زيارة رمضانية الزمان، بيتية المكان، اجتماعية الملامح، نرصد فيها ما يميّز أصحاب البيت في رمضان. مواقف وحكايات وأنشطة وممارسات تدور في فلك الأيام والساعات، نلملم منها قصصاً وصوراً واهتمامات، تخص الآباء والأمهات؛ وأيضاً البنين والبنات. كل هذه الملامح تتكاثف بعفوية لتشكّل معاً ما يشبه العادات، التي تنعش أجواء رمضان باقتدار.
نرصدها ونحصرها ونحصد منها ما يليق بالفكرة من خلال حديثنا »مع الناس«. أبرز ما يميز اليوم الرمضاني نضعه أمامكم في قصص يومية شخصية، ثلاثينية الفصول ترضي الفضول. في رمضان كنا »مع الناس« فوجدنا الكثير مما يستحق الذكر، أيام تفيض بالمتعة في أرجاء بيوت كثيرة، وقناعات أخرى وجدناها في ثنايا القول والفعل. صورناها بالكلمات وسلطنا الضوء فيها على يوميات تدوم في ذاكرة أصحابها، تخصهم وحدهم في شهر الخصوصية. هكذا هي حكاياتنا »مع الناس«، نترككم مع واحدة منها.
على الرغم من تزامن إجازته مع شهر رمضان، إلا أن أسرته رفضت قضاء الإجازة في مصر، وأصرت على الصيام في الإمارات للاستمتاع بالعبادة، وقضاء أجمل الليالي مع الأصدقاء بعيداً عن مفاهيم الغربة. في مدينة العين، يمضي الدكتور سعيد حامد، مخرج وأستاذ الإعلام في جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا، إجازته وسط أجواء أسرية مفعمة بالإيمان والفرحة، مع زوجته وأبنائه عبدالله ومحمد وابنته منة الله.
مكانة استثنائية
هكذا وصف الدكتور حامد شهر رمضان، بأنه ذو مكانة استثنائية في قلوب جميع المسلمين، كونه يتميز بالروحانية التي يضفيها على حياته الأسرية والاجتماعية. ويتميز بكثرة الزيارة إلى الأصدقاء وصلة الرحم، فضلاً عن التفرغ لأداء العبادات مثل قراءة القرآن وتفسيره، والتضرع إلى الله بالدعاء، لا سيما وأنه نشأ في بيئة دينية على يد أسرة ينتمي كبارها إلى علماء الأزهر، تعلم منها الكثير من السلوكيات الواجب اتباعها في رمضان وغيره من المناسبات الدينية.
يقضي الدكتور حامد شهر رمضان في مدينة العين وسط أجواء أسرية ممتعة، ولا يشعر بالغربة مطلقاً، عازياً السبب إلى احتضان الإمارات بمختلف مدنها شريحة عريضة من الجاليات العربية والمسلمة. ويصف أول يوم في رمضان، بأن رونقه اجتماعي، نظراً لإجراء الاتصالات الهاتفية لجميع الأصدقاء والأقارب، بدءاً من شقيقه الأكبر ثم أم زوجته »حماته« وأشقائه الآخرين، لكن وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة اليوم لها نصيب من حياته، وبدا واضحاً استخدامه لها بتهنئة الآخرين عبر إرسالها إلى المجموعات في برنامج »الوات ساب« أو »الفيس بوك« وسواها.
نصف ساعة
قبل صلاة الفجر بنصف ساعة، ينهض الدكتور مع أبنائه من النوم لتناول طعام السحور، أسوة بقول الرسول الكريم »تسحروا فإن في السحور بركة«، وعادة ما يتكون طعام السحور من الفول والسلطة والجبن والزبادي، نظراً لتناولها منذ سن الطفولة، ثم يذهب برفقة أولاده محمد وعبدالله إلى المسجد، ويعود للنوم بعد الصلاة حتى قبل موعد أذان الظهر، ليصلي ويعود مرة أخرى للنوم حتى صلاة العصر.
من بعد صلاة العصر حتى صلاة المغرب، يكرس الدكتور حامد وقته لقراءة القرآن وتفسير آياته، خصوصاً وأن الوقت بين صلاتي العصر والمغرب يمتد نحو ساعتين ونصف، وقبل موعد أذان المغرب، يحرص على الدخول إلى المطبخ، لمشاركة الأسرة في إعداد مائدة الطعام، أو إعداد السلطة أو الحلويات إن كان هناك متسع من الوقت. كذلك يحرص على تغيير المسجد يومياً لصلاة التراويح، نظراً لتوفر موسوعة ضخمة من المساجد على أرض الإمارات وتحديداً في مدينة العين.
من الطقوس الأخرى التي يحرص عليها الدكتور حامد، تناول الإفطار نحو ثلاث مرات طوال شهر رمضان خارج البيت في المطعم برفقة الأسرة، فضلاً عن دعوته بصحبة العائلة إلى بيت أحد الأصدقاء أو العكس، إذ يرى أن كثرة التواصل في رمضان، تمد النفس بالألفة والرحمة. كذلك يحرص الدكتور حامد على المشاركة في الفعاليات الرمضانية..
والأمسيات الثقافية التي تنظمها الجامعة أو غيرها من الجهات، خصوصاً وأن دولة الإمارات تتميز بتنظيم الكثير من الخيام الرمضانية، حيث تستقطب العائلات العربية بصورة خاصة، ويحرص في هذا الصدد على اصطحاب أولاده لقضاء أجمل السهرات ضمن الخيام الرمضانية.
المدينة الأولى
يسكن الدكتور حامد في مدينة العين منذ عام 1995، ورغم أن موقع العمل بعيد عن بيته نسبياً، إلا أنه آثر عدم الخروج من العين كونها الوجهة الأولى بعد زيارته للإمارات، إضافة إلى نشأة أبنائه وترعرعهم في »دار الزين«، ويشعر حيناً عندما يقود السيارة في طريق العودة من مقر الجامعة بفرعها في الفجيرة، بالاتجاه إلى مدينة العين، بأنه راجع إلى وطنه الأم »مصر«.
وتتميز مائدة الدكتور حامد الرمضانية، بوجود طبق السلطة الخضراء، والشوربة وتحديداً شوربة العدس، و»المحشي« وورق العنب، إضافة إلى بعض المأكولات الإماراتية مثل الهريس، إذ يقدم بعض المواطنين طبق الهريس هدية له في رمضان يومياً، كذلك يتبادل الأطباق الرمضانية مع جيرانه العرب والأجانب المسلمين.
وبالرغم من أنه مخرج تلفزيوني، إلا أن الدكتور حامد لا يميل كثيراً إلى مشاهدة التلفاز في رمضان، إلا ما قل وندر من البرامج مثل البرامج الدينية أو مسلسلين كحد أعلى وبرنامج الكاميرا الخفية، عبر القنوات المحلية أو التلفزيون المصري الذي يشعر عند مشاهدة برامجه بالحنين، ويستمتع بمشاهدة أعمال زملائه التلفزيونية، وقد سبق أن أخرج برامج في بعض القنوات المحلية، مثل برنامج »موسوعة الفتاوى المعاصرة«، وبرنامج »الشمائل المحمدية«.
ليلة العيد
أما بعد انتهاء شهر رمضان، فيستقبل الدكتور حامد عيد الفطر المبارك بشغف كبير، وقد لا ينام في تلك الليلة فرحاً به واستعداداً لمناسبة دينية واجتماعية أخرى، وأول ما يقوم به عندما كان يقضي العيد في مصر، زيارة المقابر بعد الفراغ من صلاة العيد، ويبدأ بالبحث عن الأسرة التي لديها حالة وفاة لأداء واجب العزاء، ثم يزور الجيران وأهالي القرية، بحيث يقف عند كل أسرة لمدة خمس دقائق.
في مصر
عند قضاء الدكتور سعيد حامد شهر رمضان في مصر، يجده مختلفاً نسبياً نتيجة وجود غالبية الأهل والأقارب في بلده، إذ يحرص في مصر على تناول الإفطار يومياً في بيت أحد الجيران أو الأقارب أو الأصدقاء، فضلاً عن زيارة حي الحسين وقضاء أجمل الليالي وسط الأجواء الروحانية التي يتميز بها المكان. بالرغم من ذلك، أكد الدكتور حامد أن هناك الكثير من العادات المشتركة بين مجتمع الإمارات والمجتمع المصري، سواء إعداد بعض أنواع المأكولات، أو الطقوس الأخرى المتمثلة في تبادل الأطباق وسواها.



