد ذكر الله تعالى القلم باللفظ في القرآن الكريم - إفراداً وجمعاً في أربعة مواضع، الموضعين المذكورين آنفاً في سورتي القلم والعلق. وإضافة إليهما:

- قوله تعالى: ((ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم)) آل عمران: 44

المقصود بالأقلام هنا القداح التي يقترعون بها، وقيل: هي الأقلام التي كانوا يكتبون بها التوراة، اختاروها للقرعة تبركاً بها.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن مادة (ق ل م) في اللغة »أصل صحيح يدلُّ على تسويةِ شيء عند بَرْيه وإصلاحه. من ذلك: قَلَمْتُ الظُّفُر وقلَّمْته.

ويقال للضَّعيف: هو مَقلُوم الأظفار.

والقُلاَمَة: ما يسقُط من الظُّفُر إذا قُلِم.

ومن هذا الباب سمِّي القلمُ قَلماً، قالوا: سمِّي به لأنَّه يُقْلَم منه كما يُقْلمُ من الظُّفر، ويمكن أن يكون القِدحُ سُمِّي قلماً لما ذكرناه من تسويته وبَرْيه. قال الله تعالى: ((ومَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلاَمَهُمْ)) [آل عمران 44]« ا.هـ مقاييس اللغة.

- قوله تعالى: ((ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله)) لقمان: 27

قال الزمخشري: »المعنى: ولو أنّ أشجار الأرض أقلام، والبحر ممدود بسبعة أبحر. وكتبت بتلك الأقلام وبذلك المداد كلمات الله، لما نفدت كلماته ونفدت الأقلام والمداد«.

ثم ها هو القلم اليوم يحلق إلى حيث لم يكن من قبل فتنطلق منه العبارات رصاصاً يصل إلى أقاصي الدنيا في لحظة واحدة ليقرأه الملايين، فقلم اليوم هو لوحة المفاتيح في الحاسوب، وعلى كل كاتب أن يتقي الله سبحانه في كل ما يكتبه فهو إما له أو عليه، والقلم نعمة عظيمة، استخدمه أسلافنا فحفظوا لنا ما لا يحصيه عادّ من العلوم والمعارف، وعلينا أن نحافظ عليه ونستخدمه لرفعة أمتنا وخدمة ديننا وأبنائنا حتى يكون هذا القلم سلاحاً ندافع به عن كياننا ونرتقي به إلى ذرى المجد الذي ورثناه عن أسلافنا.

Email