عادت حليمة لعادتها القديمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثقافة بمعناها الواسع، تشمل كل تجليات التعبير المشترك كالحِكَم والأمثال الشعبية وكل الموروثات. إنها وليدة تفاعل الناس ومتطلبات حياتهم، ليتم تناقل المنجز جيلاً بعد جيل ضمن منظومة الهوية. هنا نتلمس عروق الذهب الذي بلورته التجارب حتى انتهى إلينا عبر اللغة بما يلخص قصة عناق طويل مع الحياة.

هذا المثل من أكثر الأمثال الشعبية شيوعاً، بل أكثرها تبايناً في روايات ومزاعم قصة المثل الذي يبدو أنه يمثل قصة أسطورة.

الرواية الأولى تقول إن حليمة هي زوجة حاتم الطائي الذي اشتهر بالكرم، بينما هي اشتهرت بالبخل. فكانت إذا أرادت أن تضيف سمناً إلى الطبخ قللت منه أشد الإقلال. فأراد حاتم أن يعلمها الكرم فقال لها: إن الأقدمين كانوا يقولون إن المرأة كلما وضعت ملعقة من السمن في قدر الطعام زاد الله عمرها يوماً. فأخذت حليمة تزيد ملاعق السمن في الطبخ حتى صار طعامها طيباً فتعودت يدها على السخاء.

ولكن شاء الله أن تفجع في ابنها الوحيد الذي كانت تحبه، فجزعت حتى تمنت الموت. وأخذت لذلك تقلل من وضع السمن في الطبخ حتى ينقص عمرها وتموت. فقال الناس: عادت حليمة إلى عادتها القديمة.

أما الرواية الثانية فتقول.. كانت الصغيرة حليمة؛ طفلة لم تبلغ الحلم، وكبعض الصغار، كانت (تبلل) الفراش كل ليلة، إلا أنها ما لبثت أن شبّت عن الطوق، مما جعل الأهل يظنون أنها تركت عادتها القديمة، وصارت من أجمل الفتيات اللائي يتمناهن الأمير والفقير، ولكن حليمة أحبت شاباً وسيماً معوزاً، وعملاً بالقاعدة المعروفة في مجتمعها، أسرّت ذات يوم لأمها أن قد: (نضج البلح يا أمي)، فكان لها ما أرادت. ولما حضر موكب الزفاف، لم تخرج حليمة من حجرتها. طلبها العريس وأهله، فلاذوا بأمها يسألون، عسى ألا تكون قد غيرت رأيها بابنهم الوسيم، إلا أن الأم همست لهم وهي تتلفت يمنة ويسرة قائلة: يا ناس لا تفضحونا.. (عادت حليمة لعادتها القديمة)!

القصة الثالثة للمثل نفسه خليجية، وتذهب إلى أنه في سابق الزمان، كانت هناك امرأة اسمها حليمة، تقوم كل يوم في الصباح، وتسرح بالغنم في الجبل.. وكانت كل ما وصلت قمة الجبل، صاحت بأعلى صوتها كأنها مجنونة، وتشتد في الصياح حتى يسمعها من في الوادي، كانت تعمد إلى هذه الطريقة كل صباح يومياً لمدة شهرين، وكان الناس يسمعونها ويدعون لها، وهم يظنون أنها مجنونة، وبعد هذين الشهرين، تعبت حليمة من كثرة الصياح، ووقفت لمدة يومين، هنا فرح الناس وارتاحوا من صياحها، ولما جاء اليوم الثالث، صعدت حليمة الجبل من جديد فجاءها ذئب يريد الغنم فصاحت حليمة تطلب النجدة، فسمعها من كانوا في الوادي وقالوا: (ردت حليمة لعادتها الجديمة).

وعموماً، فإن المثل يضرب لمن يتخلص من عادة سيئة، وتحسن صورته وسمعته بين الناس، ثم فجأة ينتكس ويعود إلى سوء عمله.

Email