أبصرُ من زرقاء اليمامة

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثقافة بمعناها الواسع، تشمل كل تجليات التعبير المشترك كالحِكَم والأمثال الشعبية وكل الموروثات. إنها وليدة تفاعل الناس ومتطلبات حياتهم، ليتم تناقل المنجز جيلاً بعد جيل ضمن منظومة الهوية. هنا نتلمس عروق الذهب الذي بلورته التجارب حتى انتهى إلينا عبر اللغة بما يلخص قصة عناق طويل مع الحياة.

عيون زرقاء اليمامة مضرب الأمثال بين العرب، لما عرفت به تلك الفتاة من حدة بصر، فهي ترى لمسافات بعيدة، فأضحى كل من يبصر ما لا يراه الآخرون يقاس عليها فيقولون عنه: أبصر من زرقاء اليمامة. فمن هي هذه الفتاة الزرقاء ذات العيون؟:

زرقاء اليمامة، هي امرأة نجدية من جديس، سكنت بلدة «جو» النجدية قبل أن يصبح اسم البلدة اليمامة فيما بعد، نسبة إليها، ويقال إنها كانت ترى الشخص على مسيرة ثلاثة أيام بلياليها.

وقد قال أبو الطيب المتنبي مفاخراً بنفسه:

وأَبصر من زرقاء جو، لأنني

إذا نظرت عيناي ساواهما علمي

وجاء في كتاب «العقد الفريد» الذي ألفه ابن عبد ربه الأندلسي:

«زَرقاء بني نُمير: امرأة كانت باليمامة تُبصر الشَعَرةَ البيضاء» في اللبن، وتَنْظُر الراكب على مسيرة ثلاثة أيام، وكانت تُنذر قومها الجُيوش إِذا غَزَتهم، فلا يَأتيهم جَيْشٌ إلا وقد استعدُّوا له، حتى احتال لها بعضُ مَن غزاهم، فأمر أصحابَه فقطعوا شجراً وأمْسكوه أمامهم بأيديهم، ونظرت الزَرقاء، فقالت: إنِّي أرى الشجر قد أقبل إليكم؛ قالوا لها: قد خَرِفْت ورَقّ عقلُك وذَهَب بصرُك، فكذَّبوها، وَصبِّحتهم الخيلُ، وأغارت عليهم، وقُتلت الزَّرقاء. قال: فَقوَّرُوا عَينيها فوجدوا عُروق عينيها قد غرِقت في الإثمد من كثرة ما كانت تَكْتحل به«.

ومن كتاب آثار البلاد وأخبار العباد»زرقاء اليمامة، كانت ترى الشخص من مسيرة ثلاثة أيام، ولما سار حسان نحو جديس قال له رياح بن مرة: أيها الملك إن لي أختاً مزوجة في جديس واسمها الزرقاء، وأنها زرقاء ترى الشخص من مسيرة يوم وليلة، أخاف أن ترانا فتنذر القوم بنا. فمر أصحابك ليقطعوا أغصان الأشجار وتستروا بها لتشبّهوا على اليمامة. وساروا بالليل فقال الملك: وفي الليل أيضاً؟ فقال: نعم! إن بصرها بالليل أنفذ! فأمر الملك أصحابه أن يفعلوا ذلك، فلما دنوا من اليمامة ليلاً نظرت الزرقاء وقالت: يا آل جديس سارت إليكم الشجراء وجاءتكم أوائل خيل حِمْيَر. فكذبوها فأنشدت تقول:

خذوا خذوا حذركم يا قوم ينفعكم

فليس ما قد أرى مل أمر يحتقر

إني أرى شــــــــــــــــــــــــــــــــجراً من خلفهــــــــــــــــا بشـــــــــــــــــرٌ

لأمــــــــرٍ اجتمــــــــــــــــع الأقــــــــوام والشّـــــــــــــــــجـر

فلما دهمهم حسان قال لها: ماذا رأيت؟ قالت: الشجر خلفها بشر! فأمر بقلع عينيها وصلبها على باب جو، وكانت المدينة قبل هذا تسمى جواً، فسماها تبع اليمامة وقال:

وسمّيت جوّاً باليمـامة بـعـدمـا

تركت عيوناً بالـيمـامة هـمّـلا

Email