الاغتياب وليد الأنانية المدمرة للعلاقات الاجتماعية

ت + ت - الحجم الطبيعي

كلما سادت المحبة بين الناس ازدادت العلاقات الاجتماعية تماسكاً ونماء وعاش الجميع في سعادة غامرة، الأمر الذي جعل كل واحد يسعى لتحقيق مصالح الآخرين بإخلاص نية وانتفاء الأنانية المدمرة التي تنم عن روح شريرة لا تريد الخير للآخرين ويعجب الإنسان في زماننا من أي اجتماع يحدث بين أية مجموعة من الناس سواء على مستوى الرجال أو على مستوى النساء دون أن يسود فيه الحديث عن الغيبة والتملق والنفاق ومدح الناس بما ليس فيهم وذكر أحوال الدنيا والبحث عن أخبار أهلها والتفحص عما لا يلزمهم ولا يعنيهم بل ما يضرهم،

لكن لو تناولوا في اجتماعاتهم العلوم الدينية والحكم والمواعظ والاقتداء بالسلف الصالح في هديهم مع ضرورة تذكر أحوال الآخرة، وإن كان البعض لا يروق له سماع أحاديث في هذا الشأن وقد تسمع من يقول لك غير هذه السيرة ولو ذكرت سير الناس وخضت في أعراضهم انتبهو لما تقول ونسوا أمثال هؤلاء الذين يغتابون الذين يستمعون إليهم أنهم شركاء في الاغتياب وفي الإثم.

سمع علي بن الحسين رضي الله عنهما رجلاً يغتاب آخر فقال له إياك والغيبة فإنها إدام الكلاب، وقد قيل: التصديق بالغيبة غيبة والساكت عن الغيبة شريك المغتاب والمستمع أحد المغتابين والمسلم التقي هو الذي يبتعد عن الغيبة والنميمة حتى لا يدخل في زمرة الأشرار الذين لا هم لهم إلا الإفساد بين الناس وتقطيع عرى المحبة والمودة بين الأخلاء.

روي عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم بخياركم؟

قالوا بلى يا رسول الله قال الذين إذا رُؤوا ذكر الله عز وجل، ثم قال: ألا أخبركم بشراركم المشاؤون بالنميمة المفسدون بين الأحبة الباغون للبرآء العيب. (رواه أحمد بإسناء حسن)، ويقول صلى الله عليه وسلم «لا يدخل الجنة نمام».

قال تعالى: «ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم». (الحجرات 12)

وروي عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فارتفعت ريح منتنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتدرون ما هذه الريح؟ هذه ريح الذين يغتابون المؤمنين. (رواه أحمد وابن ابي الدنيا ورواة أحمد ثقات).

والباعث على الغيبة هو أن يشفي المغتاب غيظه بذكر مساوئ من يغضب عليه، أو لمجاملة الرفقاء اذا كانوا يتفكهون بذكر الأعراض والسخرية والاستهزاء بالناس.

قال بعض الحكماء إن ضعفت عن ثلاث فعليك بثلاث: إن ضعفت عن الخير فأمسك عن الشر وإن كنت لا تستطيع ان تنفع الناس فأمسك عنهم خيرك وإن كنت لا تستطيع ان تصوم فلا تأكل لحوم الناس.

وقيل: ليس من الحرية الأدبية أن تقول في الغائبين شيئاً لا تجرؤ أن تقوله لهم وهم حاضرون، واعلم أن من نم إليك نم عليك ومن يغتب في حضرتك يغتبك وسلاح السافل النميمة.

وجاء في الحكمة: استح من ذم من لو كان حاضراً لبلغت في مدحه، ومدح من لو كان غائباً لسارعت إلى ذمه.

وقيل لبعض الحكماء: ما الحكمة في أن ريح الغيبة ونتنها كانت تتبين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تتبين في يومنا هذا؟ قال: لأن الغيبة قد كثرت في يومنا فامتلأت الأنوف منها فلم تتبين الرائحة وهي النتن، ويكون مثال هذا مثل رجل دخل دار الدباغين، لا يقدر على الفرار منها من شدة الرائحة، وأهل تلك الدار يأكلون فيها الطعام ويشربون الشراب ولا تتبين لهم الرائحة لأنه قد امتلأت أنوفهم منها، كذلك أمر الغيبة في يومنا هذا.

وروي عن إبراهيم بن أدهم، رحمه الله تعالى، أنه أضاف أناساً، فلما قعدوا على الطعام جعلوا يتناولون رجلاً، قال إبراهيم: إن الذين كانوا قبلنا كانوا يأكلون الخبز قبل اللحم وأنتم بدأت باللحم قبل الخبز.

ومن دفع كلام السوء عن أخيه المسلم أبعده الله من جهنم. روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة). (رواه الترمذي وقال حديث حسن).

 

Email