علم في رأسه نار

ت + ت - الحجم الطبيعي

 

هذا المثل يضرب لمن كان شهيراً بارزاً لا تخطئه العين، وقد كانت الشاعرة العربية تماضر الخنساء بنت عمرو بن الشريد قد أوردته في إحدى قصائدها التي رثت فيها أخاها صخر، حيث قالت: وإن صخراً لتأتم الهداة به.. كأنه علم في رأسه نار. والعلم المقصود ههنا هو الجبل الأشم.

وقصة الخنساء مع رثاء أخيها صخر بدأت حينما انهار تصبرها على شقيق لها سبق صخراً ويدعى معاوية كان قد رحل مقتولاً قبل أخيها الآخر صخر بسنوات قليلة قبل الإسلام، فما قدرت الشاعرة على تمالك نفسها المرهفة حيث مات عزها ومؤنسها وملجؤها وحاميها، ولذا وجدت به أعظم الوجد، وولهت أشد الوله، وأقامت على قبره زماناً تبكيه.

وفي يوم طلب الناس من الخنساء أن تصف أخويها معاوية وصخراً، فأجابتهم: بأن صخراً حَر الشتاء، ومعاوية برد الهواء. قيل: أيهما أوجع وأفجع؟ فقالت: أما صخر فجمر الكبد، وأما معاوية فسقام الجسد.

ولذا قيل: كان موت صخر بن عمرو بن الشريد تاريخ ميلاد شاعرة كشف للعرب عن شاعرة بني سليم تماضر، نظراً لكثرة ما قالت فيه. والواقع انه كان تنفسيا لذلك الحزن المكبوت، ولذا كانت تسوم هودجها في الموسم، وتعاظم العرب بمصيبتها بموت أبيها وأخويها، وتقول: أنا اعظم العرب مصيبة، فيقر لها الناس في ذلك وليس هذا جديداً، فقد سبقوا أن اقروا لأبيها حين فاخر بابنيه، ثم لما كانت وقعة بدر، وقتل عتبة وشيبة أبناء ربيعة، والوليد بن عتبة، اقبلت هند بنت عتبة ترثيهم، وبلغها ورود الخنساء في الموسم، ومعاظمتها العرب بمصيبتها بأبيها وأخويها، فقالت هند: بل أنا اعظم العرب مصيبة، فأمرت بهودجها فسوم براية أيضا، وشهدت الموسم بعكاظ، وكانت عكاظ سوقاً تتجمع فيه العرب.

هكذا لا ترى الخنساء الأخت إلا هائمة على وجهها، تبكي وتنوح، ولا يعترض طريقها أحد. فلم يكن بد من أن يعلن في الملأ صدق حزنها، واليأس من تغيير حالها، إلى أن تترك لدمعها تناجيه ويناجيها وفي ذلك السلوى لها والراحة، حتى بعد أن اعتنقت الإسلام، فقال عمر الفاروق رضي الله عنه: دعوها، فإنها لا تزال حزينة أبداً.

ولعل من اجمل ما قالته الخنساء في أخيها هو هذا القول الذهبي:

وَإِنَّ صَخراً لَوالِينا وَسَيِّدُنا

وَإِنَّ صَخراً إِذا نَشتو لَنَحّارُ

وَإِنَّ صَخراً لَمِقدامٌ إِذا رَكِبوا

وَإِنَّ صَخراً إِذا جاعوا لَعَقّارُ

وَإِنَّ صَخراً لَتَأتَمَّ الهُداةُ بِهِ

كَأَنَّهُ عَلَمٌ في رَأسِهِ نارُ

Email