إيليا يهجو تينة أبت السخاء

ت + ت - الحجم الطبيعي

إيليا أبوماضي، شاعر لبناني، ولد عام 1889 وتوفي في 1957م، يعد من أبرز الشعراء العرب المجددين خلال النصف الأول من القرن العشرين، بل هو من مؤسسي مدرسة «شعراء المهجر المعاصرين» بعد هجرته إلى أميركا في بدايات القرن الماضي.

ومن أجمل شعر الحكمة الداعي إلى الخير والبذل والعطاء بمفهومه الواسع، قصيدة ذائعة الصيت عنوانها «التينة الحمقاء»، تجسد نموذجاً للشعر الرمزي، حيث تمثل التينة الإنسان الشحيح الأناني الذي يقصر خيره على نفسه ويأبى به على الناس، فلا يعطي الحياة شيئاً مما أعطته إياه، ولذلك يمثله الشاعر هنا بشجرة تين أبت أن تعطي ظلاً أو ثمراً للناس والطيور، فكان مصيرها من السوء بمكان يقول:

وتينةٍ غضةِ الأفنان باسقةٍ

قالت لأترابها والصيف يحتضرُ

بئس القضاء الذي في الأرض أوجدني

عندي الجمالُ وغيري عنده النظرُ

لأحبسنّ على نفسي عوارفها

فلا يبين لها في غيرها أثرُ

كم ذا أكلف نفسي فوق طاقتها

وليس لي بل لغيري الفيء والثمرُ

لذي الجناح وذي الأظفار بي وطرُ

وليس لي في العيش فيما أرى وطرُ

هكذا جسد إيليا شخصية «التينة الحمقاء» ليسرد مبررات الأحمق البخيل ليضعنا أما حالة نفسية هي «الأنانية» وكراهية الخير للآخرين، وحصره في الذات، وإنه لمرض جد عضال، يحتاج إلى تشخيص وتحليل انبرى له الشاعر بالتفصيل، وكأنما يضع مريضاً نفسياً في «شيزلونغ» ليستنطقه حول ملابسات مرضه، ودوافعه السلوكية، ومن هنا تعترف لنا التينة المريضة بمسوغات حسدها غيرها على ما ينالونه من خير يذهب إليهم رغماً عنها حين تلقي ظلاً على الأرض يتفيأه الناس والدواب، أو حين تثمر فاكهة فتأكل منها الطيور وأصحاب البستان، كل ذلك لا تريده، لماذا؟ تقول لأنها لا تنال من خيرها شيئاً لنفسها، وإنما يذهب كله للآخرين، حتى جمالها وهي شامخة ومخضرة مثمرة لا تراه فتستمع بمشهدها وإنما يذهب ذلك أيضاً لغيرها، وفوق ذلك تضيف أنها ضجرت من كثرة ما يطلب خيرها الآخرون، فكل ذي ظفر وكل ذي جناح يريد أن يأخذ منها وهي لا تنال منهم شيئاً هذه هي مبرراتها ولذلك تقرر:

إني مفصّلةٌ ظلي على جسدي

فلا يكون به طولٌ ولا قِصرُ

ولستُ مثمرةً إلا على ثقةٍ

أن ليس يطرقني طيرٌ ولا بشرُ

عاد الربيع إلى الدنيا بموكبهِ

فازيّنت واكتست بالسندس الشجرُ

وظلت التينة الحمقاء عاريةً

كأنها وتدٌ في الأرض أو حجرُ

ولم يُطقْ صاحبُ البستان رؤيتها

فاجتثها فهوت في النار تستعرُ

من ليس يسخو بما تسخو الحياة به

فإنه أحمقٌ بالحرص ينتحرُ

هذا البيت الأخير هو الدرس المستفاد من تجربة الشح والأنانية التي خاضتها التينة الحمقاء، حيث كانت نهايتها في النار وبئس المصير، فمن ليس يعطي الحياة مقابل ما تعطيه إياه فهذا هو مصيره.

Email