د. بيومي يتأمل آية »وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً«

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقول دكتور عبد المعطي بيومي العميد الأسبق لكلية أصول الدين عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، القرآن كله وفي كل آية من آياته يستوقفني، وكثيرًا ما أقف عند أية أتأمل فيها إعجاز القدرة الإلهية على الفعل والتعبير عن الفعل والاستحقاق على الفعل، والاستحقاق الواجب لله والواجب على العبد، فكل آية من آيات الله في القرآن العظيم المسطور تقابلها آية كونية من الكون المنظوم.

وإن كنا نستطيع أن نحصر عدد آيات الله في القرآن الكريم فإننا لا نستطيع مهما أوتينا من علم أن نحصر الآيات الكونية الدالة على علمه وقدرته وعظمته، ويكفي أن نقف عند قوله تعالى:{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} (سورة الإسراء)، فمهما تطور العلم والعلماء سيبقى علمهم محدودًا وقليلاً، وهذا ما أكده القرآن الكريم.

ففي هذه الآية دقة في اللفظ واختصار موجز، والمعروف أن قمة البلاغة في إيجاز الكلمة، وقديمًا قالوا «إن البلاغةَ الإيجازُ»، كما قالوا أيضا «خير الكلام ما قلَّ ودلَّ».

وقد كتب أحد المبدعين من البلغاء خطابًا مطولاً إلى صديق له وزينه في النهاية بالاعتذار عن التطويل قائلا: معذرة على التطويل لأني لم يكن لديّ وقت للإيجاز.

فالإيجاز هو عين البلاغة، وعندما نقرأ قول الله تعالى ونقارن بين هذا اللفظ الدال أبلغ دلالة والموجز أبلغ إيجاز أمام ما يظهر من علوم الله التي يكشفها لخلقه في الكون وفي الإنسان؛ نجد ما ندرك معه أن هذه العلوم التي يكشفها الله تعالى للإنسان في بدنه وجسمه وقلبه وعقله في الكون المحيط به ما يجعل الإنسان مسؤولاً مسؤولية كبرى أمام هذه العلوم والاكتشافات التي يكشفها له الله عز وجل.

فالإنسان يكتشف ولا يبدع، فالطبيب يكشف عن المولود الذي يستره الله بعد أن كان مستورًا، وهذا يجعل المسؤولية تتركز في وجوب الإيمان بالله الذي وسع كل شيء علمه وتفضل على عباده بأجزاء تبدو واحدًا بعد الآخر من علمه الذي يهبه للإنسان، ومع الإيمان تبقى مسؤولية هذا العلم الذي يمنحه الله للعلماء ومسؤولية هذا العلم أن يكون معمرًا لا مدمرًا وأن يهدي البشرية إلى أفضل نظام لا في علاج الإنسان فقط ولا في هدايته إلى منظومة القيم والأخلاق الراقية فحسب .

وإنما في التخطيط لحياة الإنسان الذي جعله الله عز وجل خليفة له؛ لكي يعمر الكون والحياة بالنظام الذي أودعه الله في كتابه وفيما سطره على لسان رسوله في السنة النبوية المطهرة.

وهذا يجعلنا نختم هذا التأمل بقول الله تعالى { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} (سورة الإسراء). أي أن القرآن يهدي إلى الحياة المتوازنة الحرة المسؤولة التي تجمع بين مطلب البدن والروح، الدين والدنيا في عدالة كاملة يجب أن نتوخاها في أي مستوى كنا نعيش.

Email