سلطان الخرجي أحد مرافقي المغفور له الشيخ زايد:

مدرسة زايد نبراس عالمـي ولقاءاتـه بالمواطنين برلمانات شعبية

ت + ت - الحجم الطبيعي

العظماء لا يرحلون لأنهم يتركون من طيب ذكرهم ما يبقى خالداً أبد الدهر، وتتناقل الأجيال سيرتهم غضّة حيّة كما لو أنهم يعايشونها لحظة بلحظة..

والمغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، كان قامة إنسانية باسقة، يفوح عطره على كل من عاصره، فأصبحت يومياته معهم كنزاً ثميناً يتناقلونه بين أبنائهم وأحفادهم ميراثاً عزيزاً يستقون منه ما يهتدون به في الحياة..

هذه صفحة يومية لأناس عاصروا الشيخ زايد بن سلطان يروون أحاديث الفكر والقلب والوجدان ممزوجة بعبق المحبة الغامر.

أكّد سلطان بن راشد الخرجي، أحد مرافقي الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، حرص المغفور له بإذن الله تعالى، منذ توليه الحكم في إمارة أبوظبي في ستينيات القرن الماضي وحتى قبيل وفاته، على اللقاءات المفتوحة والمباشرة مع أبنائه المواطنين، سواء من خلال زياراته الدورية في أرجاء الوطن، أو أثناء استقبالهم في مختلف مجالسه، خاصة في قصر فلج المعلا بأم القيوين، حيث صار نموذجاً أصيلاً في إرساء قيم الشورى والتواصل بلا حواجز بين الحاكم والرعية، لما يتحلى به، طيب الله ثراه، من خصائص متفردة في الزعامة والقيادة التي عززها وقوى دعائمها من حبه لشعبه، وحب شعبه له، لافتاً إلى أنه ضرب مثلاً متفرداً في أساليب التواصل، واتبع سياسة الباب المفتوح بين الحاكم والمحكوم، التي ينادي بها الكثير من الدول والمؤسسات في وقتنا الحالي، وتعقد لها المؤتمرات والمنتديات من أجل مناقشتها وتطبيقها في الوقت الذي كان يتعامل بها في كل تفاصيل حياته في الحكم، حيث تجسد ذلك واقعاً ملموساً في كل لقاءاته بالمواطنين في مختلف أنحاء الدولة، حتى أضحت برلمانات شعبية قلّ وجودها، كما أن مدرسته الخيرية غدت نبراساً تهتدي به شعوب العالم.

زايد الخير

وقال الخرجي: إن ثمّة علاقةً قويةً تربطه بالمغفور له، بإذن الله، الشيخ راشد بن أحمد المعلا، حاكم أم القيوين، الذي كان يرافق الشيخ زايد، طيب الله ثراه، في حلّه وترحاله، وفي مهامه خارج أرض الوطن وزياراته إلى المناطق الشمالية.

فشاركهما تلك الزيارات والمهام داخل الدولة وخارجها، وكان أقرب شخص إليهما، لافتاً إلى أنه من خلال تلك الزيارات تبدّت له إنسانية زايد الخير، وإسهاماته الخيرية، وحكمته الفذة في إدارة الأمور وتصريفها، كما أن أعماله الخيرية والإنسانية تعدّت حدود الوطن إلى كل البلدان العربية والإسلامية، وأصبحت منهاجاً في عمل الخير سار على دربه أصحاب السمو حكام الإمارات، كما أنه كان حاكماً حكيماً وعبقرياً، لا يسمع عن أي مشكلة في عالمنا العربي والإسلامي إلا لبّى لتذليلها دون منة ولا انتظار رد الجميل، لذلك أحبّته الشعوب العربية والحكام العرب، لأنه كان صادقاً في القول والفعل.

وأوضح أنه من خلال مرافقته زايد الخير، كان يلحظ أنه يقدم عمل الخير لكل بلد يزوره ولا يفرق بين مسلم وغير مسلم، وأن البلدان التي لم يزرها يرسل إليها مندوبين لتفقدها، ومن ثمّ إرسال المساعدات، ويكرر دائماً مقولته «الأرض ملك لله وخيراتها للبشر»، ولم يبخل على أحد سواء المواطنون أم المقيمون داخل الإمارات، كما أن مدرسة زايد علمت أصحاب السمو حكام الإمارات وشعبها حب أعمال الخير، واستمرت تلك المدرسة حتى يومنا، حيث أضحت نبراساً لكل شعوب العالم حتى غدت الإمارات من أوائل الدول التي تدعم الأعمال الخيّرة في كل أصقاع المعمورة، فاكتسبت سمعة عالمية من خلال حصدها المراكز الأولى في الأعمال الخيرية التي تقدمها.

إنسانية زايد

وقال الخرجي: إن كل من عاصر الشيخ زايد وعرفه يشهد له بعمق إنسانيته وصدق مشاعره، فقبل أن يكون رئيساً فهو إنسان يحمل في قلبه وعقله مشاعر فيها الكثير من عمق الإنسانية التي هي مصابيح أضاءت مسيرته الخيرية التي سار على دربها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، كما كانت له علاقات طيبة بالحكام العرب وأفضال كريمة على كل الشعوب العربية والإسلامية، فهو رجل وطني طالب بالحق والعدل، ووقف مع الشعوب المستضعفة وقدم لها العون، ففازت قيادته وسياسته باحترام وتقدير الجميع، مبيناً أن الشيخ زايد وجد تكريماً واسعاً من شعبه ومن الأمتين العربية والإسلامية، وما صنعه لا يرقى إليه إلا قلة قليلة من البشر، نقاء وطُهر داخلي وشيم وصفاء وعدل وحكمة ومنطق ووعي وسلام وكرم وعطاء، ما أهله أن يكون قائداً استثنائياً في واقع معاصر مفعم بالشحناء والبغضاء.

زيارات

وبيّن الخرجي أن زيارات وجولات زايد دائماً ما كانت في فصل الشتاء، فمنها زيارته إلى فلج المعلا بأم القيوين، حيث يوجد له قصر ومزرعة يأتي إليهما سنوياً، وقبلها منطقة الذيد، فيلتقي الحكام والمواطنين في جلسات صباحية ومسائية، ثم يتجول في الإمارة متفقداً المشاريع التي وجه بإنشائها أو تلك التي ما زالت قيد الإنشاء، إضافة إلى مكوثه من 10 أيام إلى أسبوعين في قصر الشيخ أحمد بن راشد المعلا، في أم القيوين، ثم في قصر الشيخ راشد بن أحمد المعلا، يستقبل فيهما المواطنين، ويطلب من التشريفات إبلاغه، في حال كانت لديه جولات ميدانية، بأن يأتوه في قصر الفلج، فكانت جلساته شبيهة بجلسات البرلمانات، يلتقي فيها المواطنين، مذللاً الصعاب والمشكلات التي تواجههم، سائلاً عن حاجاتهم، مبيناً أن مسؤوليات الحكم ومشاغله الكثيرة، لم تقف حجر عثرة أمام تواصله مع أبنائه المواطنين في كل مناطق الدولة، حتى يتابع المشروعات التي كان يأمر بتنفيذها لمصلحتهم، إضافة إلى الالتقاء بالمواطنين، والاستماع إلى همومهم وحاجاتهم، والعمل على تسويتها وتوفيرها، يقيناً منه بواجب الحاكم تجاه شعبه، بالتوازي مع حرصه على زرع قيم التكافل والتواصل والمحبة والتواضع في نسيج الوطن، كما أن جولاته الميدانية تخضر عروق شجرة الاتحاد التي تبعث الأمل في تدعيم مؤسساته، وفي زيادة فاعليتها، كما أن تلك اللقاءات المتواصلة أشبه ما تكون برلمانات شعبية يندر وجودها في دول أخرى، حيث كان المواطنون يترقبونها، فكانت بحق من مآثر حكمه الرشيد.

مساكن شعبية

ولفت إلى أنه خلال زياراته أم القيوين، وضع حجر الأساس لمستشفى أم القيوين العام، ثم افتتح المرحلة الثانية للمستشفى عام 1974، كما شهد تسليم مدرستين، كما أن زايد الخير، قبل قيام الاتحاد، أنشأ مساكن في كل المناطق الشمالية، أطلق عليها المساكن الشعبية، شيد معظمها عند مدخل الإمارة، وفيما يخص أم القيوين شيد الكثير من المساكن عند سور أم القيوين القديم، وفي المرحلة الثانية بشعبية الجوازات، ثم منطقة الحمرا ومنطقة البيضاء وفلج المعلا ومهذب والراعفة والراشدية ومنطقة بياتة، وكانت تتراوح ما بين 10 ـ 15 منزلاً، ثم أنشأ برنامج الشيخ زايد للإسكان، تحت إشراف وزير الأشغال، إضافة إلى أعضاء من أغلب الإمارات، إلى جانب مندوبين من الإمارة والبلديات والتخطيط بهدف التواصل مع البرنامج، وأصبح يمنح سكناً لكل مواطن في الإمارة التي يرغبها، لافتاً إلى أن الشيخ زايد، رحمه الله، أسس كذلك صندوق الزواج، حيث أقر 70 ألف درهم لكل مواطن يرغب في الزواج، تيسيراً لهم، تعطى دفعة واحدة، ونظراً لأن البعض لم يتزوج بعد حصوله على هذا المبلغ، فتقرر إعطاء المقبلين على الزواج 40 ألفاً، وبعد إتمام مراسم الزواج وإبراز قسيمة الزواج يمنح ما تبقى من المبلغ.

زايد في رمضان

وأوضح الخرجي أن زايد الخير، خلال شهر رمضان المبارك، كان يتناول إفطار رمضان في قصر البحر، ثم الوثبة، وأحياناً في قصر الخزنة، وقصر غنتوت مع جموع غفيرة من المواطنين الذين ما إن سمعوا بمقدمه إلا هبوا إليه، حيث كان يفضل على المائدة الرمضانية الأكلة الشعبية (ساقو)، إضافة إلى البلاليط، ثم الثريد والهريس، إلى جانب الأرز والعصيد، حيث لا تخلو المائدة من تلك الأكلات الشعبية، كما صادف خلال رمضان أنه كان مع زايد الخير، رحمه الله، في إحدى جولاته الخارجية بالمغرب، فكان ينبه مرافقيه، دائماً، بأن هناك رخصة في حال السفر، ولكن الأفضل الصيام، لافتاً إلى أنه بعد صلاة العشاء والتراويح يتحلق المواطنون من حوله في جلسة سمر إلى وقت السحور، وخلال تلك الفترة تقدم (الفوالة)، التي يعتبرها البعض سحوراً.

وفي إحدى زياراته إلى المغرب خرج في رحلة قنص، فلاحظ أن ساكني المنطقة ليس لديهم بيوت تؤويهم، فأنشأ مساكن متفرقة لمجموعة منهم، ثم شق لهم الطريق وأدخل لهم التيار الكهربائي، فكانوا يبادلونه حباً بحب، ووفاءً بوفاء، كما لاحظ في فصل الشتاء أن صاحب أحد المطاعم بالمنطقة أغلق مطعمه، فكلّف علي بن سالم الكعبي، الذي كان مرافقاً له، بأن يتكفل بتزويد صاحب المطعم بالمواد اللازمة، على أن يطعم الطيور كذلك.. هكذا كان الشيخ زايد أينما حل يرسم البهجة ويترك أثراً وإرثاً يظل خالداً يحمل اسمه.

ميدان اللبسة

وأضاف الخرجي أن زايد الخير كان مهتماً بسباقات الهجن، فأنشأ ميدان اللبسة لسباق الهجن بأم القيوين، الذي يعد من أقدم الميادين التي وجه زايد الخير بإنشائها، وذلك دعماً لأصحاب الهجن، فكان يخصص لهم الجوائز النقدية الكبرى في حال الفوز، تشجيعاً لتلك الرياضة التي أضحت رياضة شعبية تجد اهتماماً كبيراً من القيادة الرشيدة للدولة.

إرث خالد

قال الخرجي: إن «عام زايد 2018» سيبرز الإرث الأصيل الذي تركه زايد الخير وجسده في نفوس أبنائه، كما يعد رسالة للعالم تحمل في طياتها قيم العطاء الإنساني للزعيم التاريخي الذي امتدت أياديه الخيرة البيضاء بالخير والمحبة والعطاء للعالم، فتجاوزت حدود الجغرافيا بمعانيها الضيقة إلى آفاق عالمية كثيرة، وترسخ أقواله وأفعاله منظومة من القيم التي تجسد سماحة الإسلام، وتعكس إرثاً حضارياً للحضارة العربية الإسلامية.

Email